تقديم : إن المتأمل لسيرة حياة هذه المغامرة الأوربية على قصرها لا يصاب بالدهشة و الذهول و الفضول لمعرفة أسرار الحياة العجيبة و الغريبة التي عاشتها هذه المرأة البطلة المغامرة التي تركت وراءها مفاتن و مغريات الحياة الأوربية على كثرتها مفضلة حياة البداوة و الصحراء باحثة عن ذاتها و سط سكون الصحراء التي أغرمت بها و بأهلها الطيبين كما و جدت في دينهم الحنيف الملاذ الأمن الذي ارتمت بين أحضانه.
مولدها : وُلدت إيزابيل ويلهيمين ماري إبراهاردت يوم 17 فبراير 1877 بـ (ميران) جنيف (سويسرا) من أم أرستقراطية روسية تدعى (نتالي دوروتي شرلوت إبراهاردت) أرملة الجنرال (بفال كرلوفتش دوموردر) المتوفى في موسكو يوم 23 أبريل 1873 ومن أب هويته مختلفة, والتي لا أحد يقدر أن ينكرها, ففي رسالة إلى صديقها التونسي (علي عبدالوهاب) المؤرخة يوم 1 يناير 1898 أي بعد بضعة أسابيع من وفاة الأم (إيزابيل) ذكرت أن أمها صرحت لها وهي على سرير الموت بأنها ابنة طبيب مسلم .
نشأتها : وفي جنيف كان لها ارتباطات مع أوساط المهاجرين, فكانت تستقبل المطرودين والثوريين الهاربين من سيبيريا, والشباب الأتراك المعارضين للحكم السلطان عبدالحميد. وكذلك المربي والأب الروحي لإيزابيل الروسي ألكسندر تروفمسكي الذي كان راهبًا في الكنيسة الأرثوذكسية والذي كان له دور فعال في روسيا كمعارض. ترعرعت إيزابيل إبراهاردت في هذا السياق, وتأثرت به, ولكن صقلت فكرها من خلال رحلتها الثرية, واحتكاكها بالثقافة الإسلامية والعربية, اتصلت بالمواطن المصري المعروف (أبو نظارة) (المتعدد اللغات), مدير جريدة مؤيدة للشرق في باريس, أصبح صديقًا وفيًا لإيزابيل, ونصحها بالمساهمة لمعرفة الحياة والعادات والأخلاق الخاصة بالمسلمين في الجنوب الجزائري, وكان من المستحيل عند اتصالها بالشيخ (أبو نظارة)( وهو صديق جمال الدين الأفغاني) (1838-1897) أحد رواد النهضة الإسلامية والدعوة إلى إصلاح أحوال المسلمين, وتحرير شعوبهم من الاحتلال والاستبداد, كان من المستحيل ألا يتناول هذا الاتصال, الحديث عن الإسلام وحركة النهضة والاحتلال الغربي لشمال إفريقيا....إلخ. وهذا الاحتكاك بالمسلمين والثقافة الإسلامية أعطى لإيزابيل نظرة موضوعية, فكانت من القلائل, إن لم نقل الوحيدة في بداية هذا القرن التي حاولت وعملت على إظهار إنسانية المسلمين, وأخلاقهم كالأمانة وحسن الضيافة والشجاعة. وشاركت في الواقع الجماعي للمسلمين, بل وبقناعة راسخة بشرت بإخفاق الاحتلال, في الوقت الذي كان فيه مفكرون وصحفيون كصاحب الأيديولوجية الاستعمارية العنصري والأكاديمي (لويس برتون) وتلامذته من أمثاله يسيرون في الاتجاه المعاكس لفرض القيم اللاتينية والمسيحية, وضرب القيم العربية والأمازيغية في الشمال الإفريقي التي عملت إيزابيل على استمرارها...يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق