... في تلك السنوات نجد أول ذكر لرجلين لا يزالان شابين نسبيا هما "حمو موسى" و "أحمد بن تواتي" اللذين أصبحا من القادة المحليين الرئيسيين في سُوف في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. في ذلك الوقت كان شيوخ بعض الفصائل البسيطة من طرود منشغلين بالإغارة والإغارة المضادة ضد هجمات البدو و لكن مشاركة سكان القرى المستقرة في ذلك كانت قليلة . القوة الأعظم في أول الأمر بقيت في أيدي "علي باي بن فرحات" حاكم تقرت وممثله في سُوف. في فترة الستينات من القرن السابع عشر كانت الأوضاع هادئة نسبيا لفترة في سُوف، باستثناء بعض الإغارات ، ولكن في عام 1871 انفجرت الأوضاع. حيث حفزت هزيمة الفرنسيين في حرب 1871/1870 على نطاق واسع لمكافحة المقاومة ضد الفرنسيين في الجزائر .
ظلت الأمور هادئة في البداية حول بسكرة و سُوف.و كانت الحامية الفرنسية ببسكرة قد دعيت للمساعدة في الأوراس. فقبل رحيله أمر القائد الفرنسي "بن قانة" و عائلة "بوعكاز" بتعبئة المحاربين في منطقة بسكرة ونشرهم في جميع أنحاء الواحة وذلك تحسبا لأي هجوم مفاجئ . و قد راقب كل فصيل من هذين الفصيلين بعضهما البعض مع عدم الثقة ، خوفا من أن يحاول الطرف الآخر اغتصاب السلطة في حالة انهيار السلطة الفرنسية هناك. وكان "علي باي" قد ترك تقرت مع بعض الشكوك ، لأن المتاعب بدأت تزداد في منطقة ورقلة، فوضع أفراد أسرته تحت حماية الزاوية التجانية في "قمار" بوادي سُوف.
صورة قديمة لبسكرة |
في منطقة ورقلة قام أحد الزعماء الدينيين المؤثرين ، والمعروف باسم "بوشوشة" بالسيطرة على كامل الواحة في مارس من عام 1871. و في 13 مايو عام 1871 دخل مجموعة من فرسانه إلى تقرت فلقي ذلك ترحيبا من قبل السكان. فتم القبض على أفراد الحامية الفرنسية الصغيرة بالمنطقة و على ستة من أقارب "علي باي" والذين قتلوا بعد ذلك ببضعة أيام .
في بسكرة كان "علي باي" مشغولا بمساعدة بعض القرى ضد عمليات النهب والسلب التي لحقت بهم و لم يكن في البداية حريصا على السير إلى تقرت. و في يوم 24 من شهر جوان وصل "علي باي" مع بعض من قواته إلى تقرت ، ولكن هبوب عواصف عاتية على المدينة في 8 جويلية أفشل مهمته و جعل قواته تعاني من نقص الإمدادات الغذائية . في حين تمكن "بوشوشة" في 10 جويلية مع عدد من جنوده من دخول المدينة المحاصرة ، أما قوة "علي باي" فقد تفرقت بسرعة وعاد إلى منطقة بسكرة.
و قبل قدوم "بوشوشة" إلى تقرت كان قد ذهب إلى سُوف من أجل القبض على أفراد عائلة "علي باي" بقمار , ففي يوم 4 مايو حاول القيام بهجوم مفاجئ على قمار قتل خلاله 60 شخصا من الأهالي و جرح 100 آخرين و تم نهب جزء من قمار و أجل هجومه على الزاوية إلى اليوم الموالي.
دعى زعماء "قمار" حلفاءهم من "كوينين" و "الزقم" لمساعدتهم . وفي يوم 6 مايو إمتنع "بوشوشة" عن مواجهة قوة كبيرة من السوافة ورفض قتالهم، وعندما عرضوا عليه تعويضه عن الخيول التي قتلت خلال الهجوم ، قبل بمغادرة سُوف، وذهب إلى تقرت , في وقت لاحق من ذلك الصيف استخدم أتباع "بن قانة" في سُوف (تغزوت كوينين و الزقم) اتصالاتهم مع فروع الرحمانية في جنوب تونس للحصول على كميات كبيرة من البارود، التي عرضت من قبل للبيع لبوشوشة . فقاومت حركة "بوعكاز" (قمار الواد و الدبيلة ) هذه الصفقة على أمل كسر احتكار حركة أخرى لتجارة البارود المربحة .و بعد نشوب بعض المناوشات بشوارع "تغزوت" ، أصيب خلالها 24 شخصا اضطر باعة البارود لتعويض "قمار" وحلفائها تدفع 25.000 فرنك منها لبوشوشة في شهر مايو وتعويضا لعمليات النهب والقتل التي شهدتها "قمار" في تلك المناسبة .
هذه الحوادث تبين بوضوح ما كان عليه التنظيم القبلي في سُوف و ما لم يكن عليه , ففي البداية حين هددت "قمار" من قبل عدوان خارجي طلبت المساعدة من فصيل "أولاد سعود" و لكن بعد ذلك بوقت قصير ، فإن هؤلاء الحلفاء على استعداد للتحالف مع المعتدي نفسه ضد الحلفاء السابقين ، فهم يعملون الآن في إطار تحالف مع جماعات أخرى لهم علاقات تجارية جيدة في جنوب تونس , وكان هذا الموقف هو الذي جعلهم يقومون بمعارضة "علي باي" ، الذي كان ملزما بتطبيق الحظر الفرنسي لمكافحة الاتجار بالبارود . انضمت "قمار" الآن بسرعة إلى تحالف أولئك الذين ليست لديهم علاقات تجارية مواتية في تونس، وذلك لانتهاز الفرصة ولمحاولة اقتحام احتكار تجارة البارود والحصول على حصة من الأرباح. في سُوف لم تكن التحالفات ثابته كما لاحظ المراقبون الفرنسيون ذلك بل كانت عبارة عن تحالفات مرنة تتكيف مع المصالح السياسية الظرفية.
في 27 ديسمبر 1871 استعادت القوات الفرنسية تقرت فاتهم "علي باي" عائلة "بن قانة" بأنها كانت على اتصال مع بوشوشة (و في تقرير فرنسي لاحق يرى أنه ربما كان الحق في ذلك) ولكن السلطات الفرنسية في ذلك الوقت اختارت تجاهله ، وفي شهر فبرايرعام 1872 تم نقل "علي باي" إلى مهمة أخرى خارج المنطقة .
أصبح الجنرال "جالفيت" "Gallifet" ورؤسائه حذرين من تركيز قدر كبير من السلطة في أيدي العائلات الأرستقراطية الجزائرية فقد تحولت في كثير من الأحيان إلى أن تكون مشكوك في ولائها للفرنسيين .
عين مغامر إيطالي اعتنق الإسلام يدعى "العربي المملوك" الذي عمل لسنوات عديدة في الخدمة مع القوات الفرنسية (قائد فرقة الصبايحية) كخليفة على سُوف.
كان "العربي المملوك" دخيلا على النظام المحلي بين مختلف الفصائل فلقي معارضة من معظم وجهاء سُوف ، و قد حفز ذلك عائلة "بن قانة" التي عارضت ترشيحه , كما لقي أيضا معارضة من الزاوية التجانية في "تماسين" و "قمار" و قد ذكر تقرير فرنسي أن عمليات الإبتزاز التي كان يمارسها في سُوف كانت سيئة للغاية وفي غضون سنة من ذلك تم عزله بصفة تامة.
في نوفمبر عام 1873 تم إغتياله أثناء سفره إلى بسكرة و فر القتلة ، وهم أربعة رجال من سُوف إلى تونس. تم اعتقل "أحمد بن تواتي" أحد أهم الوجهاء في سُوف الذي كان معارضا له، و اتهم كشريك في هذه العملية ، ولكن تم اطلاق سراحه بعد فترة من الوقت بسبب عدم كفاية الأدلة .
إكتشفت السلطات الفرنسية تدريجيا خلفيات عملية الإغتيال التي يبدو أنه لم يتورط فيها وجهاء المنطقة بشكل مباشرة، ولكن الجماعة (مجالس الوجهاء من فصائل مختلفة) والتي لم يكن معترف بها رسميا في ذلك الوقت من قبل السلطات الفرنسية، قد اتخذت هذا القرار . كان الزعيم الفعلي للقتلة رجل له ثأرشخصي ضد "العربي المملوك" بسبب إكتشافه تورط هذا الأخير في إنتهاك عرض زوجة أخيه .
اختارت السلطات الفرنسية أخيرًا تجاهل أعماق و خلفيات هذه القضية .
في بداية تعيين "العربي المملوك" كخليفة على سُوف ، لم يكن له تأثير كبير فكان يعتمد اعتمادا كليا على أحد المشايخ المحليين " حمو موسى" الذي عين كخليفة على كل (طرود) كان "حمو موسى" واحدًا من القادة السياسيين القلائل في سُوف الذين لا يبدو أنهم اشتركوا في المؤامرة ضد "العربي المملوك" فقد كان على علاقة جيدة مع زعماء التجانية ، على الرغم من أنه لم يكن عضوا في هذه الطريقة و لم يكن ذلك في صالح منافسه "أحمد بن تواتي" باعتباره مشتبها به في اغتيال "العربي المملوك" في الوقت الراهن , و في وقت لاحق . بعد سنة تقريبا أصبحت حظوظه السياسية مرهونة بسبب تعيين "سعيد بن إدريس" أحد الملازمين من فرقة الصبايحية كآغا على ورقلة و تقرت عام 1872 و لأنه كان مقربًا من السلطات الفرنسية لتمكنه من إعتقال زعيم المقاومين "بوشوشة" فقد حصل على إدارة سُوف كتعويض له بعد وضع منطقة ورقلة تحت السلطة المباشرة للإدارة الفرنسية .
فقام بمعارضة النفوذ السياسي المتزايد للطريقة التجانية واستبدالها بسرعة بـ " حمو موسى" و" أحمد بن تواتي" هذا الأخير الذي عانى كثيرًا من المشاكل بسبب اتهام قادة التجانية له باغتيال "العربي المملوك"، وبالتالي فهو يبدو كخيار جيد لقيادة سياسة مكافحة نفوذ الطريقة التجانية .
رأى "أحمد بن تواتي" وزعماء التجانية في ذلك الوقت أنه ليس هناك أي فائدة من هذا الصراع المتبادل خلال تلك السنوات ، فتمكنوا من التوصل إلى اتفاق ضمني يحدد مناطق النفوذ المتبادل بينهم . لم تكن الزعمات الدينية مهتمة بالإدارة الضريبية والقيادة العسكرية بل حاولوا بدلا من ذلك توظيف عملائهم السياسيين للعمل كقضاة محليين و في الأعمال القانونية والإدارية . فهذه المجموعة من المناصب التي يمكن أن تكون فعالة تماما وأقل عرضة لتقلبات السياسة الفرنسية والقبلية.
وعلى مدى نصف قرن فقد قسمت الزعمات القبلية والدينية نفوذهم على أساس هذا المبدأ. عندما بدأ "حمو موسى: بالدعوة للتحريض ضد "إبن إدريس"، و لعل آخر ما ألب التجانية ضد هذا الأخير هو العثور على كمية كبيرة من البارود المهربة في الزاوية التجانية بقمار في شهر جويلية 1875 فألقي القبض على "حمو موسى" لتورطه في التهريب . وكان "أحمد بن تواتي" أقل حماسا حول هذا الحدث . وقال انه لا يتعارض مع "حمو موسى" والتجانية في نفس الوقت . كانت هذه الضربات القوية ضد تجارة البارود بالمنطقة لا تحظى بالشعبية من أي شخص في سُوف و لذلك فقد قرر "سعيد بن إدريس" إسقاطها .
في سبتمبر 1875 قام شقيق "بن إدريس" باختطاف اثنين من المتورطين في قتل "العربي المملوك" من الجنوب التونسي وقام بتسليمهم للسلطات الفرنسية في بسكرة. وهذا ما دفع السلطات الفرنسية لإعادة فتح التحقيق في هذه القضية ، فقامت باستدعاء "أحمد بن تواتي" إلى بسكرة لهذا الغرض . وقد وجد هذا الأخير ذريعة لعدم الذهاب ، ومع ذلك وفي شهر ديسمبر تمكن السجناء من الهروب من سجن بسكرة بعد أن سمح لهم رقيب فرنسي بذلك بعد تلقيه لرشوة . علمت السلطات الفرنسية الآن بما فيه الكفاية أن المشتبه فيه هو "أحمد بن تواتي" فقررت اقالته من منصبه بتهمة الابتزاز . كما عاد "حمو موسى" مرة أخرى خليفة لطرود .
عندما زار الجنرال "قسطنطين" سُوف في شهر مارس 1876 تم استقباله بشكل جيد من قبل عائلة "بن تواتي" وأمر "سعيد بن إدريس" أتباعه بقبول نصائح "أحمد بن تواتي" في جميع المسائل الإدارية. في شهر جوان عام 1876 تضايق العقيد الفرنسي في بسكرة و "بن إدريس" بما فيه الكفاية لأنه و بعد تعيين أحد الضباط من الصبايحية الدخلاء عن سُوف كخليفة لطرود كان عاجزا عن القيام بأي شيء من دون مساعدة من أحد الزعماء "حمو موسى" و "أحمد بن تواتي" ومع ذلك وفي نوفمبر 1876 قام "بن إدريس" بالتضييق على هاذين المتنافسين القديمين الآن وقال إنه تمكن من جعلهما بعيدين عن التأثير عن الفصائل في سُوف و عن جميع الناس .
في بسكرة كان "علي باي" مشغولا بمساعدة بعض القرى ضد عمليات النهب والسلب التي لحقت بهم و لم يكن في البداية حريصا على السير إلى تقرت. و في يوم 24 من شهر جوان وصل "علي باي" مع بعض من قواته إلى تقرت ، ولكن هبوب عواصف عاتية على المدينة في 8 جويلية أفشل مهمته و جعل قواته تعاني من نقص الإمدادات الغذائية . في حين تمكن "بوشوشة" في 10 جويلية مع عدد من جنوده من دخول المدينة المحاصرة ، أما قوة "علي باي" فقد تفرقت بسرعة وعاد إلى منطقة بسكرة.
المجاهد : بوشوشة |
دعى زعماء "قمار" حلفاءهم من "كوينين" و "الزقم" لمساعدتهم . وفي يوم 6 مايو إمتنع "بوشوشة" عن مواجهة قوة كبيرة من السوافة ورفض قتالهم، وعندما عرضوا عليه تعويضه عن الخيول التي قتلت خلال الهجوم ، قبل بمغادرة سُوف، وذهب إلى تقرت , في وقت لاحق من ذلك الصيف استخدم أتباع "بن قانة" في سُوف (تغزوت كوينين و الزقم) اتصالاتهم مع فروع الرحمانية في جنوب تونس للحصول على كميات كبيرة من البارود، التي عرضت من قبل للبيع لبوشوشة . فقاومت حركة "بوعكاز" (قمار الواد و الدبيلة ) هذه الصفقة على أمل كسر احتكار حركة أخرى لتجارة البارود المربحة .و بعد نشوب بعض المناوشات بشوارع "تغزوت" ، أصيب خلالها 24 شخصا اضطر باعة البارود لتعويض "قمار" وحلفائها تدفع 25.000 فرنك منها لبوشوشة في شهر مايو وتعويضا لعمليات النهب والقتل التي شهدتها "قمار" في تلك المناسبة .
هذه الحوادث تبين بوضوح ما كان عليه التنظيم القبلي في سُوف و ما لم يكن عليه , ففي البداية حين هددت "قمار" من قبل عدوان خارجي طلبت المساعدة من فصيل "أولاد سعود" و لكن بعد ذلك بوقت قصير ، فإن هؤلاء الحلفاء على استعداد للتحالف مع المعتدي نفسه ضد الحلفاء السابقين ، فهم يعملون الآن في إطار تحالف مع جماعات أخرى لهم علاقات تجارية جيدة في جنوب تونس , وكان هذا الموقف هو الذي جعلهم يقومون بمعارضة "علي باي" ، الذي كان ملزما بتطبيق الحظر الفرنسي لمكافحة الاتجار بالبارود . انضمت "قمار" الآن بسرعة إلى تحالف أولئك الذين ليست لديهم علاقات تجارية مواتية في تونس، وذلك لانتهاز الفرصة ولمحاولة اقتحام احتكار تجارة البارود والحصول على حصة من الأرباح. في سُوف لم تكن التحالفات ثابته كما لاحظ المراقبون الفرنسيون ذلك بل كانت عبارة عن تحالفات مرنة تتكيف مع المصالح السياسية الظرفية.
في 27 ديسمبر 1871 استعادت القوات الفرنسية تقرت فاتهم "علي باي" عائلة "بن قانة" بأنها كانت على اتصال مع بوشوشة (و في تقرير فرنسي لاحق يرى أنه ربما كان الحق في ذلك) ولكن السلطات الفرنسية في ذلك الوقت اختارت تجاهله ، وفي شهر فبرايرعام 1872 تم نقل "علي باي" إلى مهمة أخرى خارج المنطقة .
صورة قديمة لتقرت |
نحو الحكم الفرنسي المباشر لوادي سُوف:
في مارس 1872 دخلت القوات الفرنسية تحت قيادة الجنرال الشهير"جاليفت" "Gallifet" إلى سُوف ففرض غرامة قدرها 2400 من الأغنام و1700 من الإبل وقد رافقهم أحد أبناء عائلة "بن قانة" كمترجم لهم , حيث أن "بن قانة" كان يأمل في تولي السلطة في تقرت وسُوف، فالآن قد فقد "علي باي" مصداقيته عند الفرنسيين .
عين مغامر إيطالي اعتنق الإسلام يدعى "العربي المملوك" الذي عمل لسنوات عديدة في الخدمة مع القوات الفرنسية (قائد فرقة الصبايحية) كخليفة على سُوف.
كان "العربي المملوك" دخيلا على النظام المحلي بين مختلف الفصائل فلقي معارضة من معظم وجهاء سُوف ، و قد حفز ذلك عائلة "بن قانة" التي عارضت ترشيحه , كما لقي أيضا معارضة من الزاوية التجانية في "تماسين" و "قمار" و قد ذكر تقرير فرنسي أن عمليات الإبتزاز التي كان يمارسها في سُوف كانت سيئة للغاية وفي غضون سنة من ذلك تم عزله بصفة تامة.
في نوفمبر عام 1873 تم إغتياله أثناء سفره إلى بسكرة و فر القتلة ، وهم أربعة رجال من سُوف إلى تونس. تم اعتقل "أحمد بن تواتي" أحد أهم الوجهاء في سُوف الذي كان معارضا له، و اتهم كشريك في هذه العملية ، ولكن تم اطلاق سراحه بعد فترة من الوقت بسبب عدم كفاية الأدلة .
إكتشفت السلطات الفرنسية تدريجيا خلفيات عملية الإغتيال التي يبدو أنه لم يتورط فيها وجهاء المنطقة بشكل مباشرة، ولكن الجماعة (مجالس الوجهاء من فصائل مختلفة) والتي لم يكن معترف بها رسميا في ذلك الوقت من قبل السلطات الفرنسية، قد اتخذت هذا القرار . كان الزعيم الفعلي للقتلة رجل له ثأرشخصي ضد "العربي المملوك" بسبب إكتشافه تورط هذا الأخير في إنتهاك عرض زوجة أخيه .
اختارت السلطات الفرنسية أخيرًا تجاهل أعماق و خلفيات هذه القضية .
في بداية تعيين "العربي المملوك" كخليفة على سُوف ، لم يكن له تأثير كبير فكان يعتمد اعتمادا كليا على أحد المشايخ المحليين " حمو موسى" الذي عين كخليفة على كل (طرود) كان "حمو موسى" واحدًا من القادة السياسيين القلائل في سُوف الذين لا يبدو أنهم اشتركوا في المؤامرة ضد "العربي المملوك" فقد كان على علاقة جيدة مع زعماء التجانية ، على الرغم من أنه لم يكن عضوا في هذه الطريقة و لم يكن ذلك في صالح منافسه "أحمد بن تواتي" باعتباره مشتبها به في اغتيال "العربي المملوك" في الوقت الراهن , و في وقت لاحق . بعد سنة تقريبا أصبحت حظوظه السياسية مرهونة بسبب تعيين "سعيد بن إدريس" أحد الملازمين من فرقة الصبايحية كآغا على ورقلة و تقرت عام 1872 و لأنه كان مقربًا من السلطات الفرنسية لتمكنه من إعتقال زعيم المقاومين "بوشوشة" فقد حصل على إدارة سُوف كتعويض له بعد وضع منطقة ورقلة تحت السلطة المباشرة للإدارة الفرنسية .
فقام بمعارضة النفوذ السياسي المتزايد للطريقة التجانية واستبدالها بسرعة بـ " حمو موسى" و" أحمد بن تواتي" هذا الأخير الذي عانى كثيرًا من المشاكل بسبب اتهام قادة التجانية له باغتيال "العربي المملوك"، وبالتالي فهو يبدو كخيار جيد لقيادة سياسة مكافحة نفوذ الطريقة التجانية .
رأى "أحمد بن تواتي" وزعماء التجانية في ذلك الوقت أنه ليس هناك أي فائدة من هذا الصراع المتبادل خلال تلك السنوات ، فتمكنوا من التوصل إلى اتفاق ضمني يحدد مناطق النفوذ المتبادل بينهم . لم تكن الزعمات الدينية مهتمة بالإدارة الضريبية والقيادة العسكرية بل حاولوا بدلا من ذلك توظيف عملائهم السياسيين للعمل كقضاة محليين و في الأعمال القانونية والإدارية . فهذه المجموعة من المناصب التي يمكن أن تكون فعالة تماما وأقل عرضة لتقلبات السياسة الفرنسية والقبلية.
وعلى مدى نصف قرن فقد قسمت الزعمات القبلية والدينية نفوذهم على أساس هذا المبدأ. عندما بدأ "حمو موسى: بالدعوة للتحريض ضد "إبن إدريس"، و لعل آخر ما ألب التجانية ضد هذا الأخير هو العثور على كمية كبيرة من البارود المهربة في الزاوية التجانية بقمار في شهر جويلية 1875 فألقي القبض على "حمو موسى" لتورطه في التهريب . وكان "أحمد بن تواتي" أقل حماسا حول هذا الحدث . وقال انه لا يتعارض مع "حمو موسى" والتجانية في نفس الوقت . كانت هذه الضربات القوية ضد تجارة البارود بالمنطقة لا تحظى بالشعبية من أي شخص في سُوف و لذلك فقد قرر "سعيد بن إدريس" إسقاطها .
في سبتمبر 1875 قام شقيق "بن إدريس" باختطاف اثنين من المتورطين في قتل "العربي المملوك" من الجنوب التونسي وقام بتسليمهم للسلطات الفرنسية في بسكرة. وهذا ما دفع السلطات الفرنسية لإعادة فتح التحقيق في هذه القضية ، فقامت باستدعاء "أحمد بن تواتي" إلى بسكرة لهذا الغرض . وقد وجد هذا الأخير ذريعة لعدم الذهاب ، ومع ذلك وفي شهر ديسمبر تمكن السجناء من الهروب من سجن بسكرة بعد أن سمح لهم رقيب فرنسي بذلك بعد تلقيه لرشوة . علمت السلطات الفرنسية الآن بما فيه الكفاية أن المشتبه فيه هو "أحمد بن تواتي" فقررت اقالته من منصبه بتهمة الابتزاز . كما عاد "حمو موسى" مرة أخرى خليفة لطرود .
عندما زار الجنرال "قسطنطين" سُوف في شهر مارس 1876 تم استقباله بشكل جيد من قبل عائلة "بن تواتي" وأمر "سعيد بن إدريس" أتباعه بقبول نصائح "أحمد بن تواتي" في جميع المسائل الإدارية. في شهر جوان عام 1876 تضايق العقيد الفرنسي في بسكرة و "بن إدريس" بما فيه الكفاية لأنه و بعد تعيين أحد الضباط من الصبايحية الدخلاء عن سُوف كخليفة لطرود كان عاجزا عن القيام بأي شيء من دون مساعدة من أحد الزعماء "حمو موسى" و "أحمد بن تواتي" ومع ذلك وفي نوفمبر 1876 قام "بن إدريس" بالتضييق على هاذين المتنافسين القديمين الآن وقال إنه تمكن من جعلهما بعيدين عن التأثير عن الفصائل في سُوف و عن جميع الناس .
أعلن طرود عزمهم الهجرة إلى تونس ، وراجت بعض الشائعات التي تدعي بأن باي تونس ينبغي أن يعين ممثلا له لقيادة سُوف تحت سلطته بما أن السلطة الفرنسية قد أصبحت شبه معدومة هناك تردد الفرنسيون في بداية الأمر ، ولكن بعد عام واحد أقيل "بن إدريس" في نهاية المطاف.
وضعت سُوف الآن تحت السيطرة المباشرة من طرف الضباط الفرنسيين ، يساعدهم في ذلك ثلاثة خلفاء محليين اثنين منهم من طرود لكن في الواقع لم يكن باستطاعة هؤلاء الرجال الضعفاء فعل أي شيء دون موافقة وتعاون "أحمد بن تواتي" و "حمو موسى" ولكن السلطات الفرنسية كانت في البداية غير راغبة في إعادة هاذين الزعيمين الأصليين الذين تم إقالتهما من قبل. في عام 1881 عادت حالة اللاستقرار بالمنطقة مرة أخرى بسبب الغزو الفرنسي لتونس و قد استغرق الأمر أربعة أو خمسة سنوات لتهدئة الجنوب التونسي من قبل الفرنسيين . وهكذا أنشئت حامية فرنسية صغيرة دائمة في سُوف كما كثرإعتماد الفرنسيين على تجنيد بعض الفرسان المحليين غير النظاميين و استخدامهم في دوريات الحراسة .
أصبح من غير العملي بصورة متزايدة اعتماد الضباط الفرنسيين العمل مع رجال ضعفاء بدلا من الزعماء المحليين الحقيقيين ، وبعد كثير من التردد البيروقراطي أعيد "أحمد بن تواتي" و "حمو موسى" كقائدين للفصيلين الرئيسيين لطرود ، وهو المنصب الذي احتفظا به حتى الموت بعد عشرة و عشرين عاما على التوالي .
إضافة تسمية توضيحيةصورة قديمة لوادي سُوف |
أصبح من غير العملي بصورة متزايدة اعتماد الضباط الفرنسيين العمل مع رجال ضعفاء بدلا من الزعماء المحليين الحقيقيين ، وبعد كثير من التردد البيروقراطي أعيد "أحمد بن تواتي" و "حمو موسى" كقائدين للفصيلين الرئيسيين لطرود ، وهو المنصب الذي احتفظا به حتى الموت بعد عشرة و عشرين عاما على التوالي .
يتبع ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق