Comments system

111

أهلا وسهلا بكم في وادي سوف الأصيل ***وادي سوف الأصيل ***
‏إظهار الرسائل ذات التسميات من تاريخ وادي سُوف. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات من تاريخ وادي سُوف. إظهار كافة الرسائل

25 مارس 2016

ذكر وادي سوف في رحلة الأغواطي في بدايات القرن 19

لقد تم ذكر منطقة وادي سوف و أحوال أهلها و لو بشكل مختصر من قبل الرحالة الحاج ابن الدين المعروف بالأغواطي و الذي مر بها في أوائل القرن التاسع عشر و التي وردت في كتاب لابن وادي سوف المرحوم الدكتور أبو القاسم سعد الله (رحلة الأغواطي الحاج ابن الدين في شمال افريقيا و السودان والدرعية ) و الذي حققه عن المستشرق الأمريكي (وليام هودسون) الذي قام بنشر ترجمة للمخطوط الأصلي لرحالة الأغواطي بالانجليزية ... للاشارة فإن هذا الأخير(وليام هودسون) كان يشغل مساعد لقنصل الولايات المتحدة الأمريكية بالجزائر(شيلر) بين سنتي 1825 و 1829 و قد كرس جهوده لاتقان العربية و التركية و التعرف على البربرية و جمع المعلومات حولها كما كان مهتما بالثقافات الشعبية للعرب و البربر من سكان شمال افريقيا في ذلك الوقت ...
تطرق الأغواطي في وصفه لسُوف لتفاصيل قليلة حول أهلها و سكان قراها فذكر أنها واد كبير يعرف بوادي سٌوف فيه عدد وافرمن الدشور (المداشر و القرى) يمكن أن توفرعشرون ألف من الرجال . لا يخضع سكانها لأي حاكم و لم يطيعوا أبدا أي سلطان و يتمتعون باستقلال كامل , يتكلمون العربية و يعيشون على التمر و حليب الابل و معظم تجارتهم مع غدامس ... كما ذكر أنهم يقومون بعمليات الإغارة و السلب على القبائل المجاورة و التي قد تمتد في بعض الأحيان إلى مناطق الطوارق ( و لعله يقصد هنا قلة قليلة من قطاع الطرق التي ينتمي أفرادها لبعض القبائل الهلالية التي اشتهرت بالشراسة و الإغارة و قطع الطريق) لأن أهل سُوف العرب من قبائل طرود و عدوان كانوا يشتغلون بزراعة بساتين النخيل (الغيطان) و رعي الأغنام و تسيير القوافل التجارية للمناطق المجاورة لسٌوف كما ورد ذلك في وصف العدواني وغيره من المؤرخين .
كما أن الأغواطي قد اكتفى بذكر منطقة واحدة من مناطق سُوف و هي منطقة (عميش) و التي ذكر أنها تقع على الحدود الجنوبية من وادي سُوف على مسيرة يوم واحد منه و على مسيرة ثمانية أيام من غدامس إلى الجنوب (ولعل السبب في ذكرعميش دون سواها من قرى و مداشر سٌوف الأخرى أنها كانت نقطة مرور للأغواطي في رحلته باتجاه غدامس و السودان ) .
كما ذكر الأغواطي أن المنطقة الواقعة بين سُوف و غدامس عبارة عن بحر بلا نهاية من كثبان الرمال فلا توجد بها قرية و لا ماء و لا يعيش بهذه الأرض لا ذئب و لا نمر و لا أسد و ذلك راجع لشدة الحر و العطش . و لا يعيش بها من الحيوانات سوى النعام و بقر الوحش .
و في الأخير ختم وصفه بالطريقة التي يتم بها صيد النعام .
لتحميل نسخة كاملة من الكتاب اضغط هنا




9 فبراير 2014

منظومة التسمية في مجتمع وادي سوف خلال الفترة بين (1882-1937)

مقدمة :
دراسة قيمة من اعداد الأستاذ : الجباري عثماني بعنوان " منظومة التسمية في مجتمع وادي سوف خلال الفترة بين (1882-1937)" 
 صدرت في العدد الرابع  لشهر جانفي سنة 2014 عن مجلة الدراسات والبحوث الاجتماعية - جامعة الوادي .
دراسة تستحق الاطلاع  سيجد فيها  الباحثين و المهتمين جانب من التاريخ المحلي لمنطقة وادي سوف.
ملخص :
تهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على نظام التسميه الذي كان متبعا في مجتمع وادي سوف في
الفترة 1882- 1937، قبل فرض قانون الحالة المدنية الفرنسي على مناطق الحكم العسكري (الجنوب
الجزائري). ونتعرف من خلال ذلك على الطريقة المتبعة في التعريف بالأسماء والألقاب، و العناصر المكونة
للاسم؛ وذلك بإلحاق الأفراد إلى الآباء والأجداد، والنسبة أيضا للعرش و العميرة و حتى الوظيفة أو الحرفة تضاف بأسماء بعضهم واعتمدت الدراسة على مصدر أولي مهم يتمثل في وثائق المحاكم الشرعية التي كانت تنشط في تلك الفترة؛
نظر لما تحتويه حججها من معلومات فريدة دون حيف حول التركيبة التسموية  لأفراد المجتمع السوفي
Résumé
Cette étude vise à faire la lumière sur le système de nommage, qui a été suivie dans la
communauté d' Oued Souf dans la période 1882-1937 avant l'imposition de la loi sur l'état civil
français dans les domaines militaire règles ( sud de l'Algérie ). Et d'identifier à travers elle sur la
façon dont la définition de noms et de titres, et les éléments constitutifs de ce nom,  rejoindre les
personnes aux parents et aux grands-parents, ainsi que le rapport sur  le trône et la bande, et
même un emploi ou d'artisanat ajouté les noms de certains d'entre eux. L' étude s'est appuyée sur
la source primaire est importante dans la charia courts documents qui étaient actifs durant cette
période, car ils contiennent des  arguments d'information unique, sans injustice à propos de la
composition d'appellation des membres de la société de Souf.
   
 لتحميل الدراسة بصيغة pdf اضغط هنا download     

22 أبريل 2013

تراجع التنظيم القبَلِي بوادي سُوف (الجزء الخامس و الأخير)

وصلت قيادة القبائل المحلية ذروتها خلال هذه الفترة، لكنها كانت تفقد بالفعل قاعدتها السياسية. تحت السيطرة المباشرة من الضباط الفرنسيين وكان القياد لا يتمتعون بإستقلالية الحكم على الناس مثل ما كان عليه "علي باي" و "إبن إدريس" .
بعد التهدئة في جنوب تونس أصبحت الحاجة إلى القادة العسكريين في تضاؤل ​​مستمر . في بداية الثمانينات من القرن التاسع عشر تم إحصاء حوالي 250 رجلا من المتعاونين مع السلطات الفرنسية (goum) ، في التسعينيات انخفض هذا العدد إلى حوالي 50 رجل وعام 1907 كان عدد الخيالة في الخدمة الفعلية 15 فارسًا .
 كما أن وظيفة زعماء القبائل في جمع الضرائب لم تعد تحضى بالشعبية , كما أصبحت الأنشطة الإدارية الفرنسية أكثر كثافة ، وكانت هناك زيادة في الطلب على الموظفين المبتدئين من السكان المحليين ، الذين يتم ترشيحهم في البداية بناء على توصية من زعماء التجانية. في ذلك الوقت كانت الطريقة الرحمانية في الواقع هي أكبر الطرق في سُوف، ولكن تم تقسيم قيادتها بين خطين متنافسين من المشايخ، وكانت بالتالي غير قادرة على لعب دور سياسي فعال .
 أما الطريقة التجانية فيبدو أنها كانت تأمل في تمديد نفوذها جنبا إلى جنب مع التوسع الفرنسي في الجنوب الجزائري والصحراء . حتى الآن بدأ الضباط الفرنسيون يدركون بأن زعماء القبائل لم يكونوا من الطبقة الأرستقراطية المتعارف عليها ، وبالتالي فهم حلفاء ضعفاء إلى حد ما في أفضل الحالات . تم الاعتراف رسميا بالجماعة (مجلس المشايخ و الأعيان ) في عام 1896 ولكن هذه الأخيرة كانت مترددة في التعاون بشكل وثيق مع الفرنسيين . مع مساعدة من زعماء التجانية يأمل الفرنسيون في إقامة نوع من الشرعية لحكمهم في عيون رعاياهم من الجزائريين .
أما الطريقة القادرية فقد كان لها أتباع في بعض المناطق في سُوف منذ أوائل القرن التاسع عشر ، ولكنها ظلت صغيرة نسبيا حتى الآن . في عام 1887 قدم شقيقين طموحين من الزاوية القادرية في نفطة (جنوب تونس) إلى الجزائر وأسسا زواية قادرية في سُوف   و أخرى في ورقلة . وخلافا لزعماء التجانية الذين كانوا يحبذون دائما حياة العزلة نوعا ما عن العامة ، كان الشيخ سي الهاشمي الذي جاء إلى سُوف ، شخصية تعايش الحياة العامة . واقتداء بالتجانية فإنه كان يسعى الى توسيع نطاق نفوذه من خلال العمل مع الفرنسيين بصفتة الراعي لأتباعه . معظم الضباط الفرنسيين قابلوه بنوع من الريبة وإنعدام الثقة ، كما أن القياد المحليين وزعماء التجانية الذي كانوا قد وصلوا إلى تسوية مؤقتة لم يكونوا يحبذون تقاسم غنائم السلطة مع منافس آخر و قد شجعهم في ذلك عدم الثقة الفرنسية في هذا الوافد الجديد . وقد كانت المنافسة بين التجانية و القادرية عادة ما تكون في الشؤون المحلية البسيطة و التافهة .
ولكن هذه المنافسة قد كانت قاسية في مناسبتين و بينت جانبا من الفضائح التي تورط فيها الزعماء الدينيين في سُوف و التي جذبت إليها الدعاية على نطاق واسع . 
المناسبة الأولى :  في 8 من شهر جوان عام 1896 أغتيل "الماركيز دي موريس" من قبل الطوارق في منطقة الحدود بين تونس والجزائر وطرابلس . كان هذا الأرستقراطي الفرنسي متزوجا من وريثتة الأمريكية ، فكان مغامرًا يشعر بجنون العظمة نوعا ما ، ورجل قيادي في الحركة ضد مناهضة السامية الفرنسية منذ التسعينات من القرن الثامن عشر . و كان يتصور أن التجارة عبر الصحراء كانت لا تزال مصدرا رائعا للثروة ، وكان يتوقع أنه سيتحصل على حصة من تلك الثروة . وعندما قام الجيش الفرنسي بحظر التنقل في الصحراء لأسباب تتعلق بالسلامة ، اعتقد "موريس" أن الضباط الفرنسيين في الجنوب كانوا يسعون لاحتكار الثروات الطائلة من التجارة عبر الصحراء لأنفسهم . لذلك فقد ذهب إلى جنوب تونس ، ثم تسلل سرًا إلى الجنوب ، وانضم إلى مجموعة من الطوارق و الشعانبة ، الذين عرضوا عليه نقله معهم إلى غدامس ، حيث قاموا باغتياله بها بعد بضعة أيام . أبدت السلطات الفرنسية في الجزائر وتونس القليل من الحماس للقبض على القتلة . كما أنهم كانوا يعتقدون أن "موريس" كان مسؤولا إلى حد كبير عن مصيره . كما رأى الجنرال قائد قسنطينة أن المشروع المفضل لديه في التحالف السلمي مع الطوارق أصبح مهددا باتخاذ أي إجراء انتقامي فرنسي . كما أن الأصدقاء الذين ينشطون ضد معادة السامية في الجزائر وفي فرنسا قد حللوا الأحداث بشكل مختلف وزعموا أن السلطات الفرنسية قد حرضت على قتل "موريس" للتخلص من خصم سياسي خطير. في سُوف بدأ زعيم القادرية الشيخ سي الهاشمي يسقط الإتهامات على منافسه الشيخ سي العروسي زعيم التجانية حيث زعم أن الشيخ سي العروسي هو من حرض على القتل . إذ كان سي العروسي يسعى في الواقع إلى توسيع نفوذه بين الطوارق ، وربما كان غير راغب مثل السلطات الفرنسية نفسها في تقويض هذه الجهود عبر تتبع هؤلاء القتلة . في يونيو 1898 عند قيام شقيق الشيخ سي الهاشمي الشيخ محمد الطيب زعيم الزاوية القادرية في ورقلة بجولة في الصحراء ، إلتقى خلالها بثلاثة من القتلة ، فكان قادرا على مرافقتهم، ومن ثم تسليمه إلى السلطات الفرنسية في جنوب تونس . وقد تلقت السلطات الفرنسية هذه الهدية بشيء أقل من الحماس. لأنها قد جعلتها في وضعية محرجة تجاه أصدقاء السياسية .
قادة القادرية ربما قد بالغوا كثيرًا  في تقديرالنفوذ السياسي للحركات ضد مناهضة السامية و اعتقادهم بأنها تشكل تحالف قوي مع المعارضة الفرنسية . فالسلطات تستطيع بصعوبة أن ترفض جلب القتلة إلى المحاكمة ، ولكن لم يكن هناك أي دليل على وجود أي مؤامرة في هذه القضية ، ولكن الجدل استمر حول هذه القضية لعدة عقود. 
المناسبة الثانية : في عام 1899 قدم إلى وادي سُوف من أجل هذه القضية أيضا "إيزابيل إيبرهارت" كانت هذه الفتاة الروسية المهاجرة في بداية العشرينات من العمر. قد أصبحت في رحلة سابقة مفتونة بشمال أفريقيا بصفة عامة و بوادي سوف على وجه الخصوص . و كانت قد اعتنقت الإسلام ، وكانت تتنقل و هي ترتدي زي الفتيان العرب . في عام 1899 التقت بأرملة "موريس" في باريس فعرضت عليها مبلغًا من المال من أجل العودة إلى سُوف لجمع المعلومات حول هذه القضية التي يبدو أنها قد لقيت منها القليل من الاهتمام بمجرد ذهابها إلى هناك . انضمت إلى الطريقة القادرية  لتأمن لنفسها بعض الحماية الغير رسمية من الشيخ سي الهاشمي وبدأت علاقة غرامية بينها وبين جندي جزائري من فرقة الصبايحية يعمل هناك في الحامية المحلية ، و قالت بأنها ستتزوج به في وقت لاحق .
تابع القائد الفرنسي النقيب "كوفات" " Cauvet " ظاهرة هذه الفتاة الأوروبية بنوع من الإنبهار و الريبة . 
 في يناير 1900 زارت "إيزابيل" قرية البهيمة مع الشيخ سي الهاشمي ، فتعرضت هناك لهجوم بالسيف على يد متطرف ديني وأصيبت في ذراعها. وكان الجاني من أتباع الطريقة التجانية ، و قد أعلن أنه تصرف بهذا الشكل لأن "إيزابيل" أقدمت على إهانة الإسلام من خلال ملابسها الرجالية وسلوكها .
إيزابيل إيبراهارت
 مع ذلك قام النقيب "كوفات" " Cauvet " و القياد المحليين وزعماء التجانية بنشر الشائعات بأن الجاني كان يتبع الطريقة القادرية سرًا و قد حاول قتل "إيزابيل" بناءً على تعليمات من الشيخ سي الهاشمي ، الذي كان يفترض أنه عشيقها و لكنها كانت تنظر إليه كرفيق . من أجل المساومة إلى حد ما . لكن ذلك يبدو من غير المحتمل تماما تاريخيا . فقد عرف سي محمد بأن "إيزابيل" تعتزم المغادرة إلى باتنة حيث تم نقل رفيقها إلى هناك . فإذا كان يريد التخلص منها لأي سبب ، فكان بإمكانه قتلها بسهولة حين كانت تتجول في سُوف بمفردها. و أيضا فإنه يعد من العيب أن يتعرض ضيف على زعيم عربي له مكانة مرموقة لهجوم في حضوره . و إذا كانت هناك أي مؤامرة في هذه القضية فإنها قد تكون محاولة من التجانية لدفع سي الهاشمي لتقديم بعض التنازلات . لكن لا شيء من ذلك يمكن إثباته حول هذه الحادثة ، ومع ذلك فقد تم طرد "إيزابيل إيبرهارت" (مؤقتا) من الجزائر لاتهامها بتعكير صفو السلام هناك.
استمر العداء بين التجانية و القادرية على الأقل لأكثر من عقدين . إذ لم يحرز سي الهاشمي على ثقة الفرنسيين ، و مع ذلك فقد نجح في كسب العديد من الأتباع الجدد للطريقة القادرية و خصوصا خلال الحرب العالمية الأولى عندما عارض الحظر الفرنسي على التجارة مع غدامس التي كانت تشهد حالة من التمرد ضد الإيطاليين ، كما قام في نوفمبر 1918 بتنظيم مظاهرة مناهضة للفرنسيين بعد أن قام الفرنسيون بتجنيد العمال الجزائريين للعمل في فرنسا و ما تلى ذلك من شائعات حول أن الفرنسيون يعملون ذلك كغطاء من أجل تجنيدهم لاحقا للعمل في الجيش بفرنسا . كما قام حشد من الناس بقيادة الشيخ سي الهاشمي بالاعتصام أمام مكتب القائد الفرنسي . استغل الفرنسيون هذه الفرصة و قاموا بنفيه إلى تونس لفترة من الوقت . توفي الشيخ سي الهاشمي في عام 1923 كما توفي ابنه البكر بعده بفترة وجيزة . قام ابنه الأصغرسي عبد العزيز بالتصالح مع زعماء التجانية في عام 1924 . إذا كان سي عبد العزيز شخصية ضعيفة ، ولذلك فقد اكتسب نفوذا سياسيا ضئيلا . في عام 1938 قام بتأييد أول مظاهرة وطنية في الواد ، فتم نفيه فيما بعد إلى تونس . كما أن خلفاء الشيخ سي العروسي من زعماء التجانية فيما بعد كانوا يتصفون بالكثير من ضعف الشخصية و ابتداء من العشرينات كانت الهيمنة السياسية من قبل الزعماء الدينيين شيئًا من الماضي ، على الرغم من احتفاظهم بالعديد من الأتباع إلى يومنا هذا . و بداية من الثلاثينات أصبحت المبادرة السياسية في أيدي الوطنيين الجزائريين ، الذين كانت قياداتهم تنتمي للفئات الاجتماعية الأخرى (رجال الأعمال، والعمال المهاجرين، والشباب المتكونيين على النمط الغربي) دون النظر كثيرا لانتماءاتهم القبلية أو الدينية . القياد و المشايخ أصبحوا على نحو متزايد دمى لدى السلطات الفرنسية دون تأثير أو هيبة خاصة بهم ، وغالبا ما كانوا غير أكفاء حتى في أعين أسيادهم . احتفظ الزعماء الدينيين بهيبتهم أطول مدة من القادة العلمانيين ، لأنهم كانوا أقل تورطا في الأعمال و الأنشطة التي لا تحظى بشعبية مثل جمع الضرائب أو قمع التهريب . مع ذلك فإنه على المدى الطويل أصبح واضحا جدا ، أنهم لم يتمكنوا من إحداث تغيرات أساسية كبيرة في السياسة الفرنسية . كما أن إنتشرالإسلام البعيد عن تأثيرات الطرق الصوفية من قبل جمعية العلماء المسلمين في عشرينيات و ثلاثينيات القرن العشرين أصبح أكثر و كان له بعض التأثير في سُوف، وبخاصة في قرية "الزقم" . و قد تلقت الطرق الصوفية دعما أكبر في عام 1945 قبل نصف قرن لأن الناس لم يبحثوا عن قيادات سياسية كبيرة في ذلك الوقت .

وكانت كل من القيادة العلمانية والدينية في المناطق القبلية التقليدية خاضعة لقواعد المنافسة المستمرة والتنافس . كانت القيادة العلمانية ضعيفة جدا في سُوف في أيام ما قبل  الاحتلال ، و لكنها أصبحت أكثر أهمية وو ضوح بين عامي 1860 و 1890 عندما أصبح  زعماء القبائل يشكلون وساطة فعالة مع السلطات الخارجية . لم تشكل الزعمات الدينية ولا العلمانية أرستقراطية وراثية ثابته  . فالقيادة تميل إلى أن تكون وراثية لكن المنافسة المستمرة جعلت هذه الوراثة ضعيفة سرعان ما أزيلت بسرعة و هو ما دفع إلى بروز كفاءت أخرى إلى الصدارة. و مع ذلك لم تسمح السلطات الاستعمارية لهذا النوع من الاضطرابات السياسية والدينية أن تؤدي لاختيار قادة أكفاء ولم تقم باستبدالهم ببعض العمليات الانتخابية الفعالة من أجل الاختيار . فقد تبين أن كلا من القيادة العلمانية والدينية قد أصبحتا أكثر وراثية مما كانتا عليه من قبل ، حيث أنها عانت من مصير جميع المؤسسات العائلية المغلقة ، ففي غضون بضعة أجيال سيأتي حتما إلى السلطة وريث غير كفء . البرجوازية التجارية التي كانت موجودة بالفعل في أيام ما قبل الاحتلال و التي لم تكن تمارس القيادة السياسية هي الوحيدة القادرة على الحفاظ على مكانتها ،  فقد ظلت المنافسة التجارية ممكنة ، و حركة العبور من وإلى تونس وليبيا لا يمكن حظرها أبدا بفعالية . كما أن المنافسة من قبل رجال الأعمال الفرنسيين لم تكن قوية في الجنوب . التجار أيضا لديهم المال الذي يمكنهم من أن يقدموا لأبنائهم تعليمًا حديثًا وتأهيلهم لشغل وظائف حكومية في الجزائر المستقلة . بعض العائلات التجارية القديمة ترتبط ارتباطا مباشرًا بالهياكل الاجتماعية بسُوف في القرن التاسع عشر .
                                                                            إنتهى

20 أبريل 2013

تراجع التنظيم القبَلِي بوادي سُوف (الجزء الرابع)

... في تلك السنوات نجد أول ذكر لرجلين لا يزالان شابين نسبيا هما "حمو موسى" و "أحمد بن تواتي" اللذين أصبحا من القادة المحليين الرئيسيين في سُوف في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. في ذلك الوقت كان شيوخ بعض الفصائل البسيطة من طرود منشغلين بالإغارة والإغارة المضادة ضد هجمات البدو و لكن مشاركة سكان القرى المستقرة في ذلك كانت قليلة . القوة الأعظم في أول الأمر بقيت في أيدي "علي باي بن فرحات" حاكم تقرت وممثله في سُوف. في فترة الستينات من القرن السابع عشر كانت الأوضاع هادئة نسبيا لفترة في سُوف، باستثناء بعض الإغارات ، ولكن في عام 1871 انفجرت الأوضاع. حيث حفزت هزيمة الفرنسيين في حرب 1871/1870 على نطاق واسع لمكافحة المقاومة ضد الفرنسيين في الجزائر .
 صورة قديمة لبسكرة
ظلت الأمور هادئة في البداية حول بسكرة و سُوف.و كانت الحامية الفرنسية ببسكرة قد دعيت للمساعدة في الأوراس. فقبل رحيله أمر القائد الفرنسي "بن قانة" و عائلة "بوعكاز" بتعبئة المحاربين في منطقة بسكرة ونشرهم في جميع أنحاء الواحة وذلك تحسبا لأي هجوم مفاجئ . و قد راقب كل فصيل من هذين الفصيلين بعضهما البعض مع عدم الثقة ، خوفا من أن يحاول الطرف الآخر اغتصاب السلطة في حالة انهيار السلطة الفرنسية هناك. وكان "علي باي" قد ترك تقرت مع بعض الشكوك ، لأن المتاعب بدأت تزداد في منطقة ورقلة، فوضع أفراد أسرته تحت حماية الزاوية التجانية في "قمار" بوادي سُوف.  
في منطقة ورقلة قام أحد الزعماء الدينيين المؤثرين ، والمعروف باسم "بوشوشة" بالسيطرة على كامل الواحة في مارس من عام 1871. و في 13 مايو عام 1871 دخل مجموعة من فرسانه إلى تقرت فلقي ذلك ترحيبا من قبل السكان. فتم القبض على أفراد الحامية الفرنسية الصغيرة بالمنطقة و على ستة من أقارب "علي باي" والذين قتلوا بعد ذلك ببضعة أيام .
في بسكرة كان "علي باي" مشغولا بمساعدة بعض القرى ضد عمليات النهب والسلب التي لحقت بهم و لم يكن في البداية حريصا على السير إلى تقرت. و في يوم 24 من شهر جوان وصل "علي باي" مع بعض من قواته إلى تقرت ، ولكن هبوب عواصف عاتية على المدينة في 8 جويلية أفشل مهمته و جعل قواته تعاني من نقص الإمدادات الغذائية . في حين تمكن "بوشوشة" في 10 جويلية مع عدد من جنوده من دخول المدينة المحاصرة ، أما قوة "علي باي" فقد تفرقت بسرعة وعاد إلى منطقة بسكرة.
المجاهد : بوشوشة
و قبل قدوم "بوشوشة" إلى تقرت كان قد ذهب إلى سُوف من أجل القبض على أفراد عائلة "علي باي" بقمار , ففي يوم 4 مايو حاول القيام بهجوم مفاجئ على قمار قتل خلاله 60 شخصا من الأهالي و جرح 100 آخرين و تم نهب جزء من قمار و أجل هجومه على الزاوية إلى اليوم الموالي.
دعى زعماء "قمار" حلفاءهم من "كوينين" و "الزقم" لمساعدتهم . وفي يوم 6 مايو إمتنع "بوشوشة" عن مواجهة قوة كبيرة من السوافة ورفض قتالهم، وعندما عرضوا عليه تعويضه عن الخيول التي قتلت خلال الهجوم ، قبل بمغادرة سُوف، وذهب إلى تقرت , في وقت لاحق من ذلك الصيف استخدم أتباع "بن قانة" في سُوف (تغزوت كوينين و الزقم) اتصالاتهم مع فروع الرحمانية في جنوب تونس للحصول على كميات كبيرة من البارود، التي عرضت من قبل للبيع لبوشوشة . فقاومت حركة "بوعكاز" (قمار الواد و الدبيلة ) هذه الصفقة على أمل كسر احتكار حركة أخرى لتجارة البارود المربحة .و بعد نشوب بعض المناوشات بشوارع "تغزوت" ، أصيب خلالها 24 شخصا اضطر باعة البارود لتعويض "قمار" وحلفائها تدفع 25.000 فرنك منها لبوشوشة في شهر مايو وتعويضا لعمليات النهب والقتل التي شهدتها "قمار" في تلك المناسبة .
هذه الحوادث تبين بوضوح ما كان عليه التنظيم القبلي في سُوف و ما لم يكن عليه , ففي البداية حين هددت "قمار" من قبل عدوان خارجي طلبت المساعدة من فصيل "أولاد سعود" و لكن بعد ذلك بوقت قصير ، فإن هؤلاء الحلفاء على استعداد للتحالف مع المعتدي نفسه ضد الحلفاء السابقين ، فهم يعملون الآن في إطار تحالف مع جماعات أخرى لهم علاقات تجارية جيدة في جنوب تونس , وكان هذا الموقف هو الذي جعلهم يقومون بمعارضة "علي باي" ، الذي كان ملزما بتطبيق الحظر الفرنسي لمكافحة الاتجار بالبارود . انضمت "قمار" الآن بسرعة إلى تحالف أولئك الذين ليست لديهم علاقات تجارية مواتية في تونس، وذلك لانتهاز الفرصة ولمحاولة اقتحام احتكار تجارة البارود والحصول على حصة من الأرباح. في سُوف لم تكن التحالفات ثابته كما لاحظ المراقبون الفرنسيون ذلك بل كانت عبارة عن تحالفات مرنة تتكيف مع المصالح السياسية الظرفية.
في 27 ديسمبر 1871 استعادت القوات الفرنسية تقرت فاتهم "علي باي" عائلة "بن قانة" بأنها كانت على اتصال مع بوشوشة (و في تقرير فرنسي لاحق يرى أنه ربما كان الحق في ذلك) ولكن السلطات الفرنسية في ذلك الوقت اختارت تجاهله ، وفي شهر فبرايرعام 1872 تم نقل "علي باي" إلى مهمة أخرى خارج المنطقة .

صورة قديمة لتقرت

نحو الحكم الفرنسي المباشر لوادي سُوف:
في مارس 1872 دخلت القوات الفرنسية تحت قيادة الجنرال الشهير"جاليفت" "Gallifet" إلى سُوف ففرض غرامة قدرها 2400 من الأغنام و1700 من الإبل وقد رافقهم أحد أبناء عائلة "بن قانة" كمترجم لهم , حيث أن "بن قانة" كان يأمل في تولي السلطة في تقرت وسُوف، فالآن قد فقد "علي باي" مصداقيته عند الفرنسيين .
أصبح الجنرال "جالفيت" "Gallifet" ورؤسائه حذرين من تركيز قدر كبير من السلطة في أيدي العائلات الأرستقراطية الجزائرية فقد تحولت في كثير من الأحيان إلى أن تكون مشكوك في ولائها للفرنسيين .
عين مغامر إيطالي اعتنق الإسلام يدعى "العربي المملوك" الذي عمل لسنوات عديدة في الخدمة مع القوات الفرنسية (قائد فرقة الصبايحية) كخليفة على سُوف.
كان "العربي المملوك" دخيلا على النظام المحلي بين مختلف الفصائل فلقي معارضة من معظم وجهاء سُوف ، و قد حفز ذلك عائلة "بن قانة" التي عارضت ترشيحه , كما لقي أيضا معارضة من الزاوية التجانية في "تماسين" و "قمار" و قد ذكر تقرير فرنسي أن عمليات الإبتزاز التي كان يمارسها في سُوف كانت سيئة للغاية وفي غضون سنة من ذلك تم عزله بصفة تامة.
في نوفمبر عام 1873 تم إغتياله أثناء سفره إلى بسكرة و فر القتلة ، وهم أربعة رجال من سُوف إلى تونس. تم اعتقل "أحمد بن تواتي" أحد أهم الوجهاء في سُوف الذي كان معارضا له، و اتهم كشريك في هذه العملية ، ولكن تم اطلاق سراحه بعد فترة من الوقت بسبب عدم كفاية الأدلة .
إكتشفت السلطات الفرنسية تدريجيا خلفيات عملية الإغتيال التي يبدو أنه لم يتورط فيها وجهاء المنطقة بشكل مباشرة، ولكن الجماعة (مجالس الوجهاء من فصائل مختلفة) والتي لم يكن معترف بها رسميا في ذلك الوقت من قبل السلطات الفرنسية، قد اتخذت هذا القرار . كان الزعيم الفعلي للقتلة رجل له ثأرشخصي ضد "العربي المملوك" بسبب إكتشافه تورط هذا الأخير في إنتهاك عرض زوجة أخيه .
اختارت السلطات الفرنسية أخيرًا تجاهل أعماق و خلفيات هذه القضية .
في بداية تعيين "العربي المملوك" كخليفة على سُوف ، لم يكن له تأثير كبير فكان يعتمد اعتمادا كليا على أحد المشايخ المحليين " حمو موسى" الذي عين كخليفة على كل (طرود) كان "حمو موسى" واحدًا من القادة السياسيين القلائل في سُوف الذين لا يبدو أنهم اشتركوا في المؤامرة ضد "العربي المملوك" فقد كان على علاقة جيدة مع زعماء التجانية ، على الرغم من أنه لم يكن عضوا في هذه الطريقة و لم يكن ذلك في صالح منافسه "أحمد بن تواتي" باعتباره مشتبها به في اغتيال "العربي المملوك" في الوقت الراهن , و في وقت لاحق . بعد سنة تقريبا أصبحت حظوظه السياسية مرهونة بسبب تعيين "سعيد بن إدريس" أحد الملازمين من فرقة الصبايحية كآغا على ورقلة و تقرت عام 1872 و لأنه كان مقربًا من السلطات الفرنسية لتمكنه من إعتقال زعيم المقاومين "بوشوشة" فقد حصل على إدارة سُوف كتعويض له بعد وضع منطقة ورقلة تحت السلطة المباشرة للإدارة الفرنسية .
فقام بمعارضة النفوذ السياسي المتزايد للطريقة التجانية واستبدالها بسرعة بـ " حمو موسى" و" أحمد بن تواتي" هذا الأخير الذي عانى كثيرًا من المشاكل بسبب اتهام قادة التجانية له باغتيال "العربي المملوك"، وبالتالي فهو يبدو كخيار جيد لقيادة سياسة مكافحة نفوذ الطريقة التجانية .
رأى "أحمد بن تواتي" وزعماء التجانية في ذلك الوقت أنه ليس هناك أي فائدة من هذا الصراع المتبادل خلال تلك السنوات ، فتمكنوا من التوصل إلى اتفاق ضمني يحدد مناطق النفوذ المتبادل بينهم . لم تكن الزعمات الدينية مهتمة بالإدارة الضريبية والقيادة العسكرية بل حاولوا بدلا من ذلك توظيف عملائهم السياسيين للعمل كقضاة محليين و في الأعمال القانونية والإدارية . فهذه المجموعة من المناصب التي يمكن أن تكون فعالة تماما وأقل عرضة لتقلبات السياسة الفرنسية والقبلية.
وعلى مدى نصف قرن فقد قسمت الزعمات القبلية والدينية نفوذهم على أساس هذا المبدأ. عندما بدأ "حمو موسى: بالدعوة للتحريض ضد "إبن إدريس"، و لعل آخر ما ألب التجانية ضد هذا الأخير هو العثور على كمية كبيرة من البارود المهربة في الزاوية التجانية بقمار في شهر جويلية 1875 فألقي القبض على "حمو موسى" لتورطه في التهريب . وكان "أحمد بن تواتي" أقل حماسا حول هذا الحدث . وقال انه لا يتعارض مع "حمو موسى" والتجانية في نفس الوقت . كانت هذه الضربات القوية ضد تجارة البارود بالمنطقة لا تحظى بالشعبية من أي شخص في سُوف و لذلك فقد قرر "سعيد بن إدريس" إسقاطها .
في سبتمبر 1875 قام شقيق "بن إدريس" باختطاف اثنين من المتورطين في قتل "العربي المملوك" من الجنوب التونسي وقام بتسليمهم للسلطات الفرنسية في بسكرة. وهذا ما دفع السلطات الفرنسية لإعادة فتح التحقيق في هذه القضية ، فقامت باستدعاء "أحمد بن تواتي" إلى بسكرة لهذا الغرض . وقد وجد هذا الأخير ذريعة لعدم الذهاب ، ومع ذلك وفي شهر ديسمبر تمكن السجناء من الهروب من سجن بسكرة بعد أن سمح لهم رقيب فرنسي بذلك بعد تلقيه لرشوة . علمت السلطات الفرنسية الآن بما فيه الكفاية أن المشتبه فيه هو "أحمد بن تواتي" فقررت اقالته من منصبه بتهمة الابتزاز . كما عاد "حمو موسى" مرة أخرى خليفة لطرود .
عندما زار الجنرال "قسطنطين" سُوف في شهر مارس 1876 تم استقباله بشكل جيد من قبل عائلة "بن تواتي" وأمر "سعيد بن إدريس" أتباعه بقبول نصائح "أحمد بن تواتي" في جميع المسائل الإدارية. في شهر جوان عام 1876 تضايق العقيد الفرنسي في بسكرة و "بن إدريس" بما فيه الكفاية لأنه و بعد تعيين أحد الضباط من الصبايحية الدخلاء عن سُوف كخليفة لطرود كان عاجزا عن القيام بأي شيء من دون مساعدة من أحد الزعماء "حمو موسى" و "أحمد بن تواتي" ومع ذلك وفي نوفمبر 1876 قام "بن إدريس" بالتضييق على هاذين المتنافسين القديمين الآن وقال إنه تمكن من جعلهما بعيدين عن التأثير عن الفصائل في سُوف و عن جميع الناس .        
أعلن طرود عزمهم الهجرة إلى تونس ، وراجت بعض الشائعات التي تدعي بأن باي تونس ينبغي أن يعين ممثلا له لقيادة سُوف تحت سلطته بما أن السلطة الفرنسية قد أصبحت شبه معدومة هناك تردد الفرنسيون في بداية الأمر ، ولكن بعد عام واحد أقيل "بن إدريس" في نهاية المطاف.

إضافة تسمية توضيحيةصورة قديمة لوادي سُوف

وضعت سُوف الآن تحت السيطرة المباشرة من طرف الضباط الفرنسيين ، يساعدهم في ذلك ثلاثة خلفاء محليين اثنين منهم من طرود لكن في الواقع لم يكن باستطاعة هؤلاء الرجال الضعفاء فعل أي شيء دون موافقة وتعاون "أحمد بن تواتي" و "حمو موسى" ولكن السلطات الفرنسية كانت في البداية غير راغبة في إعادة هاذين الزعيمين الأصليين الذين تم إقالتهما من قبل. في عام 1881 عادت حالة اللاستقرار بالمنطقة مرة أخرى بسبب الغزو الفرنسي لتونس و قد استغرق الأمر أربعة أو خمسة سنوات لتهدئة الجنوب التونسي من قبل الفرنسيين . وهكذا أنشئت حامية فرنسية صغيرة دائمة في سُوف كما كثرإعتماد الفرنسيين على تجنيد بعض الفرسان المحليين غير النظاميين و استخدامهم في دوريات الحراسة .
أصبح من غير العملي بصورة متزايدة اعتماد الضباط الفرنسيين العمل مع رجال ضعفاء بدلا من الزعماء المحليين الحقيقيين ، وبعد كثير من التردد البيروقراطي أعيد "أحمد بن تواتي" و "حمو موسى" كقائدين للفصيلين الرئيسيين لطرود ، وهو المنصب الذي احتفظا به حتى الموت بعد عشرة و عشرين عاما على التوالي .
  
                                                                                  يتبع ...

12 مارس 2013

تراجع التنظيم القبَلِي بوادي سُوف (الجزء الثالث)

 تراجع التنظيم القَبَلي في الفترة الأولى من الحكم الفرنسي

بعد أن احتل الفرنسيون بسكرة عام1844 و عززوا سيطرتهم عليها كانت تربطهم في البداية علاقات جيدة نسبيا مع قادة تقرت. وسرعان ما اكتشفوا أن هؤلاء القادة لم يكن لهم أي تأثير يذكر على سُوف . تعتمد كل من بسكرة وتقرت على سُوف في التجارة من وإلى تونس، ولكن السُوافة لا يعتمدون على حماية حلافائهم في تقرت . و قد تورط التجار في سُوف في تهريب البارود من تونس إلى جنوب الجزائر.   
          بسكرة - صورة قديمة للسوق العتيق  
 في عام 1846 لجأ إلى سُوف ثلاثة من المساعدين السابقين للأميرعبد القادر.   بين عامي 1847 و1848 فاز سلطان تقرت، بدعم من عائلة بن قانة ، على خصمه شيخ "تماسين" فطلب من القائد الفرنسي ببسكرة أن يدعمه بحملة عسكرية ضد أنصار "تماسين" في سُوف، لكن القائد الفرنسي رفض ذلك.                    
بسكرة - صورة قديمة
في نهاية عام 1848  بدأ القائد الفرنسي ببسكرة مفاوضات مع مشايخ من سُوف ، بوساطة من "أحمد باي بن شنوف "، رئيس عائلة كبيرة من قسنطينة. جزء من سكان سُوف الذين رفضوا دفع الضرائب لحكام تقرت في ذلك الوقت (الواد  ، قمار ،  البهيمة ، الدبيلة) وافقوا الآن على شروط الفرنسيين بالخضوع لسلطة "أحمد باي بن شنوف" ، وذلك لاستعادة الوصول إلى أسواق بسكرة ، فاعترض حاكم تقرت على ذلك بدون جدوى. لكن "أحمد باي بن شنوف" لم يكن قادر على ممارسة أي سلطة سياسية فعالة في وادي سُوف.                                                                  
تقرت - صورة قديمة *ساحة القيادة العليا*
في يناير1852 توفي حاكم تقرت، وترك وراءه ابنا وريثا يبلغ عمره ست سنوات، تحت وصايه جدته، و كان هناك "بن قانة" منافسا له على الخلافة ، ولكن كان هناك ابن شقيق والد الحاكم المتوفي يدعى "سلمان الجلابي" الذي استغل الموقف، بدعم من "تماسين" ومن "الشريف محمد بن عبد الله" أحد الزعماء الدينيين الذي كان ينظم المقاومة ضد الفرنسيين في "ورقلة".             كان الحاكم العام الفرنسي يفضل في الواقع تعيين "بن قانة" حاكما على تقرت ، لكن السكان قاوموا الفكرة، فعلم الفرنسيون أن ذلك لن يتحقق إلا بالتدخل العسكري المباشر للجيش الفرنسي و لذلك اعترف الفرنسيون بسيادة الحاكم الصغير على تقرت .                                                                 
تقرت - صورة قديمة لأحد الأسواق

في هذه الأثناء حاز "سلمان الجلابي" على الدعم من "أولاد سعود" في سُوف ، فقدموا له 300 من المقاتلين وبمساعدتهم هذه ،استطاع أن يستولي على تقرت على حين غفلة بتاريخ 1 أفريل 1852  وهذا بعدما قدمت زاوية "تماسين" دعمها المعنوي له لكن المقاومة في واد ريغ قد فشلت بسرعة.
أقنع القادة العسكريون الفرنسيون في شرق الجزائر الحاكم العام بالاعتراف بـ "سلمان الجلابي" حاكما على تقرت ولكن بشرط حضوره شخصيا إلى بسكرة أو باتنة للاعتراف بالسيادة الفرنسية  لكن يبدو أن "سلمان" قد رأى ذلك خدعة لاستدراجه خارج تقرت بحيث تكون الظروف مواتية لأن يقوم "بن قانة" بانقلاب عليه في حالة غيابه فرفض الحضور.                                                                     قام الفرنسيون بمنع تجارة القمح بين بسكرة و تقرت كما سمحوا لبعض الفرسان غير النظاميين من بسكرة بالإغارة على قافلتين تجاريتين من سُوف.                                                                   تم إرسال "أحمد باي بن شنوف" إلى سُوف في محاولة لإبعاد السُوافة بعيدا عن سلمان، لكنه فشل في ذلك . بدأ "سلمان" في القضاء على خصومه الحقيقيين أو المفترضين في وادي ريغ.                                وفي أبريل 1853 خسرالكثير من الدعم المتبقي له في سُوف حيث قام باقتحام "كوينين" مع80  رجلا لقتل بعض خصومه السياسيين الذين التمسوا اللجوء هناك لكن نجح عدد من هؤلاء المعارضين بالهروب إلى قمار، التي رفضت تسليمهم إليه لكن قوة سلمان كانت أضعف من أن تهاجم قمار فعاد إلى تقرت.                                                                                                                          في مايو 1853 أمر الحاكم العام بفرض حصاراقتصادي جديد على واد ريغ و وادي سُوف فأرسلت "قمار" و "تغزوت" و"الزقم" وفدًا إلى "بسكرة" يعرض دفع الضريبة إليهم بدلا من "سلمان"، سمح لهم القائد المحلي بالعودة إلى أسواق "بسكرة" مرة أخرى ، ولكن عندما تقدم "الواد" بعد ذلك بعرض مماثل رفض ذلك العرض . في هذه الأثناء عرض "سلمان الجلابي" تعاونه على شريف "ورقلة" ، وطلب الحصول على دعم ضد الفرنسيين من باي تونس.                                                                       بدأ الحاكم العام الفرنسي يخطط لعمل عسكري مباشر ضد "تقرت" وفي ديسمبر عام 1853 اقترح جعل "بن قانة" أو "بن شنوف" حاكمًا جديدًا لتقرت، ولكن في النهاية قبل اقتراحا من قائد الجيوش الإقليمية، العقيد "ديفو"( Desvaux )، لتثبيت بوعكاز هناك من أجل سد الفجوة والقضاء على الإنقسامات السياسية.                                                                                                                      في"تقرت" أعلن "سلمان الجلابي" نفسه خليفة لشريف ورقلة (نائبا له) . في البداية لم يتمكن من تجنيد سوى عدد قليل من الجنود في سُوف، ولكن في نوفمبر 1854 كان1500  من المسلحين من "الواد" و73 من "كوينين" تحت تصرفه.     في مارس  1854 قامت مجموعة من المسلحين من "بسكرة" و بتحريض من الفرنسيين، بمهاجمة مجموعات عديدة من "الربايع" إحدى فصائل "طرود" ، فأجبارت "الواد" على الإنضمام إلى معسكر "سلمان الجلابي" مرة أخرى.
في نوفمبر 1854 تقدم 250 جنديا من القوات الفرنسية النظامية و2400 رجل من القوات غير النظامية باتجاه وادي ريغ.                                                                                                و لكن قبل ذلك في أكتوبر، أعلنت بلدات "كوينين" و "تغزوت" استسلامها في بسكرة، في حين أن زاوية "تماسين" أعلنت أيضا أنها ضد "سلمان".                                                                    في 29 نوفمبر هاجم "سلمان الجلابي"مع 2500 رجل القوات الفرنسية بمنطقة "الماقرين" ، ولكنه تعرض لهزيمة نكراء وتفكك جيشه بسرعة. ففر "سلمان الجلابي" و "الشريف محمد بن عبد الله" إلى تونس.  في 2 ديسمبر دخلت القوات الفرنسية إلى تقرت و في 12 ديسمبر خيمت القوات الفرنسية على بعد بضعة كيلومترات خارج المنطقة المأهولة من سُوف في انتظارخضوع السُوافة. وكانت الواد قد دفعت غرامة قدرها60.000 فرنك فرنسي في يومين.


منظر قرب السوق بسُوف في بدايات القرن العشرين
في 29 ديسمبر 1854 وافق الحاكم العام على تعيين "علي باي بوعكاز"، أحد أبناء "فرحات بوعكاز" ، حاكما (قايد) على تقرت  فأدرجت وادي سُوف تحت هذه القيادة الجديدة، ووضعت تحت سلطة أحد أقرباء "علي باي" كخليفة له (ينوب عنه) تجاهلت الإدارة الجديدة النظام القديم في سُوف الذي يعتمد على الحكم الجماعي من قبل (الجماعة) فوضعت بلدات و فصائل مختلفة من البدو تحت سلطة شيوخ وهذا النوع من السلطة لم يكن مألوفا في سُوف، مما سبب الكثير من الإستياء، والأكثر من ذلك عند محاولة إنفاذ القوانين الفرنسية التي لا تحظى بشعبية كحظر تجارة البارود مع تونس فأقيل خليفة قايد تقرت بسُوف في غضون عام بعد شكاوى عديدة حول قيامه بعدة عمليات ابتزاز. في عام 1857 أغتيل شيخ من "أولاد أحمد" إحدى فصائل "طرود" بعد أن قام بإبلاغ "علي باي" عن أماكن إمدادات تهريب البارود.                                                                            
كتيبة من الجنود تمشي بالصحراء بضواحي الوادي 
في عام 1858 قام الضابط الفرنسى الزائر بتغريم فصيل "الفرجان"  إحدى فصائل "المصاعبة" ، لأنهم رفضوا تنظيم أنفسهم في دُوَار      (مجموعة من المخيمات أو النجوع) على أن تدار من قبل كبير واحد (زعيم غير رسمي، مسؤول أمام الشيخ).                                          في ديسمبر 1860 تلقى الضابط الفرنسي الذي قام بجولة التفتيش السنوي العديد من الشكاوى الحقيقية ضد "علي باي" فبالقرب من "الواد" تظاهر3.000 شخص ضد هذا الإبتزاز كان هناك أيضا شكاوى ضد خليفته وضد بعض المشايخ. إعترف الضابط الفرنسي في تقريره أن بعض هذه الشكاوى كانت على الأرجح صحيحة، ولكن لا يرى سببا للعمل بها.
على الرغم من أن الوظيفة الجديدة للشيخ لم يكن لها شعبية إلا أنها وفرت آفاق للتطور الوظيفي للرجال النشيطين و الطموحين وكان من المفترض أن يبقى الشيخ وفيا للدور التقليدي له كزعيم عند الحرب.                  
منظر لغابات النخيل "الغيطان" التي تحيط  بسوق  سُوف في بدايات القرن العشر
كانت سُوف على الحدود الخارجية للمنطقة الهادئة والأمنة ، لكن ظلت الإغارات تستهدف الماشية والجماعات القبلية بسُوف بكثرة حتى مطلع القرن . فقد واصلت قبائل الجنوب التونسي الإغارة على المواشي بسُوف حتى تم وقفها من قبل الفرنسيين في منتصف الثمانيناتكما واصلت كذلك جماعات من "الشعامبة" من منطقة ورقلة ، وأحيانا في تحالف مع بعض جماعات "الطوارق" الضالة الإغارة على سُوف حتى العقد الأول من القرن العشرين.                                                كانت السلطات الفرنسية مترددة في السماح بمكافحة هذه الغارات، وعادة ما كانت تقوم بتجاهلهالم تكن العائلات التجارية الكبيرة مهتمة كثيرا بالسياسة القبلية الصغيرة، فقد كان الزعماء السياسيين يقومون بذلك عادة بشكل جيد ولكن ليس حقا أن الأغنياء يستطيعون أن يمارسوا سلطة اقتصادية تذكر على أتباعهم . وعلى هذا الأساس فإنه لا يوجد سبب وجيه لبروز قيادة شخصية قوية في أيام ما قبل الاستعمار، ولكن من أجل دعم مصالح الفرنسيين وممثلهم "علي باي" قاموا في أواخر عام 1858 بالبحث عن قاعدة من الزعمات الطموحة. في تلك السنوات نجد أول ذكر لرجلين لا يزالان شابين نسبيا هما "حمو موسى" و "أحمد بن تواتي" اللذين أصبحا من القادة المحليين الرئيسيين في سُوف في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

                      
                                                            يتبع ...

9 مارس 2013

تراجع التنظيم القبَلِي في وادي سُوف (الجزء الثاني)

في أواخر القرن 18 بدأ تنافس سياسي في وادي ريغ بين شيوخ تقرت وشيوخ واحة "تماسين" مركز السوق المنافسة لها . تقرت كانت أكبر وأكثر سكانا، ولكن كان شيوخ "تماسين" يتلقون دعما معنويا من الطريقة التجانية التي أنشأت لها زاوية هناك عام1805. وقد تطور هذا التنافس الذي جعل كل فرقة تسعى لحشد دعم خارجي للخصمين السياسيين المتنافسين .
صورة قديمة لتقرت
وقد كان التنافس السياسي على أشده بين عائلتي "بوعكاز" و "بن قانة" فقد كان لعائلة "بوعكاز"  تأثيرًا كبيرا في جنوب الجزائر و لعدة قرون فقد كانوا يعملون لمدة  طويلة كمسؤولين لدى الأتراك مع قبائل المنطقة .
 وكجزء من سياسة فرق تسد فقد عمد باي قسنطينة التركي إلى زيادة نفوذ عائلة  "بن قانة" القادمة من قسنطينة في الجنوب سنة 1790 و قد حاول "بن قانة" إضعاف موقف شيخ تقرت  في حين أن قائد عائلة "بوعكاز" قد أرسل و فدا إلى الفرنسيين بالجزائر سنة 1832 للحصول على دعمهم ضد باي قسنطينة وقد تعاون فرحات بوعكاز مع الفرنسيين في حملتهم ضد قسنطينة سنة 1837.
و في سنة 1838 عندما أصبح واضحا أن الفرنسيين كانوا القوة المهيمنة الجديدة، عرض ابن قانة دعمه لهم، بينما أبقى في نفس الوقت على اتصالات مفتوحة مع "الأمير عبد القادر" الذي حاول إقامة دولة إسلامية في الجزائر.
بن قانة أغا تقرت
الأمير بدوره لم يثق ببن قانة وعين "فرحات بوعكاز" ممثلا له ببسكرة . تم اغتيل "فرحات بوعكاز" من قبل أنصار "بن قانة" ، الذين شاركوا  في نفس الوقت في الهجوم على الحامية الفرنسية ببسكرة سنة 1844.
ربما كان "السُوافَة"  أقل اهتماما بهذه الآثار السياسية الأوسع . حاولوا فقط الحفاظ على وصولهم إلى الأسواق في بسكرة و واد ريغ.
قدم "أولاد سعود" الولاء لتقرت و قد شاركهم في ذلك "الأعشاش" (أحد الفصيلين الرئيسين لقبائل طرود) فيما أيد منافسيهم شيوخ "تماسين".
 في عام 1847 انكسرت قوة  شيوخ "تماسين" وتحول نفوذهم السياسي إلى قادة الزاوية التيجانية هناك.
وفي هذا إشارات للدور السياسي الذي لعبته الطريقة التيجانية كأحد العناصر السياسة التي كانت موجودة في سُوف قبل الاحتلال الفرنسي.
دور الجمعيات الدينية(الطريقة – الطرق الصُوفية) : 
وفقا لكتاب "العدواني" فإن "طرود" و "عدوان" كانا يدينان بالإسلام منذ القدم و لكن بشكل سطحي للغاية في العقد الأخير من القرن 16 حاول أحد مشايخ الصوفية المتجولين يدعى "محمد المسعود الشابي" إحياء العقيد الإسلامية فأنشأ الطريقة الشابية.
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، إنخفض أتباع الطريقة الشابية لعدد قليل من العائلات في الدبيلة و في أواخر القرن 18 تأسست الطريقة الرحمانية في تونس والطريقة التيجانية في الجنوب الأوسط من الجزائر . و نظرًا لوقوع سُوف على الطريق التجارية بين الشرق والغرب فسرعان ما دخلت الطريقتان إليها حيث تأسست زاوية رحمانية بالواد، و أخرى تجانية بقمار.
صورة نادرة لزاوية سيدي سالم الرحمانية
 كما حصلت الزاوية القادرية القديمة بنفطة التونسية على التأييد بسُوف، ولكن مقدمها إلى المنطقة قد جاء متأخرًا نسبيا، فلم تنشئ زاويتها بسُوف إلا عام1887.
الجدولان التاليان يوضحان تركيبة الطرق الصوفية الرئيسية بسُوف بين عامي 1892 و 1945:
وكما نرى فإن عضوية هذه الطرق الصوفية ارتبط دائما بمختلف مكونات سكان المنطقة السياسية و الإقليمة الاستثناء الوحيد نجده في بلدة الزقم التي بقي سكانها و بالإجماع تقريبا متمسكين بعقيدتهم الإسلامية بعيدين عن التأثر بهذه الطرق الصوفية.
كما نرى أيضا أن الطريقة القادرية قد ازدادت بشكل كبير في أواخر القرن الـ 19 و أوائل القرن الـ 20 و هذه حقيقة سنحاول التطرق لها ثانية في وقت لاحق.

                                                                                                         يتبع ...