Comments system

111

أهلا وسهلا بكم في وادي سوف الأصيل ***وادي سوف الأصيل ***

29 يونيو 2012

صفحات من الذاكرة : وادي سُوف دراسة عامة ج2

تمهيد :
قال الله تعالى : «  يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ »
 ليس المقصود بالتطرق لموضوع قبائل و أصول المجتمع السُوفي العودة للنعرة القبلية الضيقة ، أو لتمييز فئة قبلية بذاتها عن باقي الفئات ، فتاريخ وادي سُوف الطويل يشهد بأن أهل المنطقة جميعهم قد عاشوا في ألفة و محبة و تعاون ، وعانوا من نفس  الظروف القاسية إبان الحقبة الاستعمارية ، كما أنهم هبوا جميعا للدفاع عن أرضهم و عرضهم ضد المحتل الفرنسي الغاشم ، كما أنهم قد قدموا قوافل من الشهداء ابان ثورة أول نوفمبر التحريرية المجيدة عام 1954 ، و لكن هذا لا يمنعنا من العودة إلى الوراء لنتعرف على تاريخ وأصول و مكونات أجدادنا ، وظروف معيشتهم في تلك الفترة "بداية الخمسينات من القرن الماضي".

 الجزء الثاني : وادي سُوف أعراق و أصول 

قدر عدد سكان وادي سُوف في عام 1887 بـ  23000  نسمة  كما أن عددهم قد  تجاوزالـ  100000 نسمة في عام 1950.
إن تتبع منشأ السُوافة (Souafa) أي سكان سُوف ليس سهلا فقد مرت بسُوف العديد من الشعوب الأصلية القديمة، فقد كان الوندال المسيحيين يتم ترحيلهم إلى سُوف و ما زالت الأساطير التي تتحدث عن ذلك حتى الآن.
 ثم أتى العرب و منهم "بنو عُدوان"  (Adouane) وبعضهم يدعي أنهم أحفاد القبائل الأولى التي استقرت بالمنطقة  وخصوصا طُرود  (Troud) الذين وصلوا إلى المنطقة  في القرن  الثالث عشر والذين هم جزء من  "بني سُليم" (Soleim) ومعظم البدوالذين يقولون إنهم أسلافهم.
ما هي نسبة كل عنصر في عدد السكان حاليا ؟ 
دعونا لا نتوقف مع هذه  القضية ... ودعونا نلاحظ أنه من السهل تمييز بما يكفي أن العناصر الغالبة بين السكان هي العناصر البدوية العربية إلى جانب عدد قليل من الزنوج .
 آخر الوافدين إلى وادي سُوف هم "الشعانبة"(Chaamba)، الذين ألحقوا بقبيلة المصاعبة (Messaba) أما "الربايع" (Rebaia) و"القطاطية" (Guettatia) فقد اعتمدوا على قايد الأعشاش (Achèche).
الشعانبة Chaamba :
 ينقسم شعانبة الوادي  الذين يستقرون بالجنوب الغربي  لملحقة الوادي ، إلى :
1)أولاد غدير (Guédir): الذين ينحدرون  من نسل أولاد  فرج  من المنيعة (El-Goléa) الذين جاؤوا في القرن السابع عشر بحثا  عن  مراعي  في العرق الشرقي  بعد  أن عانوا لعدة سنوات متتالية من الجفاف .
2)أولاد عمران (Ouled Amrane): الذين لجأوا  إلى  الجنوب في القرن 19، بعد معركة  قتل فيها جدهم عمران منافسه  المير (El-Mir) ويقال أن هذين الخصمين المتنافسين ينتميان إلى عشيرة من أولاد بوسعيد  بورقلة.
لديهم أشجار النخيل في منطقة عميش (Amiche) و في وادي العلندة (Oued el Allenda)  فكانوا يعيشون في منازلهم  قليلا من الوقت وخاصة في موسم جني التمور أما الرعاة فيبقون في الصحراء.
ومن بينهم يتم توظيف أفضل وأكثر عددا من الجمالة "المهاريس" (Meharists) للجمعية في العرق الشرقي ومقرها في الوادي. ( هم عبارة عن فرع من المجندين الذين يركبون الجمال و يعملون كأدلاء في الصحراء).
الربايع  Rébaïa :
 النواة المركزية للربايع  (Rebaia) هي  في الأصل من جنوب تونس، وهي منطقة بالقرب من حدود طرابلس. ولا يزال لديهم أقارب في منطقة نالوت بليبيا .
وصلوا  لأول مرة إلى منطقة تماسين (Temacine) قرب تقرت، ثم طُردوا منها من قبل مشايخ التجانية (Tidjania) الذين أرغموهم على ترك  الطيبات القبلية (Taïbet el Gueblia) حين أتوا لتوسيع نفوذهم فيها.
