Comments system

111

أهلا وسهلا بكم في وادي سوف الأصيل ***وادي سوف الأصيل ***

23 ديسمبر 2010

الاحتلال الفرنسي لوادي سُوف (2)

 ثانيا: مرحلة الزحف و الاحتلال :
 إستغل الاحتلال الفرنسي الصراع الدائر بين حكام إمارة بني جلاب بين الأخوة و أبناء العمومة و غذى هذا الصراع و التنافس على الحكم لصالحه فبعد احتلال بسكرة سنة 1844 فرض الفرنسيون على حاكم بني جلاب أنذاك "عبد الرحمن الجلابي" أتاوة كبيرة في سبيل الاعتراف بسلطانه على وادي ريغ و وادي سُوف إلا أن هذا الأمر لم يدم طويلا  ففي 25 جانفي 1852 هاجم "سلمان بن علي الجلابي" و أتباعه قصر الإمارة و إستولى على الحكم  و قضى على حكم "عبد الرحمن الجلابي" الموالي للفرنسيين و عقد مع الثائر "الشريف محمد بن عبد الله" حلفا مضادا للفرنسيين .
معركة المقارين و سقوط إمارة بنو جلاب :
في 15 نوفمبر سنة 1854  إنطلقت القوات الفرنسية من "بسكرة" بتعداد يقدر بـ 250 جنديا نظاميا و 2400 من الإحتياطيين بقيادة الملازم "مارمي" (Marmier) و 150 فارسا من قوات الصبايحية الموالية للفرنسيين بقيادة "العربي المملوك" باتجاه مشيخة بني جلاب "تقرت" , لما علم الشيخ "سلمان الجلابي" بأن القوات الفرنسية تتأهب للقيام بعمليات عسكرية كبيرة للهجوم على إقليمي وادي ريغ  و وادي سوف ، طلب من "الشريف محمد بن عبد الله" أن يكون مستعدا لنجدة "تقرت" في حـالة هجـوم الفرنسيين عليها، كما أرسل "سلمان الجلابي" إلى باي تونس طالـبا منه النجدة و المعونة . كما بعث سلمان إلى سكان واد سُوف و القرى المجاورة لها  يحثهم على الجهاد ، ويطلب منهم أن يكثروا من البارود و البنادق و الرجال لصد الحملة الفرنسية. فاستجاب أهل سُوف لنداء الجهاد و لبى جمع غفير من أهل "الوادي" و"قمار" و"البهيمة" و"الدبيلة" و غيرها من قرى سُوف النداء , ففرح سلمان بمقدمهم وأكرمهم وفرق على رؤسائهم العطايا ووعدهم بأكثر من ذلك عند النصر. جمع الشيخ "سلمان الجلابي" و رفيقه "الشريف محمد بن عبد الله" جيش المقاومين الذي قدر تعداده بـ 800 فارسا و 2000 من الفنطازية أي المشاة و دون أن يضعوا أي تصور أو خطة لسير المعركة خرجوا لملاقة القوات الفرنسية المرابطة بمنطقة "المقارين" القريبة من "تقرت" في أرض منبسطة تساعد القوات الغازية الأكثر تدريبا و الأحدث عتادًا على حسم المعركة . وفي صبيحة يوم 28 نوفمبر 1854م إلتحم الجيشان و دارت رحى معركة غير متكافئة الأطراف إستطاع الجيش الفرنسي أن يحسمها في ظرف خمس ساعات فتفرق جيش المقاومين و سادته الفوضى و الارتباك و التدافع و إلتجأ قائدا الجيش "سلمان بن علي الجلابي" و "الشريف محمد بن عبد الله" إلى منطقة "تماسين" ثم إنتقلا إلى وادي سُوف و من ثم إلى الحدود التونسية . وقد أحصى المؤرخون الفرنسيون إستشهاد و جرح 500 من أهالي المنطقة في حين لم تتعدى خسائر الغزاة سوى 11 قتيلا و 46 جريحا .   وفي 2 ديسمبر 1854 دخل القائد "مارمي" " تقرت" وقد سبقه إليها الملازمان الأولان "روز"( Rose) و"ديان فيل" ( Dyanville) رفقة سرية من الصبايحية
أحد الأسواق القديمة بمنطقة وادي ريغ
 وفي 5 ديسمبر وصل العقيد "ديفو" ( Desveaux) إلى "تقرت" على رأس الطوابير التي تم جمعها من "باتنة" و "الاغواط" و "بوسعادة" لتنظم إلى بقية الفرق العسكرية المتواجدة بعين المكان معلنا باسم فرنسا احتلال عاصمة وادي ريغ ، وطرد أسرة بني جلاب التي حكمت "تقرت" لأكثر من أربعة قرون. بعد وصول أنباء سيطرة الفرنسيين على "تقرت" و إلتجاء بعض المقاومين إلى وادي سُوف ساد الحذر والترقب سكان المنطقة . وفي غياب القائد الذي يجمع صفوف قبائل وعشائر سُوف لمقاومة الزحف القادم من خلف الكثبان إنتظرأهل سُوف  قدوم الجيش الفرنسي بعد بضعة أيام .
دخول الجيش الفرنسي وادي سُوف :
بعد احتلال "تقرت" انطلق العقيد "ديفو" يوم 10 ديسمبر 1854 بقواته القادمة من "باتنة" و "الأغواط" و" بوسعادة" باتجاه وادي سُوف عبر طريق وعرة التضاريس و سط كثبان رملية ناعمة و هشة لم يألفها الجنود الفرنسيين الذين تعودوا على الأراضي الصخرية الصلبة و هو ما جعل الجيش الفرنسي يستغرق ثلاثة أيام كاملة للوصول إلى سُوف رغم أن المسافة بين "تقرت" و سُوف عبر الطريق الرملية لا تتجاوز 85 كم تقريبا.
الكثبان الرملية بين وادي سُوف و وادي ريغ
 وبعد وصول الطوابير الفرنسية إلى مشارف أول بلدة من قرى سُوف تدعى " تغزوت " توقفت, و دخل العقيد "ديفو" في مفاوضات مع وجهاء المنطقة , إنتهت هذه المفاوضات بالاتفاق على عدة أمور بين الطرفين,إلا أنه ورغم قلة إمكانيات أهل سُوف المادية و العسكرية القادرة على صد هذا الجيش فإنهم عملوا ما بوسعهم على مقاومته بين السيوف "الكثبان الرملية" و الغيطان "غابات النخيل" . كما أكد ذلك صاحب كتاب الصروف في تاريخ الصحراء و سُوف "ابراهيم العوامر" حيث قال :<< ثم بعد أن نزلت المحلة بتقرت أخضعت أهلها ارتحلت متوجهة إلى سـوف لتخضع أهلها وبعد قتال بين الطرفين أياما عديدة في النخيل و السيوف تغلبت المحلة على سُوف .>> 
سوق وادي سُوف في فترة الاحتلال
بعد أن دخلت القوات الفرنسية إلى " تغزوت " في 13 ديسمبر 1854 تقدمت إلى "كوينين" و منها دخلت إلى عاصمة سُوف "مدينة الوادي" يوم 14 ديسمبر 1854 م . و بعد أن مكث العقيد "ديفو" قرابة السبعة أيام بسُوف قضاها في استكشاف المنطقة , عاد في 22 ديسمبر 1854 م إلى "تقرت" دون أن يترك بسُوف أي حامية أو فرقة عسكرية للمحافظة على احتلالها. بعدها قام العقيد "ديفو" بتعيين "علي باي بن فرحات بن سعيد" حاكما على وادي ريغ  و وادي سُوف . إلا أن تحركات المقاومين : "سلمان الجلابي" و "الشريف محمد بن عبد الله" و "بن ناصر بن شهرة" و غيرهم  بمنطقة "نفزاوة" على الحدود التونسية غير بعيد عن سُوف عجلت بعودة الطابور العسكري الفرنسي بقيادة العقيد "ديفوا" إلى المنطقة مرة أخرى في ديسمبر 1855 حيث إستقر لبعض الوقت بمنطقة "الدبيلة" غير بعيد عن الحدود التونسية  و بدأ في جمع معلومات عن السكان و الثوار ثم رجع إلى "تقرت" . و قد وجه العقيد " ديفو "  رسالة بتاريخ 12 ديسمبر 1855 الى كافة سكان وادي سُوف وَ وادي ريغ يحذرهم ممن يحاول أخذ أموالهم باسم حاكم "بسكرة" و ينبههم إلى التأكد من ختم الحاكم, و أعقب ذلك برسالة أخرى يوم 25 ديسمبر 1855 على شكل أمر عين بموجبه "علي بن عمر بن سعيد" حاكما على وادي سُـوف تحت إشراف القائد "علي باي بن فرحات" , واستمر العقيد "ديفو" في مراقبته للمنطقة و محاولة إضفاء نوع من الاستقرار عليها عن طريق المراسيم و الأوامر. إلا أن المنطقة لم تعرف الاستقرار تحت سلطة الاحتلال الفرنسي لأكثر من 30 سنة ...يتبع

21 ديسمبر 2010

الاحتلال الفرنسي لوادي سُوف (1)

 
مقدمة :
بعد سقوط مدينة الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي  في 05 جويلية 1830 ركز المحتل على المدن الساحلية أولا لسهولة اقتحامها عن طريق البحر فاحتلت عنابة و وهران  و بعد بضعة سنوات من الاحتلال  بدأ المحتل  في محاولة  التوسع و الاستيطان في المدن الداخلية  لكن الجيوش الفرنسية الغازية جوبهت بمقومات  شعبية عنيفة في شرق البلاد و غربها فقد قاد الأمير عبد القادر الجزائري المقاومة في منطقة الغرب الجزائري بين(1832-1847) . كما قاد المقاومة في شرق البلاد حاكم قسنطينة أحمد باي بين (1830 – 1848)  فخاضا حروب عديدة ضد الجنرالات الفرنسيين و هزموهما في العديد من المعارك . وهو ما دفع المحتل لعدم المغامرة في التوغل  و تأخر في احتلال المناطق الداخلية و الصحراوية لسنين عديدة .
الأمير عبد القادر      حاكم قسنطينة أحمد باي
بعد احتلال مدينة قسنطينة سنة 1837 بدأ الفرنسيون يفكرون في التوغل جنوبا نحو أطراف الصحراء لاستكمال التوسع و بسط النفوذ الفرنسي على الصحراء و للقضاء على معاقل الثوار و المقاومين الذين إحتضنتهم أرض سُوف والصحراء المجاورة لها , فقد مثلت سُوف مركزا هاما لدعم الثوار و المقاومين بالسلاح و الرجال و كانت مركزا هاما للعبور للأراضي التونسية و الليبية القريبة مما جعلها جبهة ساخنة تأرق المحتل الفرنسي الذي أراد السيطرة عليها في أقرب فرصة .
أولا : مرحلة الإستكشاف و جمع المعلومات :
بعد أن تمكن المحتل الفرنسي من إحتلال عاصمة الزيبان "بسكرة" شمال سُوف سنة 1944 بدأت أنظار الفرنسيين  تحدق جنوبا باتجاه إمارة بني جلاب التي تبسط سيطرتها على  وادي ريغ و يمتد نفوذها إلى الحدود التونسية شرقا مرورا بوادي سُوف و تتخذ من مدينة "تقرت" عاصمة لها و التي تبعد بأقل من 85 كيلومتر عن أرض سُوف فالفرنسيون الذين يجهلون خبايا الصحراء و خفاياها يدركون جيدًا أن سكان هذه المنطقة من أشد الناس تمسكا بأرضهم و لا يقبلون أن يتحكم فيهم الأجنبي و لذلك لجأ المحتل إلى أسلوب الجوسسة و إرسال سرايا الإستطلاع ذات الغطاء التجاري لاستكشاف طبيعة المنطقة وطرق التنقل فيها و تحديد إمكانيات صمودها في وجه القوة العسكرية الغازية . فقد انطلقت سنة 1944 قافلتان تجارياتان من "بسكرة" باتجاه "تقرت" و "عين صالح" بهدف التعرف على الأسواق الداخلية و طرق المواصلات و التجارة.
أحد الأسواق القديمة بمنطقة الزيبان "بسكرة"
 و في سنة  1848 كلف "براكس" من قبل وزارة الحربية و التجارة للقيام برحلة سرية نحو الجنوب الجزائري فزار وادي سُوف إنطلاقا من تونس مرورا "بتقرت" و "بسكرة" , و نشر خلاصة رحلته في دراسة بباريس عام 1849 بعنوان " تجارة الجزائر مع مكة و السودان" وقد ضمن كتابـه المنشور معلومات هامة اعتمدتها الجيوش الفرنسية في تحركاتها نحو وادي ريغ و وادي سُوف. و تواصلت الرحلات ذات الطابع العسكري الاستطلاعي قبيل احتلال سُوف , إذ قدم إليها الملازم "روز" من الفيض وإتجه نحو قمار رفقة مجموعة من القوم في سنة 1852,و كانت هذه المعلومات و غيرها في متناول يد الجيش الفرنسي حينما توغل في منطقة وادي ريغ و وادي سوف لاحقًا...يتبع