وادي سُوف الإستقرار بعد الصراع
بعد ماقدم بنو طُرود بن سعد بن فهم إلى أرض سُوف و طاب لهم المقام فيها لبعض الوقت مارسوا حياتهم المعتادة في موطنهم الجديد من رعي الإبل و تربية المواشي و الأغنام و التي تعتمد كثيرًا على و فرة الماء و المرعى و من هنا بدأ الصّدام بينهم و بين زناته التي سبقتهم لهذه الأرض و أنشأت فيها القرى (تكسبت القديمة – الجردانية – و البليدة القديمة ) و حفرت فيها الأبار. فزناته كما ذكر ابن خلدون : (( آخذون من شعائر العرب في سكنى الخيام و اتخاذ الإبل و ركوب الخيل و التغلب في الأرض و ايلاف الرحلتين ...))
و رغم أن الفريقين يجمعهما دين الاسلام إلا أن حياة البداوة والتي تستند للتعصب للحمية القبيلة و إيثار المصالحة الخاصة و الرؤيا الضيقة سرعان ما أججت الصراع بين الطرفين .
تنازع طرود وزناته :
بعد أن وقع الخلاف بين طرود وزناته تكسبت من أجل الماء تخوف الآخيرون منهم فنشط بعضهم بعضاً واجتمع رأي كبارهم على تدبير مكيدة لطرود ولم يظهروا ذلك لسفهائهم مخافة التحدث وإفشاء الخبر .
فبعث سيدي عبدالله بن أحمد الى طرود يخبرهم بما عزمت عليه زناته فسرى فيهم ذلك الخبر ونشط القوي الضعيف وأعان الغني الفقير لأجل القدرة على رد أعداء زناته .
وصار قوم زناته يتطلعون الفرصه للغدر بطرود وتجسسون على أخبارهم وعصبيتهم بعد تفرقهم في منازل متعدده , وصار يصعد منهم في الليل جماعه للحراسه فوق كثيب من الرمل يترقبون منه مايصنع أهل طرود فسمى ذلك المكان الرقوبه ( وهو مكان غوط سيدي سالم العايب ) الآن شرقاً من زاويته بنحو ثلث ميل .
فلم يجد جماعة زناته منفذاً لمباغتة طرود لتحصينهم بالعسس في نواحيهم واجتماع أكثر الناس قربهم , فتشاوروا على ما يصنعون واتفق رأيهم على مهاجمتهم بغته في ثلث الليل الأخير من الناحية الغربيه لقلة ساكنيها .
فأخبر سيدي عبدالله طروداً بذلك وعيّن الزمان والمكان الذي تريد زناته الهجوم منه فأخذ طرود أسلحتهم وباتوا وقوفاً ينتظرون وإذا بقوم زناته من كل حدب ينسلون فتلقاهم طرود بحزم متأهبين , وكان المكان الذي التقوا فيه هو صحن القاره قرب تكسبت الموجوده في وقتنا هذا .
وكان أصحاب الرأي من كل فريق يوعظونهم وينادون بالإمساك عن القتال والكف عن الخصام فتأخر كل فريق إلى ناحيته .
قيل قتل ألإراد من طرود من بينهم سيدي يوسف صاحب الضريح المعلوم والمقبرة المشهوره .
ثم التقى طرود وزناته مرة أخرى قصد القتال بمحل أرض القارة الآن أعني بأرض القاره الجوفيه الشماليه لا الأرض القبليه التي بحصن الماسط شرقاً منه .
وقد انحاز الى طرود كثيرًا من بني عدوان وخرجوا في عدة تامه وعدد كبير ولم رأتهم زناته على هذه الحاله سرى في قلوبهم الخوف فتراجعوا منهزمين .
ورجع طرود وأنصارهم ظافرين غانمين الأسلحه والدروع والثياب عازمين على أنهم بعدما يصلحون شؤونهم يرجعون الى قوم زناته ليخرجوهم من ديارهم ويأخذوها منهم رغماً .
الصلح بين طرود وزناته :
قال القدماء : حين بلغ زناته خبر طرود وعزمهم على تخريجهم من بلدتهم وتخريبها , عقدوا مجلساً لبعض رؤسائهم ومن جملتهم قاضيهم علي بركة الوصيف وكانوا على دين الرافضه وكذلك طرود في ذلك الوقت ولم يكن لها اكتراث بذلك القاضي ولا امتثال لأوامره وغنما جعلوه اقتداء بمن جاورهم من البلاد مثل الجريد , إذ أيقضها الله من نومها وأخرجها من ظلمتها علي يد سيدي أبي علي السني قبل سوف بكثير .
كانت نتيجة تلك الجلسه طلب الصلح من طرود وإظهار الغلبة لهم حتى يطمئنوا اليهم فإذا طال الحال وسارت الهدايا من الجهتين تتمكن زناته من خداع طرود وقتلهم بوجه آخر .
فوقع الأمر كما ذكر وأهدى الزناتيون هدايا لطرود وطلبوا منهم العفو عما سلف , قائلين لهم أنهم يؤدون قوماً ذوي بأس شديد يحمونهم ويذودون عنهم وأنهم ما لازموا هذه الأرض إلا فراراً من أصحاب الظلم الذين كانوا متسلطين على الجريد واستصفوا أمواله وأذلوا رجاله وخربوا مساكنه الرفيعه .
فقبل طرود تلك الهدايا وتركوا ماكانوا عزموا عليه وسكن غيظهم وكثر التردد على كل قبيله من الأخرى , واتفقوا على أن من يذكر الوقائع القديمه التي كانت بينهم ولو تعريضاً يقتل ولو كان سيد قومه وأن القبيله التي تبدأ بالشر يتسلط عليها أصحابها وغيرهم ويخرجونها من الأرض رغماً .
فدام الحال على ذلك نحو السنتين حتى نسيت طرود ما فات وأقبلت على إصلاح شؤونها وكان سيدي مستور يقول لطرود : إياكم والغفله عن زناته فإنهم إذا تمكنوا منكم يقتلونكم وإذا لم يقدروا على ذلك يكيدونكم بمكيده يهلكونكم بها , فلم يعبأوا بقوله ظانين أن زناته متمسكين بالعهد ويخشون من نقضه كما أنه كان يرشدهم في أمور دينهم ودنياهم كما فعل سيدي عبدالله مع أهل تكسبت حتى تركهم واشتغل مع عبده بالتعبد في مكانهما الآن .
وكان سيدي مستور يقول لطرود : لاتمنعوا أحداً أجنبياً أتاكم من السكنى معكم بل أكرموه وزوجوه لتكثروا فتهابكم الناس , وأيضاً فإن الولد الذي يأتي لكم من الأجانب يكون أشد بطشاً وأشجع ممن يأتي لكم من بعضكم لحرارة الأول وبرودة الثاني كما قيل .
بناء طرود لقرية تكسبت :
أرادت بني طرود بناء قريه بقرب تكسبت فمنعتهم زناته متعللين بأن الأرض ضيقه وماؤها قليل فلا ينبغي التزاحم فيها والأفضل التباعد ليجد كل واحد أرضاً حول بلدة ترعى فيها الحيوانات وتسرح بها الدواجن فاتفق رأي طرود على تهيئة الحجر وحرق الجبس في موضع لايراهم فيه الزناتيون ويبنون خفية حيث أرادوا وإذا تم ذلك لاتقدر زناته على نقضه .