 فذهب جزء كبير منهم باتجاه الأغواط مرورا بوادي الجدي  أما البعض الآخر فقد أتوا  إلى سُوف في القرن 19  في مجموعات صغيرة من  مختلف الأصول  ولكنها كانت تأتي  من الشرق في معظمها.
 حاليا،  يوجد  جزء من (Rébaïa) الربايع  يمثلون  حوالي 14.000 نسمة لديهم أشجار النخيل، ويميلون إلى حياة الاستقرار  في ضواحي المنطقة.
 فنجدهم في  الرقيبة  (Reguiba)، و في حاسي خليفة (Hassi Khalifa)، و المقرن (Magrane). ولكن في الغالب نجدهم يتركزون في منطقة عميش (Amiche) والبياضة. المراعي الخاصة بهم واسعة جدا. و يسافرون  في جميع أنحاء الجزء الشرقي من ملحق  الوادي و يخيمون في كثير من الأحيان قرب الحدود أو في الأراضي التونسية.
القطاطية Guettatia :
 أما القطاطية (Guettatia) فقد أتوا  مؤخرا من ليبيا  و تقاسموا المراعي مع الربايع   في  المنطقة الجنوبية الشرقية و العرق الشرقي .و لكنهم يميلون للحفاظ على استقلاليتهم.
و مع أن هذه المجموعات الثلاثة الشعانبة و الربايع و القطاطية كانت آخر المجموعات القادمة لمنطقة وادي سُوف إلا أنها لازالت أكثر تعلقا بتقاليد البدو الرحل التي جلبوها للبلاد  و من بين العادات الأخرى التي تحمل تأثيرات شرقية كرقص الخيول التي تثير  المفاجأة و الدهشة  في الأوساط الإسلامية.
ففي بعض المهرجانات و الاحتفالات تقوم الفتيات و الأرامل الشابات برفرفة  شعورهن الطويلة الفضفاضة "ما يسمى بالنخان" على إيقاع الأغاني البدوية و الأهازيج التي يرددها الرجال و الشيوخ  من الشعراء و المغنين التي  تدعو إلى تمجيد سحر الأحبة أو معاناة حبهم . أنظر  ( القائد فيري : رقص الشعور (أشغال معهد الأبحاث الصحراوية المجلد  1950  VI )
طرود Troud :
أما طُرود  فهم أقدم  البدو الذين عاشو في  ملحق الوادي (l'Annexe d'El-Oued) كما أنهم يمثلون  إداريا الجزء الأكبر من سكان القبيلتين الرئيسيتين :  الأعشاش (Achèche) و المصاعبة (Messaaba) .
وينحدر هؤلاء من جزء بسيط من بني سُليم (Soleim)  الذين وصلوا  إلى الجزائر في القرن الثاني.هذا على الأقل هو ما يزعمون، ولكن يبدو أنهم قد اختلطوا مع أجناس أخرى كبنو هلال. الذين لم  يسلم سكان البلاد في ذلك الوقت من غزوهم ومن غير المرجح  أن بنو هلال قد اختفوا  تماما، خصوصا أنهم كانوا قد اعتنقوا الإسلام، فيجب أن يفهم ذلك  أنه أمكن استيعابهم تدريجيا من قبل المجتمعات التي قاموا بغزوها.
 و تشمل قبائل طرود ما يلي:
*** أولاد جامع  (Ouled Djamaa) و أولاد أحمد (Ouled Ahmed) و الفرجان  (Ferdjane) و يتبعون إلى قايد الأعشاش .
*** الشبابطة (Chebabta)  و العزازلة  (Azezla) و يتبعون قايد المصاعبة .
عندما دخل الفرنسيون إلى  وادي سُوف تخلى العديد من هؤلاء عن خيامهم  و عن حياتهم البدوية  فوجدت بلدة الوادي الصغيرة  بجانب حي العزازلة و أولاد أحمد و أولاد جامع ثم إزدادت حركة النزوح و الاستيطان. 
و لكن لا زالت كل عائلة من بين خمس عائلات تعلق وجودها بشدة في الصحراء واقتصر تدريجيا بطبيعة الحال في المنطقة الخاضعة للعرق الشرقي كما أنهم أصبحوا معتادين على تثبيت خيامهم بالقرب من القرى  في  أغلب أشهرالسنة.
كما  أن لعلاقتهم  بإخوانهم  الذين يعيشون حياة الاستقرارا تأثيرا  كبيرا  عليهم.
 وباستثناء جماعات  الشعانبة و القطاطية التي ظلت على حالة البداوة والترحال أي ظلت على حالها تقريبا، فإن الربايع قد قل تواجدهم نسبيا عن هذه الحالة بفعل التطور الاجتماعي والتي يقودها القانون الذي لا يرحم.
لكن الكتلة البدوية من الأعشاش و المصاعبة أخذت في التناقص يوما بعد يوم . و  الذين يمكننا تقدير عددهم بحوالي  30.000 نسمة  و التي تشكل الكتلة المستقرة  التي  تعيش على زراعة النخيل.
أولاد سعود Ouled-Saoud :
هذه الكتل المستقرة التي تشمل بالاضافة للأعشاش و المصاعبة  هناك قبيلة أولاد سعود (Ouled-Saoud ) الذين يستقرون بمنطقة قمار و يعيشون على زراعة النخيل.
 و لذلك فيمكننا القول أن مجموع السكان الذين يعيشون حياة الاستقرار بسُوف و يعتمدون في معيشتهم  على جني و بيع التمور يقدرون ما بين 60 إلى 70.000 نسمة في المجموع.
معيشة السكان (السوافة) :
 يشتغل معظم  السوافة (Souafa) في أعمال صعبة و شاقة .فيبدؤون عملهم  من الفجر إلى غاية  الليل  فيقومون  بابعاد و رفع الرمال التي تغزو بساتين النخيل "الغيطان" كما يقومون بسحب المياه من الآبار لري مربعات صغيرة   لزراعة الخضار كما يتم في كل عام  تغيير التربة على عمق ثمانين  سنتيمترتقريبا. انهم يعيشون حياة قاسية.
غذاؤهم الرئيسي هو التمر و القليل من خبز القمح أو الشعير أما لباسهم في الصيف فقميص من القطن مع حزام ضيق  أما في الشتاء  فيلبسون "قندورة" (gandoura) من الصوف منسوجة من قبل زوجاتهم.
يمكن للمرء أن يشعر  بتعاطف عميق معهم عند زيارة بساتينهم كما يمكنه أن يلاحظ  الكثير من البؤس و الآلام لكن ذلك لا يقلل من الصفات الأخلاقية الحميدة التي  يتمتعون بها. 
عادات عريقة و أخلاق حميدة :
فعلى سبيل المثال في قرية ورماس الصغيرة (Ourmes) على وجه الخصوص قد لمست وداعة سكانها و لطافة تصرفاتهم و كرمهم و صدقهم و ترحيبهم بالضيوف .  
 هؤلاء المزارعين الفقراء يعرفون كيفية تنفيذ أعمال خيرية. فقد كان تضامنهم و تعاطفهم واضحا عام 1946  عندما لجأ إلى  وادي سُوف  حوالي 20.000 من النمامشة (Nementcha) من منطقة تبسة و الذين  كانوا يعانون من حياة البؤس والجوع  .
 أقل تعاطفا ربما مع سكان أهم المراكز  من الأثرياء و البورجوازيين  الذين يعيشون حياة أقل صعوبة .
 أحيانا أصحاب البساتين التي يتم الاحتفاظ بها من قبل الخماسة فهي  تولد الإيرادات في المقام الأول من التجارة.يظهروا أنفسهم القدرة والمخضرمين.
كما تجد بالقرب من المحلات التجارية التي تبدو رثة ، العمال الموسميين  الذين يتقاضون مبالغ زهيدة يوميا.
 وهناك من ليس لديهم موارد  محددة بشكل واضح، مثل الذين يدعون "بالشماسة " (chemassa) الذين  يتسكعون في الغالب في الشمس، ينتظرون  وقوع حوادث أو مشادات بين الناس  فيكونون من المتفرجين عليها  و تكون الترفيه الخاص بهم .
الكثير من الأطفال يلعبون و يمرحون في مجموعات كالرهبان و يمكنك سماع صراخهم  و صياحهم و خاصة بين الحشود .
الخاتمة :
كم هو رائع مشهد الكثبان الرملية العظيمة في العرق الشرقية، والمنازل ذات القباب، والمناطق  التقليدية ، والنساء و هن يرتدين الملابس السوداء، ويتزين  بمجوهرات  من الفضة و أهالي الوادي  وهم يتجهون  لقضاء شؤونهم.و لا يمكن لمن عاش في هذه البلاد إلا أن يحبها و يشده الحنين إليها كما لا يمكنه إلا استحضار ذكرياته مع السوافة في أشغالهم و معاملاتهم . إنها مدينة الألف قبة وقبة ذات السحر الآخاذ  والتي وصفتها "ايزابيل أبراهاردت" جيدًا  (Isabelle Eberhardt) :« المدينة الرمادية التي فقدت في الصحراء الرمادية  كم تغمرني السعادة في الصباح الوردي الذهبي الأبيض  أو في وهج الظهيرة الذي يعمي الأبصار أو في المساء ذو الاشعاع الأرجواني و البنفسجي ...  رمادي رمادي مثل الرمال التي ولدت فيه  تحت سماء الشتاء الشاحب » .

                                           القائد فيري : (Commandant Ferry)

ملاحظة : يمكن لمن يريد نسخ أو نقل هذا الموضوع و لكن يرجى ذكر المصدر فقد أخذت مني ترجمة هذه الدراسة و قتا و جهدا معتبرا و شكرًا.

28 يونيو 2012

صفحات من الذاكرة : وادي سُوف دراسة عامة ج1

مقدمة :
بينما أنا أتصفح بعض المواقع عثرت على هذه الدراسة  بعنوان "سلسلة دراسات حول الصحراء : سُوف" ( Série monographies : Sahara  Le Souf) التي نشرت بتاريخ 10 مارس 1951 من إعداد أحد الضباط الفرنسيين يدعى "القائد فيري" (Commandant Ferry) و التي  تؤرخ لبعض خصاص و مميزات المنطقة في أواخر الأربعينات و بداية الخمسينات من القرن الماضي.
ومع أن هذه الدراسة قد تطرقت  بشكل إحصائي و إجمالي في بعض الأحيان و عابر في أحيان أخرى لأهم الخصائص الطبيعية للمنطقة في تلك الفترة "الخمسينات"  و تطرقت لأهم  القبائل و الأعراق التي استقرت فيها في فترات متعاقبة ولأهم مميزات و خصاص المجتمع السُوفي و ظروف معيشة السكان.
 إلا أن هذه الدراسة تبقى دراسة استشراقية ركزت على جوانب و أهملت جوانب أخرى حسب أهواء مؤلفها و رغبة قارئيها من الفرنسيين في ذلك الوقت و الله أعلم ...
لكن لعل الشيء المهم في هذه الدراسة أنها تقدم لنا بعض المعلومات الاحصائية التقريبية  التي جمعتها سلطات الاحتلال الفرنسي في ذلك الوقت عبر ملحقة الوادي عن المنطقة .
و نظرا لطول هذه الدراسة نوعا ما فقد إرتأيت تقسيمها إلى جزأين خصصت الجزء الأول منها لنظرة عامة على وادي سوف في بداية الخمسينات من القرن الماضي و خصصت الجزء الثاني لمكونات و قبائل وادي سوف في تلك الفترة و أصول و مميزات كل مكون منهم .
  قبل أن نبدأ في استعراض هذه الدراسة أود أن أعتذر لكم مسبقا عن بعض الأخطاء الغير مقصودة و الناجمة عن الترجمة الحرفية لبعض الكلمات و الجمل المبهمة و التي قد لا توصل المعنى بشكل دقيق كما في النص الأصلي .
                  الجزء الأول : وادي سُوف  نظرة عامة
« لقد عشت لعدة أشهر في هذه البلاد ... أستطيع أن أتكلم ... رؤيتي الأولى للوادي كانت كالوحي الكامل بالنسبة لي ... في النهاية هذه البلاد الوعرة  والجميلة هي سُوف ... فجمالها غريب غريب ... و فيها حزن شديد...»   إيزابيل ايبراهاردت  (في ظلال الاسلام الدافئة)
تمهيد :
 لم يعد سُوف ذلك البلد الغير معروف فيمكن لعدد متزايد من السياح الوصول الى هناك بسياراتهم الشخصية فالمهم  أن  تكون هذه السيارات قوية . و لديهم أيضا خيار الركوب في الحافلات التي تقدم خدمة يومية بين بسكرة والوادي ، فعلى الرغم من سوء حالة الطريق إلا أنه منذ زمن غير بعيد كانت الرحلة إلى وادي سُوف أكثر صعوبة، عن طريق الجمال أو الأحصانة التي  تكمل مسيرتها من بسكرة أو تقرت.
 ففي  العام 1899  أتت الفارسة الأوربية "إيزابيل إيبرهارد" (ISABELLE EBERHARDT) إلى  سُوف حيث التقت  أحد ضباط الصف  "مصطفى هني " الذي تزوجته فيما بعد وخلال زيارة قامت بها  إيزابيل إيبرهارد إلى قرية "البهيمة"  (Behima) قرب الوادي  و في أحد بساتين النخيل ، تلقت  ضربة بحد السيف من أحد المتعصبين فأصيبت بجراح خطيرة  لكن ذلك لم يؤثر في حبها للمنطقة و سكانها فقد تأثرت  كثيرا  بالكثبان الرملية الحارقة والقباب و كتبت  صفحات عدة مشبعة  بمشاعر و أحاسيس الحب لسُوف و أهلها.
"أندريه جيد" (André Gide ) نفسه، جاء إلى وادي سُوف  عن طريق الإبل و أحبها، و عندما عاد  إليها بواسطة السيارة، في أبريل  1942، ورفع لنا رحلته في العصر البطولي.
 دراسة أخرى مهمة، حول سُوف ، نشرت في عام 1947 من قبل القائد "كوفت" (Cauvet) وقدمت العديدا من الأوصاف حول هذه المنطقة ، دون أن نهمل تلك الدراسات الخاصة التي أعدت من قبل ضباط  شؤون السكان الأصليين.
كما نشر السيد "ديرمينغيرن" (M. Dermenghern)،أمين المكتبة العامة للحكومة، في  مارس 1949 مقالاً في "مجلة العلوم والأسفار"  بعنوان " سُوف بلاد غريبة وجميلة" (Le Souf pays étrange et magnifique).
قبل البدأ تجدر الاشارة إلى أنه قد تم في هذه الدراسة الاعتماد على الوثائق والأرقام  الجزائرية  والتي  منها على وجه الخصوص منجزات "ملحقة الوادي" (أنظر السلسلة الاقتصادية رقم 021).
نعتقد أننا قد أثبتت الآن  بما فيه الكفاية أن وادي سًوف الآن لم يعد ذلك البلد الغير معروف.
 فهي  تقع إلى الجنوب من بسكرة، و إلى الشرق من تقرت، و إلى الغرب من نفطة "بتونس"
ففي ملحق الوادي يعيش المسلمون  في سُوف  و ينتشرون  فيها  على امتداد 80.000 كيلومترا مربعا  على طول الحدود التونسية
إلى  نواحي  "غدامس"، على طول أكثر من 500 كيلو مترا.
 ويتكون اقليم وادي سُوف في جزئه الشمالي من منطقة صخرية، تغطيها بعض الخضرة وكتل متفرقة من الغبار الذي لا يتوقف.
 كما يوجد حولها  شطوط  مهجورة وقاحلة كشط ملغيغ الذي  يعد  الأكبر.
 ثم تمتد الكثبان الرملية من العرق الشرقي ، متشابكة متراصة و منخفضة ثم تزداد في العلو ، تضغط بعضهما البعض، و مفصولة بممرات عميقة على نحو متزايد كلما اتجهنا نحو الجنوب فهي تشبه  البطاقة البريدية للصحراء الكلاسيكية المتعرف عليها و التي تعجب السياح  فالسماء الزرقاء والشمس الساخنة، والجمال التي تسير ببطء و تناسق عبر كتل من الرمال الناعمة الصافية و المتموجة بفعل  الرياح.
  أما الواحات فتظهر على الخريطة على امتداد الثلث العلوي من ملحق الوادي كأنها بقع خضراء على امتداد فروع الوادي الذي كان يجري في المنطقة قديما و الذي أخذت وادي سُوف تسميتها منه فبما بعد .

 إنه بلد أصيل :
أما بساتين النخيل "الغيطان" فهي في الأصل عبارة عن حفر عميقة  و واسعة في الرمال تصل إلى مستوى المياه الجوفية فتغرس شجيرات النخيل بالقرب من هذه المياه و تصبح جذورها في الماء فلا تحتاج إلى السقي و الري .
لكن ذلك يتطلب وجود أعمال صيانة دائمة لهذه البساتين لابعاد الرمال التي تغزوها بفعل الرياح فيقوم الفلاحون برفع هذه الرمال إلى أعلى البساتين  بواسطة سلال من جريد النخل على ظهورهم أو على ظهور الحمير و تستمر هذه المعركة الضارية بين الإنسان و الطبيعة القاسية .
إن أشجار النخيل في سُوف غير مرئية تقريبا على سطح التربة لكن عند التحليق بالطائرة في الجو تجد حوالي 400.000  نخلة قد زرعت بجهد وعناء كبير.
في الأصل يعيش السكان بالقرب من بساتين النخيل و قد  بنى السوافة منازلهم بشكل معماري نادر و غريب  فمواد البناء موجودة في موقع البناء و تتمثل هذه المواد في الجبس ذو البلورات المتفاوتتة النقاء و نوع من الحجارة المحلية ذات أشكال متنوعة  تدعى وردة الرمال (roses de sable). الجبس ذو النوعية الممتازة الذي يستخدم كمادة لتماسك البناء يتم الحصول عليه عبر طهي كتل من الحجارة البيضاء التي يتم استخراجها من محاجر منتشرة في كل الأماكن أما الوقود المستخدم في عملية الطهي فهو عبارة جذوع و جذور الأشجار الصحراوية التي يجلبها البدو من الصحراء.
و قد دفعت ندرة الأخشاب و الأعمدة بالبنائين لابتكار طريقة نموذجية في بناء القباب فيربطون خيطا برأس المسمار الذي يتجسد في مركز هندسي محسوب بعناية  فيشكل هذا الخيط نصف قطر الدائرة لهذه القبة. كما يلاحظ أنه لم يتم تقليد النماذج المستخدمة في المناطق الأخرى.

ولعل الشيء الملاحظ  و أنت تتجول في أقدم المراكز، كالوادي ( El-Oued)،  و تغزوت  (Taghzout) و قمار  (Guémar) و الزقم ( Z'Goum)، أن السوافة قد انتشروا  كانتشار  النحل  في الربيع  فقد بنيت القرى الجديدة  كالرقيبة (Reguiba) و البهيمة (Béhima)  و  ورماس  (Ourmes)  و المقرن  (Magrane) ، و البياضة (Bayada)، على سبيل المثال لا الحصر. حيث المساجد ذات المآذن الأنيقة التي تتوسط مجموعات من المنازل المدمجة مع الجدران الفارغة.
إنه بلد فقير :
 يربى في سُوف  ما يقرب من 10.000 من الإبل و 40.000 من الأغنام و 40.000 من الماعز و هذا ما يسمح للبدو على البقاء على قيد الحياة ويتمتعون  بسهولة نسبية في العيش خصوصا عندما تسقط الأمطار في فترات مواتية لنمو المراعي. لكنهم قد يتأثرون خلال سنوات الجفاف.
كما أن انتشار زراعة التبغ خصوصا في منطقة قمار يعطي الفلاحين نوع ما بعض  الاستقرار في العيش.
كما تقوم النساء في كل مكان ببعض الأشغال الحرفية كحياكة و نسج  الأغطية و الأفرشة و السجاد وبالتالي زيادة دخل عدد من العائلات.

 لكن يبقى بيع التمور هو الشريان الرئيسي للحياة  فمنتوج دقلة نور بسُوف يتمتع بحق بسمعة ممتازة في جميع الأسواق. لكن هذا المصدر الحيوي يبقى غير كاف بالنسبة لعدد السكان الذي يتزايد باستمرار. أيضا فعدد كبير من الرجال في سن العمل (حوالي 30 %) لديهم الرغبة في الهجرة إما للعمل بالمناجم بتونس أو للعمل بمدن التل  كقسنطينة و عنابة على وجه الخصوص.
قدر عدد سكان وادي سُوف في عام 1887 بـ  23000  نسمة  كما أن عددهم قد  تجاوز الـ  100000 نسمة في عام 1950.
                                                              يتبع ...