Comments system

111

أهلا وسهلا بكم في وادي سوف الأصيل ***وادي سوف الأصيل ***

6 أغسطس 2010

من تاريخ وادي سُوف (3)

                وادي سُوف الإستقرار بعد الصراع
بعد ماقدم بنو طُرود بن سعد بن فهم إلى أرض سُوف و طاب لهم المقام فيها لبعض الوقت مارسوا حياتهم المعتادة في موطنهم الجديد من رعي الإبل و تربية المواشي و الأغنام و التي تعتمد كثيرًا على  و فرة الماء و المرعى و من هنا بدأ الصّدام بينهم و بين زناته التي سبقتهم لهذه الأرض و أنشأت فيها القرى (تكسبت القديمة – الجردانية – و البليدة القديمة ) و حفرت فيها الأبار. فزناته كما ذكر ابن خلدون : (( آخذون من شعائر العرب في سكنى الخيام و اتخاذ الإبل و ركوب الخيل و التغلب في الأرض و ايلاف الرحلتين ...))

و رغم أن الفريقين يجمعهما دين الاسلام إلا أن حياة البداوة والتي تستند للتعصب للحمية القبيلة و إيثار المصالحة الخاصة و الرؤيا الضيقة سرعان ما أججت الصراع بين الطرفين .
تنازع طرود وزناته :
بعد أن وقع الخلاف بين طرود وزناته تكسبت من أجل الماء تخوف الآخيرون منهم فنشط بعضهم بعضاً واجتمع رأي كبارهم على تدبير مكيدة لطرود ولم يظهروا ذلك لسفهائهم مخافة التحدث وإفشاء الخبر .
فبعث سيدي عبدالله بن أحمد الى طرود يخبرهم بما عزمت عليه زناته فسرى فيهم ذلك الخبر ونشط القوي الضعيف وأعان الغني الفقير لأجل القدرة على رد أعداء زناته .
وصار قوم زناته يتطلعون الفرصه للغدر بطرود وتجسسون على أخبارهم وعصبيتهم بعد تفرقهم في منازل متعدده , وصار يصعد منهم في الليل جماعه للحراسه فوق كثيب من الرمل يترقبون منه مايصنع أهل طرود فسمى ذلك المكان الرقوبه ( وهو مكان غوط سيدي سالم العايب ) الآن شرقاً من زاويته بنحو ثلث ميل .
فلم يجد جماعة زناته منفذاً لمباغتة طرود لتحصينهم بالعسس في نواحيهم واجتماع أكثر الناس قربهم , فتشاوروا على ما يصنعون واتفق رأيهم على مهاجمتهم بغته في ثلث الليل الأخير من الناحية الغربيه لقلة ساكنيها .
فأخبر سيدي عبدالله طروداً بذلك وعيّن الزمان والمكان الذي تريد زناته الهجوم منه فأخذ طرود أسلحتهم وباتوا وقوفاً ينتظرون وإذا بقوم زناته من كل حدب ينسلون فتلقاهم طرود بحزم متأهبين , وكان المكان الذي التقوا فيه هو صحن القاره قرب تكسبت الموجوده في وقتنا هذا .
وكان أصحاب الرأي من كل فريق يوعظونهم وينادون بالإمساك عن القتال والكف عن الخصام فتأخر كل فريق إلى ناحيته .
قيل قتل ألإراد من طرود من بينهم سيدي يوسف صاحب الضريح المعلوم والمقبرة المشهوره .
ثم التقى طرود وزناته مرة أخرى قصد القتال بمحل أرض القارة الآن أعني بأرض القاره الجوفيه الشماليه لا الأرض القبليه التي بحصن الماسط شرقاً منه .
وقد انحاز الى طرود كثيرًا من بني عدوان وخرجوا في عدة تامه وعدد كبير ولم رأتهم زناته على هذه الحاله سرى في قلوبهم الخوف فتراجعوا منهزمين .
ورجع طرود وأنصارهم ظافرين غانمين الأسلحه والدروع والثياب عازمين على أنهم بعدما يصلحون شؤونهم يرجعون الى قوم زناته ليخرجوهم من ديارهم ويأخذوها منهم رغماً .
الصلح بين طرود وزناته :
قال القدماء : حين بلغ زناته خبر طرود وعزمهم على تخريجهم من بلدتهم وتخريبها , عقدوا مجلساً لبعض رؤسائهم ومن جملتهم قاضيهم علي بركة الوصيف وكانوا على دين الرافضه وكذلك طرود في ذلك الوقت ولم يكن لها اكتراث بذلك القاضي ولا امتثال لأوامره وغنما جعلوه اقتداء بمن جاورهم من البلاد مثل الجريد , إذ أيقضها الله من نومها وأخرجها من ظلمتها علي يد سيدي أبي علي السني قبل سوف بكثير .
كانت نتيجة تلك الجلسه طلب الصلح من طرود وإظهار الغلبة لهم حتى يطمئنوا اليهم فإذا طال الحال وسارت الهدايا من الجهتين تتمكن زناته من خداع طرود وقتلهم بوجه آخر .
فوقع الأمر كما ذكر وأهدى الزناتيون هدايا لطرود وطلبوا منهم العفو عما سلف , قائلين لهم أنهم يؤدون قوماً ذوي بأس شديد يحمونهم ويذودون عنهم وأنهم ما لازموا هذه الأرض إلا فراراً من أصحاب الظلم الذين كانوا متسلطين على الجريد واستصفوا أمواله وأذلوا رجاله وخربوا مساكنه الرفيعه .
فقبل طرود تلك الهدايا وتركوا ماكانوا عزموا عليه وسكن غيظهم وكثر التردد على كل قبيله من الأخرى , واتفقوا على أن من يذكر الوقائع القديمه التي كانت بينهم ولو تعريضاً يقتل ولو كان سيد قومه وأن القبيله التي تبدأ بالشر يتسلط عليها أصحابها وغيرهم ويخرجونها من الأرض رغماً .
فدام الحال على ذلك نحو السنتين حتى نسيت طرود ما فات وأقبلت على إصلاح شؤونها وكان سيدي مستور يقول لطرود : إياكم والغفله عن زناته فإنهم إذا تمكنوا منكم يقتلونكم وإذا لم يقدروا على ذلك يكيدونكم بمكيده يهلكونكم بها , فلم يعبأوا بقوله ظانين أن زناته متمسكين بالعهد ويخشون من نقضه كما أنه كان يرشدهم في أمور دينهم ودنياهم كما فعل سيدي عبدالله مع أهل تكسبت حتى تركهم واشتغل مع عبده بالتعبد في مكانهما الآن .
وكان سيدي مستور يقول لطرود : لاتمنعوا أحداً أجنبياً أتاكم من السكنى معكم بل أكرموه وزوجوه لتكثروا فتهابكم الناس , وأيضاً فإن الولد الذي يأتي لكم من الأجانب يكون أشد بطشاً وأشجع ممن يأتي لكم من بعضكم لحرارة الأول وبرودة الثاني كما قيل .
بناء طرود لقرية تكسبت :
أرادت بني طرود بناء قريه بقرب تكسبت فمنعتهم زناته متعللين بأن الأرض ضيقه وماؤها قليل فلا ينبغي التزاحم فيها والأفضل التباعد ليجد كل واحد أرضاً حول بلدة ترعى فيها الحيوانات وتسرح بها الدواجن فاتفق رأي طرود على تهيئة الحجر وحرق الجبس في موضع لايراهم فيه الزناتيون ويبنون خفية حيث أرادوا وإذا تم ذلك لاتقدر زناته على نقضه .
فحرقوا حينئذ الجبس في سندروس وأتوا بالحجر من الفولية وبنوا لزعمائهم بيوتاً صغاراً أي بيتاً لكل واحد منهم في المكان المسمى الآن ( البلد ) في حافة السوق الغربيه شرقاً من منازل اليهود الكائنين في هذا العهد وكان اليهود وقتئذٍ مازالوا بنواحي جلهمة , ففي ليلة واحده أتموا بناء سبع بيوت ولم تعلم زناته بذلك وزادوا في الليلة الثانيه تسع بيوت , وقيل , كانت التسع في الليلة الاولى والسبع في الليلة الثانيه , ولما فطنت زناته اغتاظوا غيظاً شديداً وعزم بعضهم على هدم ذلك البناء فمنعهم كبارهم قائلين لهم : لاتفعلوا شيئاً إلا بمشورة من له الرأي فيكم .
فسمعوا كلام كبيرهم على ألا يظهروا الجزع والنفور من مجاورتهم بل أظهروا لهم البشاشه ورغبتكم في مساكنتهم غير أنكم كنتم أردتم منهم البعد قليلاً وحيث لم يتيسر ذلك منهم فلا بأس بالبناء بالمحل الذي بنوا فيه , وإذا إطمأنوا لكم وطال الأمد اجلعوا لهم مكيده .
فزاد بني طرود في البناء جهراً وجعلوا زرائب من الحلفاء والمرخ قائمه على خشب الأزال واشتغلوا بالأسفار الى النواحي القريبه كالجريد والزاب ووادي ريغ خصوصاً تماسين كما يسافرون الى ورقلة وغدامس وتارة إلى السودان , أما الجهات الأخرى فقليلاً مايذهبون إليها لكثرة قطاع السابله فيها ومرور الجيوش بها وكثرة الأهوال في ذلك الحين .
دس السّم في عشاء طرود :
لما طال الحال عزم الزناتيون على فعل مكيده لبني طرود وقد عزموا عليها سابقاً واتفقوا على ضيافة قوم طرود وأن يكون ذلك في وقت العشاء لئلا تظهر المكيدة وقد فكروا في وضع السّم في الطعام ليموت كل من أكل منه , قيل أنهم جلبوا سّم ساعة من الأندلس , فنهاهم سيدي عبدالله عن ذلك فلم يصغوا لقوله متعللين بأن طروداً ماتركوا إذايتهم إلا حين نالوا ما أرادوا .
ثم استضاف الزناتيون طروداً فأجابوا لذلك ظانين عدم الخديعه وأنهم مافعلوا ذلك الا لتمكين الروابط ناسين ماقد أخبرهم به سيدي مستور , فاشتغل الزناتيون بطبخ الطعام من الصباح وكانت قريتهم لها سور وبهذا السور بابان وفي كل باب حرس يتفقد أحوال الداخلين والخارجين فإذا رأى الحارس ما شك فيه يخبر أصحاب الشرطه فيبدون فيه رأيهم , وكان أهل الشورى أخبروا أهل القرية بأن لاتذهب قصعة الطعام إلى طرود حتى تمر عليهم ليدسوا فيها السّم .
وكان سيدي عبدالله يترقب الفرصه ليذكر طروداً بصنيع زناته وليتجنبوا أكل طعامهم فأرسل عبده إليهم بإنزاله من جدار السور الغربي فوصلهم في الحين وأخبرهم بما كان .
فلما بلغ الخبر بني طرود تشاوروا في الأمر واتفقوا على ان لايظهروا ذلك الى الزناتيين ولكن يشيعون أنه أتاهم خبر بأن ابلهم أغار عليها العدو في الصحراء الشرقيه ويظهر فتيان طرود اللحاق بها ثم يكمنون في المكان المسمى الآن العلندوي حتى يفوت وقت الطعام ويفسد وعندئذ يرجعون .
فلما جن الليل أقبل جماعة زناته بالطعام الى منازل طرود وجلسوا حسب مشورة كبرائهم لينظروا أكل القوم فاعتذر طرود عن الاكل متعللين بأن أكبادهم مجروحه بما حدث لإبلهم ولايدرون أيضاً ما حل بأبنائهم في الموت أم في الحياه .
حينئذ رجع جماعة زناته بالطعام ووقع في نفوسهم من ذلك شيء ولكنهم لم يجزموا فأراقوا ذلك الطعام في حفر عميقه وردموا عليها بالتراب .
ثم من الغد قدم فتيان طرود وظهر أن أمر الابل لم يكن منه شيء فتيقن الزناتيون بأنه أخبرهم بالمكيدة مخبر ولايكون غير واحد من أصحاب المجلس إذ لم يطلع غيرهم على ذلك الخبر قبل إحضار الطعام حيث حذرهم من الاكل منه .
وذهبوا يطوفون حول السور عساهم يجدون أثر فوجدوا أثر قدمي العبد أي خدام سيدي عبدالله عندما نزل من السور ذاهباً الى طرود وراجعاُ من حيث نزل , فأتوا إلى سيدي عبدالله ولاموه على فعله وتهددوه , قيل وفرقوا بينه وبين زوجته , وأخرجوه من بينهم فنزل بالمحل الذي به زاويته الآن , وجعل عريشاً له وعريشاً لخادمه يتعبدان فيهما .
خراب تكسبت القديمة :
اتضحت العداوة بين طرود وزناته وانقطعت المواصله بينهما , وكانت امرأه من زناته لها محبه مع رجل من طرود تختلف إليه في بعض الأحيان , فأتته يوماُ وأخبرته بأن جهة السور الغربيه قد سقطت وأنها الآن خاليه من الحرس , فأخبر قومه طروداً بذلك , واجتمعوا في آخر الليل وجمعوا شتاتهم ثم هجموا على الزناتيين من جهة السور التي سقطت , وكذلك ذهب بعض من طرود الى القرية الأخرى وهى بلا سور وهجموا عليها , فما طلع النهار الا تم لهم ما أرادوا وانجلى جميع من كان بالقريتين من زناته فمنهم من توجه الى نفطه ومنهم الى ورقلة والأكثر الى تقرت .
وخلا الجو لطرود بعد انجلاء زناته عن الارض فجالوا فيها من غير معترض وانتشرت أحياؤهم واتسعت مراعيهم واستتب أمنهم ولله في خلقه شؤون .
                                            انتهى.

يقول الله تعالى :{  يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }  صدق الله العظيم .
لست مؤرخا أو باحثا في التاريخ لكني أردت بهذا العمل المتواضع جمع ما أمكن جمعه من تاريخ أجدادنا والذي يحتاج للكثيرمن التدقيق و التوثيق و الدراسة العلمية الأكاديمية لنفض الغبار عن قرون من النسيان فمن حق هذا الجيل و الأجيال القادمة معرفة تاريخ أجدادهم و الافتخار به لأنه لا مستقبل بدون ماضي. و لإن تقدم الشعوب و الأمم لا يتم دون معرفة تاريخها و أمجادها.
فعلى جميع المهتمين و الباحثين و كل من لديه معلومات تخص تاريخ سُوف حاضرًا و ماضيا
ألا يبخل بها علينا لتعم الفائدة للجميع من خلال التعليق على هذه الصفحات المتواضعة أو مراسلتي على البريد الالكتروني التالي :  asoufi44@yahoo.fr   و أجر الجميع على الله.
ملتقانا مع ( الاحتلال الفرنسي لوادي سُوف ) عن قريب بحول الله.
              
                                        مع تحياتي : عادل السوفي     
                                                                  
 المصادر :
- كتاب تاريخ ابن خلدون :(كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر)
- مقتطفات من كتاب الصروف في تاريخ الصحراء و سوف (إبراهيم محمد الساسي العوامر) .
- مقتطفات من كتاب تاريخ العدواني (محمد بن محمد بن عمر العدواني)
- شبكة و مجالس قبائل فهم ( قبيلة بني طرود الفهميه وهجرتها /الجزء الثالث ) (سعد كامل الفهمي).
- شبكة و مجالس بني عدوان .
- النسابون العرب ( قبيلة طرود الفهمية القيسية بتونس).

5 أغسطس 2010

من تاريخ وادي سُوف (2)

وادي سُوف الهجرة والنشأة

شهدت العصور المنصرمة تنقلات كثير من القبائل العربية من مواطنها القديمة في الحجاز وتهامة واليمن إلى نجد واليمامة والبحرين وعمان والعراق والشام ومصر وشمال أفريقيا.
وقد أخذت تلك الهجرات شكلاً جماعياً حينا, حيث تهاجر معظم بطون القبيلة، أو شكلاً جزئياً فتهاجر بعض فروعها.
وقد كانت تلك التنقلات لأسباب متعددة تفرضها الحياة البدوية التي تعتمد على الترحال طلبا للماء و الكلأ أو بفعل الحروب القبلية في الجاهلية والفتوحات الإسلامية في صدر الإسلام .
و لم تكن تلك الهجرات كاملة، بمعنى أنه بقى فروع من قبيلتي عدوان و فهم في الحجاز و تهامة ، حتى وقتنا هذا.

مشاركة جديلة قيس بفرعيها عُدوان وفهم في فتح بلاد مصر :
أكدت المصادر التاريخية القديمة إشتراك جديلة قيس بفرعيها عدوان وفهم في الفتح الإسلامي لمصر، و إستيطانها شأنها شأن القبائل العربية الأخرى بل كان لها السواد الأعظم من قيس في تلك البلاد.
واستناداً إلى ما جاء في كتاب صاحب خراج مصر عبدالله بن الحباب إلى الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك خلال الفترة من 103هجري حتى 116هجري، حينما طلب منه إرسال قبائل من قيس إلى مصر، قائلاً: (( أن ليس في مصر من قيس سوى قليل من جديلة وهم فهم وعدوان )).
وعن الهيثم بن عدي قال: (( حدثني غير واحد أن عبيدالله بن الحباب لما ولاه هشام مصر قال: ما أرى لقيس فيها حظا إلا لناس من جديلة وهم فهم وعدوان )).
وعقب الباحث عبدالله خورشيد على كتاب عبدالله بن الحباب قائلاً: (( من الثابت إن قبيلتي فهم وعدوان اشتركا في الفتح (يعني فتح مصر) واختططتا بالفسطاط )) .

هجرة بني عدوان و بني طرود إلى شمال افريقيا مع قبائل بني هلال و بني سُليم :
شهد أواخر القرن الرابع وأوائل القرن الخامس هجري رحيل قبيلة بني هلال وبني سليم من موطنهم الأصلي في الحجاز إلى شمال أفريقيا عبوراً بالشام ومصر.
وكان الدافع لقبائل العرب للإنتقال من مصر للمغرب هي إجازة الوزير الفاطمي الحسن اليازوري لهم بذلك للتخلص منهم و إنتقاماً من المعز بن باديس حاكم المغرب .
ويبدو أن فروعاً من قبيلتي عدوان و طرود بن سعد بن فهم الذين يجاورون بني هلال وبني سليم سكنا قد رحلوا معهم.
يؤكد ذلك ما أورده ابن خلدون عن جموع القبائل العربية التي وفدت إلى شمال أفريقيا مع بني هلال فقال في تاريخه: (( … وشعوبهم لذلك العهد كما نقلنا هم زغبة ورياح والأثبج وقرة وكلهم من هلال بن عامر … وكان فيهم من غير هلال كثير من فزارة وأشجع وجشم من بطون غطفان وجشم بن معاوية بن بكر بن هوازن وسلول بن مرة ابن صعصعة بن معاوية، والمعقل من بطون اليمنية، وعمرة بن أسد بن ربيعة بن نزار، وبني ثور بن معاوية بن عباءة البكاء بن عامر بن صعصعة، وعدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان وطرود بطن من فهم بن قيس، إلا انهم مندرجون في هلال وفي الأثبج منهم خصوصاً، لأن الرياسة كانت عند دخولهم للأثبج وهلال فأُدخلوا فيهم وصارو مندرجين في جملتهم)).

هجرة بني عدوان و بني طرود لأرض سُوف و إستقرارهم بها :
رغم الإنتقال المبكر لبني عدوان و بني طرود للشمال الافريقي أواخر القرن الرابع الهجري كما سبق ذكره إلا أنهم مارسوا حياة الحِّل والترحال و لم يكن الإستقرار الفعلي لهم بأرض سُوف إلا مابين القرنين السابع و الثامن الهجري .
فقد ذكر بعض المؤرخين أن بنو عدوان قد قدموا إلى أرض سوف في حدود سنة 1297 م/ 658 هـ و أقاموا بلدة الزقم ثم انتشروا في مناطق أخرى من سُوف .
أما بنو طُرود فقد كانوا مستقرين أول الأمر بباجه والسلوقيه وتستور ونواحيها فأكثر أهلها التشكي منهم , وطلبوا من العمال اخراجهم من تلك البقاع التونسيه , وقد خشيت طرود بطش الأمير أحمد بن محمد بن أبي بكر بعد أن أفضت الولاية إليه في حال رجوعه الى تونس , فتشاوروا واتفقوا على الرحيل الى محلهم الذي كانوا به سابقاً , وهو عقله الطرودي وماحولها , ومازالوا سائرين حتى نزلوا بقرب نفطه ثم انتقلوا من ذلك المحل ( نفطه ) إلى أن وصلوا عقله الطرودي , وكان ذلك في حدود عام 797 هـ/ 1395م .
وكان لهم من المواشي ( الإبل , والغنم , والخيل , والبغال , والحمير ) شيء كثير عمّ تلك الارض , ولهم من الذخائر الحربيه والأموال والحلي والاسلحة ما لا يحصى عددها .
وقد ذكرالشيخ العدواني : أن طرود كانت بعقلة الطرودي وإبلهم ترعى في الميتة وأبي دخان فبعثوا منهم رجلين يطوفان في الارض بحثا عن مراعي لماشيتهم,حتى و صلا ديار بني عدوان فأكرموهما و رحبوا بهما و دعوهم لمجاوتهم.
وهكذا إتخذ بنو طرود لهم مضارب ومنازل بضواحي سُوف ثم دخلوها (الوادي مركز سُوف الآن ) في حدود سنة 1398م / 800 هـ. و بدأ صراعهم مع قبائل زناته التي لم ترحب كثيرًا بمجاوارتهم لها بسبب منافستهم لها على المرعى و الماء .

الهجرات الأخرى لأرض سُوف :
ركزنا فيما سبق عن هجرة بني طرود و بني عدوان لأنها كانت الأبرز من الناحية العددية والزمانية ولأن أغلب أحداث المنطقة قد تركزت حولهما. لكن هذا لا يعني أن أرض سُوف قد كانت لهما دون سواهما فقد شهدت سُوف توافد قبائل أخرى من بني هلال كالفرجان و الربايع و غيرهما. كما استقر بسُوف العديد من السادة الأشراف و ذرياتهم قادمين من المغرب الأقصى و بلاد الجريد . كسيدي علي بن خزان مؤسس بلدة الدبيلة و سيدي عون المتوفى بالمنطقة التي تحمل اسمه و بها ضريحه و مسجده . وسيدي مستور وسيدي عبد الله و غيرهم ...
كما شهدت سُوف في نهاية القرن التاسع عشر و بدايات القرن العشرين بعض الهجرات الداخلية المحدودة من الأقاليم القريبة .

نبذة عن قبيلة زناته وإقامتها بوادي سُوف :
ذكر ابن خلدون الكثير من أخبار قبيلة زناته البربرية و بطونها العديدة :((هذا الجيل في المغرب جيل قديم العهد معروف العين و الأثر وهم لهذا العهد آخذون من شعائر العرب في سكنى الخيام و اتخاذ الابل و ركوب الخيل و التغلب في الأرض و ايلاف الرحلتين ....و شعارهم بين البربر اللغة التي يتراطنون بها و هي مشتهرة بنوعها عن سائر رطانة البربر....فمنهم ببلاد النخيل مابين غدامس و السوس الأقصى حتى أن عامة تلك القرى الجريدية بالصحراء منهم كما نذكره. ومنهم قوم بالتلول بجبال طرابلس و ضواحي افريقية و بجبل أوراس بقايا منهم سكنوا مع العرب الهلاليين لهذا العهد و أذعنوا لحكمهم و الأكثر منهم بالمغرب الأوسط حتى أنه ينسب اليهم و يعرف بهم فيقال : وطن زناته.)). كما عدد ابن خلدون شعوبهم و تفرعاتهم فقال : (( ولهم شعوب أكثر من أن تحصى مثل مغراوة و بني يفرن و جراوة و بني يرنيان و وجديجن و غمرة و بني ويجفش و واسين و بني عبد الواد وبني راشد و بني برزال و بني ورنيد و بني زنداك وغيرهم . و في كل واحد من هذه الشعوب بطون متعددة. وكانت مواطن هذا الجيل من لدن جهات طرابلس الى جبل أوراس و الزاب الى قبلة تلمسان ثم الى وادي ملويّة...)).
كما ذكر ابن خلدون أن قوم الكاهنة حاكمة البربر قبل انتشار الاسلام بشمال أفريقيا هم جراوة من زناته : (( وكانت زناته أعظم قبائل البربر و أكثرهم جموعا و بطونا و كان موطن جراوة منهم بجبل أوراس ...و كانت رياستهم للكاهنة دهيا بنت تابنة بن نيقان بن باورا بن أفرد بن وصيلا بن جراو...)).
و قد كان لهم في صدر انتشار الاسلام في المنطقة سطوة و شأنا عظيما خاصة بعد لجوء ادريس بن عبد الله أخو المهدي الى المغرب الأقصى. فقد أجاره البربر و قاموا بدعوته و دعوة بنيه من بعده و نالوا به الملك و غلبوا على المغرب الأقصى و الأوسط و بثوا دعوة ادريس و بنيه من أهله بعده في أهله من زناته مثل بني يفرن و مغراوة .....ثم انقرضت تلك الأجيال.
و تجدد الملك لهم بالمغرب في جيل آخر منهم فكان لبني مرين بالمغرب الأقصى و لبني عبد الواد بالمغرب الأوسط ملك آخر (الدولة المرينية و الدولة الزيانية ) تقاسمهم فيه بنو توجين و الفلُّ من مغراوة (من بطون زناته).
إلا أن سطوتهم و قوتهم أخذت في التقهقر بعد ذلك جراء الضربات الموجعة التي كانوا يتلقونها من بربر صنهاجة حينًا و من عرب بني هلال في أحيان أخرى .
فتفر جمعهم بين القفار ولجأوا الى الصحاري و الجبال. فكانت أرض سُوف ملاذا أمنا لبعض بطونهم (زناته) التي استقروا فيها و أسسوا فيها بعض أمصارهم و أحيائهم كتكسبت القديمة (قرب حي النزلة ) والجرذانية والبليدة القديمة (قرب الرقيبة) .
يتبع...