فحرقوا حينئذ الجبس في سندروس وأتوا بالحجر من الفولية وبنوا لزعمائهم بيوتاً صغاراً أي بيتاً لكل واحد منهم في المكان المسمى الآن ( البلد ) في حافة السوق الغربيه شرقاً من منازل اليهود الكائنين في هذا العهد وكان اليهود وقتئذٍ مازالوا بنواحي جلهمة , ففي ليلة واحده أتموا بناء سبع بيوت ولم تعلم زناته بذلك وزادوا في الليلة الثانيه تسع بيوت , وقيل , كانت التسع في الليلة الاولى والسبع في الليلة الثانيه , ولما فطنت زناته اغتاظوا غيظاً شديداً وعزم بعضهم على هدم ذلك البناء فمنعهم كبارهم قائلين لهم : لاتفعلوا شيئاً إلا بمشورة من له الرأي فيكم .
فسمعوا كلام كبيرهم على ألا يظهروا الجزع والنفور من مجاورتهم بل أظهروا لهم البشاشه ورغبتكم في مساكنتهم غير أنكم كنتم أردتم منهم البعد قليلاً وحيث لم يتيسر ذلك منهم فلا بأس بالبناء بالمحل الذي بنوا فيه , وإذا إطمأنوا لكم وطال الأمد اجلعوا لهم مكيده .
فزاد بني طرود في البناء جهراً وجعلوا زرائب من الحلفاء والمرخ قائمه على خشب الأزال واشتغلوا بالأسفار الى النواحي القريبه كالجريد والزاب ووادي ريغ خصوصاً تماسين كما يسافرون الى ورقلة وغدامس وتارة إلى السودان , أما الجهات الأخرى فقليلاً مايذهبون إليها لكثرة قطاع السابله فيها ومرور الجيوش بها وكثرة الأهوال في ذلك الحين .
دس السّم في عشاء طرود :
لما طال الحال عزم الزناتيون على فعل مكيده لبني طرود وقد عزموا عليها سابقاً واتفقوا على ضيافة قوم طرود وأن يكون ذلك في وقت العشاء لئلا تظهر المكيدة وقد فكروا في وضع السّم في الطعام ليموت كل من أكل منه , قيل أنهم جلبوا سّم ساعة من الأندلس , فنهاهم سيدي عبدالله عن ذلك فلم يصغوا لقوله متعللين بأن طروداً ماتركوا إذايتهم إلا حين نالوا ما أرادوا .
ثم استضاف الزناتيون طروداً فأجابوا لذلك ظانين عدم الخديعه وأنهم مافعلوا ذلك الا لتمكين الروابط ناسين ماقد أخبرهم به سيدي مستور , فاشتغل الزناتيون بطبخ الطعام من الصباح وكانت قريتهم لها سور وبهذا السور بابان وفي كل باب حرس يتفقد أحوال الداخلين والخارجين فإذا رأى الحارس ما شك فيه يخبر أصحاب الشرطه فيبدون فيه رأيهم , وكان أهل الشورى أخبروا أهل القرية بأن لاتذهب قصعة الطعام إلى طرود حتى تمر عليهم ليدسوا فيها السّم .
وكان سيدي عبدالله يترقب الفرصه ليذكر طروداً بصنيع زناته وليتجنبوا أكل طعامهم فأرسل عبده إليهم بإنزاله من جدار السور الغربي فوصلهم في الحين وأخبرهم بما كان .
فلما بلغ الخبر بني طرود تشاوروا في الأمر واتفقوا على ان لايظهروا ذلك الى الزناتيين ولكن يشيعون أنه أتاهم خبر بأن ابلهم أغار عليها العدو في الصحراء الشرقيه ويظهر فتيان طرود اللحاق بها ثم يكمنون في المكان المسمى الآن العلندوي حتى يفوت وقت الطعام ويفسد وعندئذ يرجعون .
فلما جن الليل أقبل جماعة زناته بالطعام الى منازل طرود وجلسوا حسب مشورة كبرائهم لينظروا أكل القوم فاعتذر طرود عن الاكل متعللين بأن أكبادهم مجروحه بما حدث لإبلهم ولايدرون أيضاً ما حل بأبنائهم في الموت أم في الحياه .
حينئذ رجع جماعة زناته بالطعام ووقع في نفوسهم من ذلك شيء ولكنهم لم يجزموا فأراقوا ذلك الطعام في حفر عميقه وردموا عليها بالتراب .
ثم من الغد قدم فتيان طرود وظهر أن أمر الابل لم يكن منه شيء فتيقن الزناتيون بأنه أخبرهم بالمكيدة مخبر ولايكون غير واحد من أصحاب المجلس إذ لم يطلع غيرهم على ذلك الخبر قبل إحضار الطعام حيث حذرهم من الاكل منه .
وذهبوا يطوفون حول السور عساهم يجدون أثر فوجدوا أثر قدمي العبد أي خدام سيدي عبدالله عندما نزل من السور ذاهباً الى طرود وراجعاُ من حيث نزل , فأتوا إلى سيدي عبدالله ولاموه على فعله وتهددوه , قيل وفرقوا بينه وبين زوجته , وأخرجوه من بينهم فنزل بالمحل الذي به زاويته الآن , وجعل عريشاً له وعريشاً لخادمه يتعبدان فيهما .
خراب تكسبت القديمة :
اتضحت العداوة بين طرود وزناته وانقطعت المواصله بينهما , وكانت امرأه من زناته لها محبه مع رجل من طرود تختلف إليه في بعض الأحيان , فأتته يوماُ وأخبرته بأن جهة السور الغربيه قد سقطت وأنها الآن خاليه من الحرس , فأخبر قومه طروداً بذلك , واجتمعوا في آخر الليل وجمعوا شتاتهم ثم هجموا على الزناتيين من جهة السور التي سقطت , وكذلك ذهب بعض من طرود الى القرية الأخرى وهى بلا سور وهجموا عليها , فما طلع النهار الا تم لهم ما أرادوا وانجلى جميع من كان بالقريتين من زناته فمنهم من توجه الى نفطه ومنهم الى ورقلة والأكثر الى تقرت .
وخلا الجو لطرود بعد انجلاء زناته عن الارض فجالوا فيها من غير معترض وانتشرت أحياؤهم واتسعت مراعيهم واستتب أمنهم ولله في خلقه شؤون .
انتهى.
يقول الله تعالى :{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } صدق الله العظيم .
لست مؤرخا أو باحثا في التاريخ لكني أردت بهذا العمل المتواضع جمع ما أمكن جمعه من تاريخ أجدادنا والذي يحتاج للكثيرمن التدقيق و التوثيق و الدراسة العلمية الأكاديمية لنفض الغبار عن قرون من النسيان فمن حق هذا الجيل و الأجيال القادمة معرفة تاريخ أجدادهم و الافتخار به لأنه لا مستقبل بدون ماضي. و لإن تقدم الشعوب و الأمم لا يتم دون معرفة تاريخها و أمجادها.
فعلى جميع المهتمين و الباحثين و كل من لديه معلومات تخص تاريخ سُوف حاضرًا و ماضيا
ألا يبخل بها علينا لتعم الفائدة للجميع من خلال التعليق على هذه الصفحات المتواضعة أو مراسلتي على البريد الالكتروني التالي : asoufi44@yahoo.fr و أجر الجميع على الله.
ملتقانا مع ( الاحتلال الفرنسي لوادي سُوف ) عن قريب بحول الله.
مع تحياتي : عادل السوفي
المصادر :
- كتاب تاريخ ابن خلدون :(كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر)
- مقتطفات من كتاب الصروف في تاريخ الصحراء و سوف (إبراهيم محمد الساسي العوامر) .
- مقتطفات من كتاب تاريخ العدواني (محمد بن محمد بن عمر العدواني)
- شبكة و مجالس قبائل فهم ( قبيلة بني طرود الفهميه وهجرتها /الجزء الثالث ) (سعد كامل الفهمي).
- شبكة و مجالس بني عدوان .
- النسابون العرب ( قبيلة طرود الفهمية القيسية بتونس).
بعد ماقدم بنو طُرود بن سعد بن فهم إلى أرض سُوف و طاب لهم المقام فيها لبعض الوقت مارسوا حياتهم المعتادة في موطنهم الجديد من رعي الإبل و تربية المواشي و الأغنام و التي تعتمد كثيرًا على و فرة الماء و المرعى و من هنا بدأ الصّدام بينهم و بين زناته التي سبقتهم لهذه الأرض و أنشأت فيها القرى (تكسبت القديمة – الجردانية – و البليدة القديمة ) و حفرت فيها الأبار. فزناته كما ذكر ابن خلدون : (( آخذون من شعائر العرب في سكنى الخيام و اتخاذ الإبل و ركوب الخيل و التغلب في الأرض و ايلاف الرحلتين ...))
و رغم أن الفريقين يجمعهما دين الاسلام إلا أن حياة البداوة والتي تستند للتعصب للحمية القبيلة و إيثار المصالحة الخاصة و الرؤيا الضيقة سرعان ما أججت الصراع بين الطرفين .
تنازع طرود وزناته :
بعد أن وقع الخلاف بين طرود وزناته تكسبت من أجل الماء تخوف الآخيرون منهم فنشط بعضهم بعضاً واجتمع رأي كبارهم على تدبير مكيدة لطرود ولم يظهروا ذلك لسفهائهم مخافة التحدث وإفشاء الخبر .
فبعث سيدي عبدالله بن أحمد الى طرود يخبرهم بما عزمت عليه زناته فسرى فيهم ذلك الخبر ونشط القوي الضعيف وأعان الغني الفقير لأجل القدرة على رد أعداء زناته .
وصار قوم زناته يتطلعون الفرصه للغدر بطرود وتجسسون على أخبارهم وعصبيتهم بعد تفرقهم في منازل متعدده , وصار يصعد منهم في الليل جماعه للحراسه فوق كثيب من الرمل يترقبون منه مايصنع أهل طرود فسمى ذلك المكان الرقوبه ( وهو مكان غوط سيدي سالم العايب ) الآن شرقاً من زاويته بنحو ثلث ميل .
فلم يجد جماعة زناته منفذاً لمباغتة طرود لتحصينهم بالعسس في نواحيهم واجتماع أكثر الناس قربهم , فتشاوروا على ما يصنعون واتفق رأيهم على مهاجمتهم بغته في ثلث الليل الأخير من الناحية الغربيه لقلة ساكنيها .
فأخبر سيدي عبدالله طروداً بذلك وعيّن الزمان والمكان الذي تريد زناته الهجوم منه فأخذ طرود أسلحتهم وباتوا وقوفاً ينتظرون وإذا بقوم زناته من كل حدب ينسلون فتلقاهم طرود بحزم متأهبين , وكان المكان الذي التقوا فيه هو صحن القاره قرب تكسبت الموجوده في وقتنا هذا .
وكان أصحاب الرأي من كل فريق يوعظونهم وينادون بالإمساك عن القتال والكف عن الخصام فتأخر كل فريق إلى ناحيته .
قيل قتل ألإراد من طرود من بينهم سيدي يوسف صاحب الضريح المعلوم والمقبرة المشهوره .
ثم التقى طرود وزناته مرة أخرى قصد القتال بمحل أرض القارة الآن أعني بأرض القاره الجوفيه الشماليه لا الأرض القبليه التي بحصن الماسط شرقاً منه .
وقد انحاز الى طرود كثيرًا من بني عدوان وخرجوا في عدة تامه وعدد كبير ولم رأتهم زناته على هذه الحاله سرى في قلوبهم الخوف فتراجعوا منهزمين .
ورجع طرود وأنصارهم ظافرين غانمين الأسلحه والدروع والثياب عازمين على أنهم بعدما يصلحون شؤونهم يرجعون الى قوم زناته ليخرجوهم من ديارهم ويأخذوها منهم رغماً .
الصلح بين طرود وزناته :
قال القدماء : حين بلغ زناته خبر طرود وعزمهم على تخريجهم من بلدتهم وتخريبها , عقدوا مجلساً لبعض رؤسائهم ومن جملتهم قاضيهم علي بركة الوصيف وكانوا على دين الرافضه وكذلك طرود في ذلك الوقت ولم يكن لها اكتراث بذلك القاضي ولا امتثال لأوامره وغنما جعلوه اقتداء بمن جاورهم من البلاد مثل الجريد , إذ أيقضها الله من نومها وأخرجها من ظلمتها علي يد سيدي أبي علي السني قبل سوف بكثير .
كانت نتيجة تلك الجلسه طلب الصلح من طرود وإظهار الغلبة لهم حتى يطمئنوا اليهم فإذا طال الحال وسارت الهدايا من الجهتين تتمكن زناته من خداع طرود وقتلهم بوجه آخر .
فوقع الأمر كما ذكر وأهدى الزناتيون هدايا لطرود وطلبوا منهم العفو عما سلف , قائلين لهم أنهم يؤدون قوماً ذوي بأس شديد يحمونهم ويذودون عنهم وأنهم ما لازموا هذه الأرض إلا فراراً من أصحاب الظلم الذين كانوا متسلطين على الجريد واستصفوا أمواله وأذلوا رجاله وخربوا مساكنه الرفيعه .
فقبل طرود تلك الهدايا وتركوا ماكانوا عزموا عليه وسكن غيظهم وكثر التردد على كل قبيله من الأخرى , واتفقوا على أن من يذكر الوقائع القديمه التي كانت بينهم ولو تعريضاً يقتل ولو كان سيد قومه وأن القبيله التي تبدأ بالشر يتسلط عليها أصحابها وغيرهم ويخرجونها من الأرض رغماً .
فدام الحال على ذلك نحو السنتين حتى نسيت طرود ما فات وأقبلت على إصلاح شؤونها وكان سيدي مستور يقول لطرود : إياكم والغفله عن زناته فإنهم إذا تمكنوا منكم يقتلونكم وإذا لم يقدروا على ذلك يكيدونكم بمكيده يهلكونكم بها , فلم يعبأوا بقوله ظانين أن زناته متمسكين بالعهد ويخشون من نقضه كما أنه كان يرشدهم في أمور دينهم ودنياهم كما فعل سيدي عبدالله مع أهل تكسبت حتى تركهم واشتغل مع عبده بالتعبد في مكانهما الآن .
وكان سيدي مستور يقول لطرود : لاتمنعوا أحداً أجنبياً أتاكم من السكنى معكم بل أكرموه وزوجوه لتكثروا فتهابكم الناس , وأيضاً فإن الولد الذي يأتي لكم من الأجانب يكون أشد بطشاً وأشجع ممن يأتي لكم من بعضكم لحرارة الأول وبرودة الثاني كما قيل .
بناء طرود لقرية تكسبت :
أرادت بني طرود بناء قريه بقرب تكسبت فمنعتهم زناته متعللين بأن الأرض ضيقه وماؤها قليل فلا ينبغي التزاحم فيها والأفضل التباعد ليجد كل واحد أرضاً حول بلدة ترعى فيها الحيوانات وتسرح بها الدواجن فاتفق رأي طرود على تهيئة الحجر وحرق الجبس في موضع لايراهم فيه الزناتيون ويبنون خفية حيث أرادوا وإذا تم ذلك لاتقدر زناته على نقضه .
فحرقوا حينئذ الجبس في سندروس وأتوا بالحجر من الفولية وبنوا لزعمائهم بيوتاً صغاراً أي بيتاً لكل واحد منهم في المكان المسمى الآن ( البلد ) في حافة السوق الغربيه شرقاً من منازل اليهود الكائنين في هذا العهد وكان اليهود وقتئذٍ مازالوا بنواحي جلهمة , ففي ليلة واحده أتموا بناء سبع بيوت ولم تعلم زناته بذلك وزادوا في الليلة الثانيه تسع بيوت , وقيل , كانت التسع في الليلة الاولى والسبع في الليلة الثانيه , ولما فطنت زناته اغتاظوا غيظاً شديداً وعزم بعضهم على هدم ذلك البناء فمنعهم كبارهم قائلين لهم : لاتفعلوا شيئاً إلا بمشورة من له الرأي فيكم .
فسمعوا كلام كبيرهم على ألا يظهروا الجزع والنفور من مجاورتهم بل أظهروا لهم البشاشه ورغبتكم في مساكنتهم غير أنكم كنتم أردتم منهم البعد قليلاً وحيث لم يتيسر ذلك منهم فلا بأس بالبناء بالمحل الذي بنوا فيه , وإذا إطمأنوا لكم وطال الأمد اجلعوا لهم مكيده .
فزاد بني طرود في البناء جهراً وجعلوا زرائب من الحلفاء والمرخ قائمه على خشب الأزال واشتغلوا بالأسفار الى النواحي القريبه كالجريد والزاب ووادي ريغ خصوصاً تماسين كما يسافرون الى ورقلة وغدامس وتارة إلى السودان , أما الجهات الأخرى فقليلاً مايذهبون إليها لكثرة قطاع السابله فيها ومرور الجيوش بها وكثرة الأهوال في ذلك الحين .
دس السّم في عشاء طرود :
لما طال الحال عزم الزناتيون على فعل مكيده لبني طرود وقد عزموا عليها سابقاً واتفقوا على ضيافة قوم طرود وأن يكون ذلك في وقت العشاء لئلا تظهر المكيدة وقد فكروا في وضع السّم في الطعام ليموت كل من أكل منه , قيل أنهم جلبوا سّم ساعة من الأندلس , فنهاهم سيدي عبدالله عن ذلك فلم يصغوا لقوله متعللين بأن طروداً ماتركوا إذايتهم إلا حين نالوا ما أرادوا .
ثم استضاف الزناتيون طروداً فأجابوا لذلك ظانين عدم الخديعه وأنهم مافعلوا ذلك الا لتمكين الروابط ناسين ماقد أخبرهم به سيدي مستور , فاشتغل الزناتيون بطبخ الطعام من الصباح وكانت قريتهم لها سور وبهذا السور بابان وفي كل باب حرس يتفقد أحوال الداخلين والخارجين فإذا رأى الحارس ما شك فيه يخبر أصحاب الشرطه فيبدون فيه رأيهم , وكان أهل الشورى أخبروا أهل القرية بأن لاتذهب قصعة الطعام إلى طرود حتى تمر عليهم ليدسوا فيها السّم .
وكان سيدي عبدالله يترقب الفرصه ليذكر طروداً بصنيع زناته وليتجنبوا أكل طعامهم فأرسل عبده إليهم بإنزاله من جدار السور الغربي فوصلهم في الحين وأخبرهم بما كان .
فلما بلغ الخبر بني طرود تشاوروا في الأمر واتفقوا على ان لايظهروا ذلك الى الزناتيين ولكن يشيعون أنه أتاهم خبر بأن ابلهم أغار عليها العدو في الصحراء الشرقيه ويظهر فتيان طرود اللحاق بها ثم يكمنون في المكان المسمى الآن العلندوي حتى يفوت وقت الطعام ويفسد وعندئذ يرجعون .
فلما جن الليل أقبل جماعة زناته بالطعام الى منازل طرود وجلسوا حسب مشورة كبرائهم لينظروا أكل القوم فاعتذر طرود عن الاكل متعللين بأن أكبادهم مجروحه بما حدث لإبلهم ولايدرون أيضاً ما حل بأبنائهم في الموت أم في الحياه .
حينئذ رجع جماعة زناته بالطعام ووقع في نفوسهم من ذلك شيء ولكنهم لم يجزموا فأراقوا ذلك الطعام في حفر عميقه وردموا عليها بالتراب .
ثم من الغد قدم فتيان طرود وظهر أن أمر الابل لم يكن منه شيء فتيقن الزناتيون بأنه أخبرهم بالمكيدة مخبر ولايكون غير واحد من أصحاب المجلس إذ لم يطلع غيرهم على ذلك الخبر قبل إحضار الطعام حيث حذرهم من الاكل منه .
وذهبوا يطوفون حول السور عساهم يجدون أثر فوجدوا أثر قدمي العبد أي خدام سيدي عبدالله عندما نزل من السور ذاهباً الى طرود وراجعاُ من حيث نزل , فأتوا إلى سيدي عبدالله ولاموه على فعله وتهددوه , قيل وفرقوا بينه وبين زوجته , وأخرجوه من بينهم فنزل بالمحل الذي به زاويته الآن , وجعل عريشاً له وعريشاً لخادمه يتعبدان فيهما .
خراب تكسبت القديمة :
اتضحت العداوة بين طرود وزناته وانقطعت المواصله بينهما , وكانت امرأه من زناته لها محبه مع رجل من طرود تختلف إليه في بعض الأحيان , فأتته يوماُ وأخبرته بأن جهة السور الغربيه قد سقطت وأنها الآن خاليه من الحرس , فأخبر قومه طروداً بذلك , واجتمعوا في آخر الليل وجمعوا شتاتهم ثم هجموا على الزناتيين من جهة السور التي سقطت , وكذلك ذهب بعض من طرود الى القرية الأخرى وهى بلا سور وهجموا عليها , فما طلع النهار الا تم لهم ما أرادوا وانجلى جميع من كان بالقريتين من زناته فمنهم من توجه الى نفطه ومنهم الى ورقلة والأكثر الى تقرت .
وخلا الجو لطرود بعد انجلاء زناته عن الارض فجالوا فيها من غير معترض وانتشرت أحياؤهم واتسعت مراعيهم واستتب أمنهم ولله في خلقه شؤون .
انتهى.
يقول الله تعالى :{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } صدق الله العظيم .
لست مؤرخا أو باحثا في التاريخ لكني أردت بهذا العمل المتواضع جمع ما أمكن جمعه من تاريخ أجدادنا والذي يحتاج للكثيرمن التدقيق و التوثيق و الدراسة العلمية الأكاديمية لنفض الغبار عن قرون من النسيان فمن حق هذا الجيل و الأجيال القادمة معرفة تاريخ أجدادهم و الافتخار به لأنه لا مستقبل بدون ماضي. و لإن تقدم الشعوب و الأمم لا يتم دون معرفة تاريخها و أمجادها.
فعلى جميع المهتمين و الباحثين و كل من لديه معلومات تخص تاريخ سُوف حاضرًا و ماضيا
ألا يبخل بها علينا لتعم الفائدة للجميع من خلال التعليق على هذه الصفحات المتواضعة أو مراسلتي على البريد الالكتروني التالي : asoufi44@yahoo.fr و أجر الجميع على الله.
ملتقانا مع ( الاحتلال الفرنسي لوادي سُوف ) عن قريب بحول الله.
مع تحياتي : عادل السوفي
المصادر :
- كتاب تاريخ ابن خلدون :(كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر)
- مقتطفات من كتاب الصروف في تاريخ الصحراء و سوف (إبراهيم محمد الساسي العوامر) .
- مقتطفات من كتاب تاريخ العدواني (محمد بن محمد بن عمر العدواني)
- شبكة و مجالس قبائل فهم ( قبيلة بني طرود الفهميه وهجرتها /الجزء الثالث ) (سعد كامل الفهمي).
- شبكة و مجالس بني عدوان .
- النسابون العرب ( قبيلة طرود الفهمية القيسية بتونس).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق