Comments system

111

أهلا وسهلا بكم في وادي سوف الأصيل ***وادي سوف الأصيل ***
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاحتلال الفرنسي لوادي سُوف. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاحتلال الفرنسي لوادي سُوف. إظهار كافة الرسائل

8 مارس 2013

تراجع التنظيم القبَلِي في وادي سُوف (الجزء الأول)

تمهيد :
لقد عثرت بالصدفة على هذه المقالة في أصلها الإنجليزي  بعنوان " THE DECLINE OF TRIBAL ORGANIZATION IN THE SOUF (S.E. ALGERIA)"  للكاتب " Nlco Kielstra" و التي تؤرخ للأوضاع السياسية و الاجتماعية بمنطقة وادي سُوف قبل وبعد الاحتلال الفرنسي و التي تتطرق للمحة تاريخية عن قبائل و عشائر وادي سُوف و علاقاتهم فيما بينهم و تأثرهم و تأثيرهم في المناطق المجاورة لهم و كيفية تعاملهم مع سلطات الاحتلال الفرنسي كما أنها تتطرق للطرق الصوفية السائدة في المنطقة و تأثيرها على السكان.
و قد استندت هذه المقالة على تقارير و دراسات فرنسية أعدت خلال فترة الاحتلال .
لكن ينبغي الإشارة إلى أن هذه المقالة قد تقدم لنا وصفا للأحداث التي نقلها الكتاب و المسؤولون الفرنسيون الذين كتبوا عن المنطقة من منظور استشراقي أو بحثي قد لا يكون دقيقا بصفة مطلقة أو قد يكون خدمة للأغراض الاستعمارية في تلك الفترة.  
أخيرًا أعتذر عن بعض الأخطاء التي قد ترد عن الترجمة الحرفية لبعض الكلمات أو العبارات التي قد لا تعطي المعنى الحقيقي المقصود من الكاتب .
و نظرًا لطول هذه المقالة نوعا ما (15 صفحة) فقد قمت بتقسيمها إلى أجزاء سأقوم بنشرها تباعا حين الانتهاء من ترجمتها بحول الله تعالى .
                 تراجع التنظيم القبَلِي في سُوف
في هذه المقالة سوف نقوم بتحليل المعلومات المتاحة عن التنظيم السياسي بسُوف في فترة ما قبل الاحتلال الفرنسي و كيف حاولت الحكومة الفرنسية الاستعمارية إعادة تنظيمها و كيف رُفضت من طرف السلطات السياسية التقليدية بالمنطقة في ظل الظروف الاستعمارية على الرغم من محاولات الفرنسيين للحفاظ على الروابط المتاحة. 

                  الجغرافيا الاجتماعية لسُوف
سُوف هي مجموعة من الواحات في الجنوب الشرقي من الجزائر بالقرب من الحدود التونسية.
حول بلدة الواد نجد سبعة بلدات قديمة و قدرا كبيرا من المستوطنات المبعثرة والقرى البدوية التي نشئت خارج المناطق الزراعية و عدد كبير من البدو الرحل.
في كثير من الأحيان فإن هجرة اليد العاملة تجعل من الصعب حصرأعداد السكان والتي يصعب تفسيرها.
التقديرات الأولية تشير أن عدد السكان كان 26.800 نسمة عام 1845 وكان عددهم 37.650 نسمة  في عام1848  أول تعداد رسمي للسكان كان في عام 1883 و الذي  يعطي عدد منخفض  17.629 نسمة و منذ بدايات الثمانينات من القرن الـ 19 بدأ الانفجار السكاني المطرد.فقد بلغ عددهم حوالي 120.000 نسمة في عام 1966.
في عام 1848 كان ما يقرب من نصف عدد السكان بسُوف من البدوالرحل و في عام 1955 تقلص عدد الرحل إلى حوالي الثلث .
بدأ البدو وبشكل تدريجي حياة الإستقرار لفترات من السنة في البيوت وتملكوا غابات النخيل . كما تملك المزارعين قطعان مستقرة من الماشية .
 كانت زراعة النخيل هي المهنة الرئيسية في سُوف و يتم الاحتفاظ بقطعان الماعز والأغنام والإبل على أراضي السهوب حول جميع  أنحاء سُوف.  
أما البدو فقد انخرطوا في عمليات التهريب من وإلى تونس وليبيا كمصدر إضافي للدخل.
و قد كان السُوافة يشتغلون في التجارة الإقليمية منذ عهد ما قبل الاستعمار الفرنسي على طول الطريق الصحراوية من غات و غدامس إلى بسكرة شمالا وعلى طول الطريق الشرقية الغربية بين تونس وتقرت والواحات في جنوب الجزائر.
وبالفعل فقد وجد بالواد أربعة عشرة عائلة من التجار الأثرياء الذين بلغ رأسمالهم مابين 20.000 و 500.000 فرنك فرنسي في حين أن تجارة الترانزيت الآن هي أقل أهمية بكثير مما كانت عليه في الماضي، العائلات التجارية التي نشأت في سُوف لا تزال نشطة في تجارة الجملة والتجزئة.
وقد وجدت الهجرة إلى تونس منذ القرن 18 كما أصبحت الهجرة إلى فرنسا و المدن الجزائرية الأخرى أكثرأهمية بعد عام 1930، ولكن لا يزال هناك جالية كبيرة من سُوف في تونس.
أصبح من الواضح في ذلك الحين أن نحو 5 إلى 10 بالمائة من السكان الذكور البالغين في سُوف كانوا يعملون في التجارة بين الأقاليم و كأيدي عاملة مهاجرة فقد كانت المنطقة نائية ولكن لم تكن معزولة.
التنظيم السياسي في سُوف في عهد الاحتلال الفرنسي

خلال القرنين الـ 17 و الـ 18 الميلادي كان كتاب الشيخ العدواني هو المصدرالمكتوب الوحيد لتاريخ ما قبل الاحتلال بسُوف.
حيث تبدأ الوقائع مابين سنتي 1397 و 1398 ميلادية عندما قدمت إلى منطقة سُوف مجموعة من القبائل تدعى "طرود" والتي وصلت من الجنوب التونسي قادمة من طرابلس بعد أن تم طردهم منها بسبب الخلافات و المشاحنات التي كانت بينهم و بين القبائل الأخرى المستقرة بتلك المناطق . و عبورًا من منطقة الساحل التونسي و صلت قبائل "طرود" إلى سُوف و قد أخذوا تسميتهم بطرود نسبة إلى زعيمهم "طراد بن دعبس". و قد كانت سُوف في ذلك الوقت ملاذا أمنا لهذه القبائل التي أتت مؤخرا فقد كان يهيمن على مراكز المنطقة قبائل "عدوان" في ذلك الوقت.
بعد قدوم قبائل "طرود" إلى سُوف سرعان ما نشب التخاصم والاقتتال بينهم و بين "عدوان" حتى قامت إحدى النساء المرابطات بالمنطقة بتحقيق تسوية و سلام بين المجموعتين القبليتين يسمح لكلا المجموعتين بالعيش و الاستقرار بالمنطقة و مع ذلك فقد ظلت سياسة المعارضة تطبع العلاقة بين "طرود" و"عدوان" الذين كانوا يعيشون حياة شبه بدوية حول بلداتهم الدائمة.
أما أغلب قبائل "طرود" فقد اعتادوا على العيش في مخيمات بالقرب من آبار المياه .
و قد أوصى زعيم "طرود" (طراد بن دعبس) وهوعلى فراش الموت باختيار زعيم للقبيلة حتى تتجنب النزاعات بين الفصائل المختلفة كما أوصاهم بترك عدد من السكان بقراهم و بلداتهم خلال قيامهم بالهجرة والترحال فقد يكون هذا الأمر تقليدًا تاريخيا متعارفا عليه.
عندما بدأ المسؤولون الفرنسيون التعامل مع سُوف لم يشيروا إلى تعاملهم مع أي قيادة فردية بالمنطقة و لكنهم اجتمعوا و تواصلوا مع جماعات من مجالس الشيوخ و الأعيان. في سنة 1855 صدر تقرير عن التنظيم السياسي بسُوف قبل أن يتم إعادة تنظيمها من قبل السلطات الاستعمارية فقد عثروا على نموذج القيادة المزدوجة للفصائل الرئيسية بالواد و كوينين و تغزوت و قمار فلكل منهم زعيم (كبير) أي قائد غير رسمي .
فبالبهيمة مثلا كان هناك زعيمين للبلدة فهذا النمط من القيادة المزدوجة كان ينظر إليه كمظهر من مظاهر الميل لتجنب الصراعات حول انتخاب قائد وحيد  بين مختلف الفصائل و حتى على مستوى العشيرة الواحدة.
ومع ذلك فإن هذا لم يمنع تاريخيا من نشوء خلافات و انقسامات طائفية في قرى كالزقم والبهيمة و كقمار و تغزوت . 
ويقال أنه قد نشأت هذه الانقسامات الطائفية حتى في الأصل الواحد من هذه البلدات .  
استمر العداء بين طرود و عدوان لعدة قرون ، ولكن لا يوجد ذكر لحرب أخرىقد وقعت بينهما. 
في وقت ما غير محدد ربما في القرن الـ 17 كان التقسيم القديم بين المجموعتين يتداخل و يتقاطع من قبل تحالف سياسي جديد حيث  فرّ راعي من طرود (البدو) مع 25 من الإبل المسروقة إلى بلدة تغزوت فمنح حق اللجوء من قبل "سعود"الذين قاوموا الضغوط التي فرضت عليهم من قبل "طرود"  و قد دعاهم ذلك لعقد تحالف مع قرى الزقم و كوينين و مع بلدة سيدي عون الصغيرة و فرقة من بلدة ورماس حيث أن المشاركين في هذا التحالف كانوا يعرفون بـ " أولاد سعود "   كانت بلدتي الزقم و سيدي عون تعدان من قرى "عدوان" أما بلدات تغزوت و كوينين و وورماس فقد استقرت بين سكانها أعداد كبيرة من "طرود". 
تحالف أولاد سعود في جزء كبير منه يمثل معارضة من القرويين المستقرين ضد الهيمنة السياسية للبدو الرحل. 
وكذلك فالاتجاه السائد لهذا التحالف بين القرويين المستقرين أنفسهم للحصول على الدعم من البلدات المجاورة ضد منافسيهم كالزقم ضد البهيمة و سيدي عون ضد الدبيلة و كوينين ضد الواد و تغزوت ضد قمار.هذه الفصائل  سرعان ما أصبحت تشارك في السياسات الإقليمية الرئيسية بالمنطقة.


                                                            يتبع ...

2 يوليو 2011

الاحتلال الفرنسي لوادي سوف (3)


بعد سقوط إمارة بني جلاب و دخول الجيش الفرنسي لوادي سُوف في أواخر سنة 1854 إعتقد الفرنسيون أنهم أحكموا سيطرتهم على المنطقة إلا أن ذلك لم يحدث على أرض الواقع حيث لم ينعم الفرنسيون بالهدوء و الاستقرار بل جوبهوا بمقومات و انتفاضات متتالية من قبل الثوار و المقاومون الذين استفادوا من معرفتهم بمسالك الصحراء و قرب الحدود التونسية الليبية التي كانوا يلجاؤون إليها لتنظيم الصفوف و جلب السلاح و إعداد المقاومين .
و كانت المنطقة تعاني الاضطرابات و بدأت تحركات المقاومين و خاصة سي النعيمي , و محمد بو علاق اليعقوبي , و بن ناصر بن شهرة و الشريف محمد بن عبد الله .
أراد الجنرال راندون في أواخر الخمسينات ضبط الحدود الشرقية للمنطقة , فتم انجاز خريطة سنة 1857 و لكن الحدود النهائية للعرق الشرقي الكبير لم تحدد لها معالم ثابتة , و إنما خضعت للتغير باستمرار خصوصا ما بين 1867-1870 , إذ بقيت الحدود غير واضحة بين سوف و جنوب شط الجريد.
و لكي يتحقق نوع من الهدوء في وادي سوف , شيد الفرنسيون عدة أبراج للمراقبة في الجهات الأربعة لسوف لتأمين القوافل و المحافظة على الأمن , وهـذه الأبراج هي : برج الحاج قدورة في الجهة الشرقية , و برج بوشحمة في الشمال , بينما شيدوا  في الجهة الغربية برجان , برج الفرجان , و برج مولاي القايد لحماية الطريق الرئيسي بين تقرت و سُوف .
و قد تجددت المقاومة عندما قدم الشريف محمد بن عبد الله و بن ناصر بن شهرة من تونس وشاركا في ثورة أولاد سيدي الشيخ في 1864 .فاستمر بن شهرة في المقاومة , بعدة جبهات في وسط الصحراء و في أطرافها المتاخمة للحدود الجنوبية و الشرقية . و كانت تربطه علاقة مع الطيب بن عمران الشعنبي السوفي , الذي كان مشهورا بجرأته و قوته , فجمع 264 من المحاربين من طُرود سُوف و شعانبة الوادي و عسكر بهم في جنوب ورقلة في فيفري 1864 لغزو تلك الجهات ثم إلتجأ كغيره من المقاومين الى تونس.
و تجددت المقاومة مرة أخرى بوادي سوف و ما جاورها ممتدة من عين صالح الى ورقلة و تقرت و سوف و تبسه و نقرين بالشرق و بلاد الجريد و نفطه بتونس , وقاد هذه المقاومة الشريف بوشوشة و محي الدين بن الأمير عبد القادر.
فقد قام الشريف محمد التومي بوشوشة، بالسيطرة على ورقلة في 5 مارس 1871، وعيّن بن ناصر بن شهرة آغا عليها، وكانت ورقلة تابعة لسلطة أغا تقرت "علي باي بن فرحات"، فاتصل جماعة من شعانبة الوادي بالشريف بشوشة وأخبروه بأن "علي باي بن فرحات" قد أودع أمواله وعياله ببلدة قمار بوادي سُوف، فهاجمها بوشوشة يوم 8 مارس 1871 فاحتمت عائلة على باي بالزاوية التجانية، وبعد مفاوضات مع أعيان الوادي، رجع بوشوشة ونجت عائلة "علي باي بن فرحات".

 زحف الشريف بوشوشة نحو تقرت و استولى عليها في 13 ماي 1871 وعيّن "بوشمال بن قوبي" آغا عليها، فصارت وادي سوف تابعة لسلطة بوشوشة.
    ولما تأكد للفرنسيين من عجز "على باي بن فرحات" أعدوا جيشا بقيادة الجنرال "لاكروا فوبوا" الذي أعد خطة استطاع بها انتزاع ورقلة وتقرت من أنصار بوشوشة في جانفي 1872 ثم اتجه نحو سوف فأخضعها للسلطة الفرنسية وعيّن قائد الصبايحية "العربي المملوك" حاكما عليها.
   والجدير بالذكر أن وادي سوف ما بين 1837 - 1872 كانت ملجأ آمنا للمقاومين، تدعمهم بالمال والسلاح والرجال، ولما انتهت فترة السبعينات من القرن 19 بتصفية فلول المقاومة الشعبية بالجنوب، بدأ الفرنسيون يهيئون الظروف للاستقرار في الجنوب الجزائري، قريبا من الحدود التونسية التي كانت فرنسا بصدد التخطيط لاحتلالها، وتعتبر سُوف أهم موقع يمكن استغلاله لتأمين ظهر الفرنسيين.
وتمكنت فرنسا من فرض الحماية على تونس في 12 ماي 1881 وفي مقابل ذلك كُلف الضابط "ديبورتار" - الذي سبقت له المشاركة في احتلال تونس - بتأسيس أول مكتب عربي بالدبيلة القريبة من الحدود التونسية، فكانت المركز الأول لاستقرار الفرنسيين في سوف. ثم أخذت القوات الفرنسية في التزايد بالدبيلة واستمر ذلك إلى سنة 1887، وبعد ذلك بدأ العدد يتناقص لأن الإدارة الفرنسية بدأت الاستقرار بقوة في مدينة الوادي عاصمة اقليم سُوف منذ سنة 1882، ويعتبر النقيب "فورجيس" (1886-1887) ثاني حاكم عسكري لملحقة الوادي، والذي خلف الضابط "جانين".
واستعان الفرنسيون بالقياد وشيوخ القبائل لادارة شؤون السكان، وصارت الوادي ملحقة منذ 1885 تابعة لبسكرة ثم حُولت إلى دائرة تقرت عام 1893، وشهدت الملحقة بعد ذلك تغيرات مستمرة في حكامها العسكريين.

23 ديسمبر 2010

الاحتلال الفرنسي لوادي سُوف (2)

 ثانيا: مرحلة الزحف و الاحتلال :
 إستغل الاحتلال الفرنسي الصراع الدائر بين حكام إمارة بني جلاب بين الأخوة و أبناء العمومة و غذى هذا الصراع و التنافس على الحكم لصالحه فبعد احتلال بسكرة سنة 1844 فرض الفرنسيون على حاكم بني جلاب أنذاك "عبد الرحمن الجلابي" أتاوة كبيرة في سبيل الاعتراف بسلطانه على وادي ريغ و وادي سُوف إلا أن هذا الأمر لم يدم طويلا  ففي 25 جانفي 1852 هاجم "سلمان بن علي الجلابي" و أتباعه قصر الإمارة و إستولى على الحكم  و قضى على حكم "عبد الرحمن الجلابي" الموالي للفرنسيين و عقد مع الثائر "الشريف محمد بن عبد الله" حلفا مضادا للفرنسيين .
معركة المقارين و سقوط إمارة بنو جلاب :
في 15 نوفمبر سنة 1854  إنطلقت القوات الفرنسية من "بسكرة" بتعداد يقدر بـ 250 جنديا نظاميا و 2400 من الإحتياطيين بقيادة الملازم "مارمي" (Marmier) و 150 فارسا من قوات الصبايحية الموالية للفرنسيين بقيادة "العربي المملوك" باتجاه مشيخة بني جلاب "تقرت" , لما علم الشيخ "سلمان الجلابي" بأن القوات الفرنسية تتأهب للقيام بعمليات عسكرية كبيرة للهجوم على إقليمي وادي ريغ  و وادي سوف ، طلب من "الشريف محمد بن عبد الله" أن يكون مستعدا لنجدة "تقرت" في حـالة هجـوم الفرنسيين عليها، كما أرسل "سلمان الجلابي" إلى باي تونس طالـبا منه النجدة و المعونة . كما بعث سلمان إلى سكان واد سُوف و القرى المجاورة لها  يحثهم على الجهاد ، ويطلب منهم أن يكثروا من البارود و البنادق و الرجال لصد الحملة الفرنسية. فاستجاب أهل سُوف لنداء الجهاد و لبى جمع غفير من أهل "الوادي" و"قمار" و"البهيمة" و"الدبيلة" و غيرها من قرى سُوف النداء , ففرح سلمان بمقدمهم وأكرمهم وفرق على رؤسائهم العطايا ووعدهم بأكثر من ذلك عند النصر. جمع الشيخ "سلمان الجلابي" و رفيقه "الشريف محمد بن عبد الله" جيش المقاومين الذي قدر تعداده بـ 800 فارسا و 2000 من الفنطازية أي المشاة و دون أن يضعوا أي تصور أو خطة لسير المعركة خرجوا لملاقة القوات الفرنسية المرابطة بمنطقة "المقارين" القريبة من "تقرت" في أرض منبسطة تساعد القوات الغازية الأكثر تدريبا و الأحدث عتادًا على حسم المعركة . وفي صبيحة يوم 28 نوفمبر 1854م إلتحم الجيشان و دارت رحى معركة غير متكافئة الأطراف إستطاع الجيش الفرنسي أن يحسمها في ظرف خمس ساعات فتفرق جيش المقاومين و سادته الفوضى و الارتباك و التدافع و إلتجأ قائدا الجيش "سلمان بن علي الجلابي" و "الشريف محمد بن عبد الله" إلى منطقة "تماسين" ثم إنتقلا إلى وادي سُوف و من ثم إلى الحدود التونسية . وقد أحصى المؤرخون الفرنسيون إستشهاد و جرح 500 من أهالي المنطقة في حين لم تتعدى خسائر الغزاة سوى 11 قتيلا و 46 جريحا .   وفي 2 ديسمبر 1854 دخل القائد "مارمي" " تقرت" وقد سبقه إليها الملازمان الأولان "روز"( Rose) و"ديان فيل" ( Dyanville) رفقة سرية من الصبايحية
أحد الأسواق القديمة بمنطقة وادي ريغ
 وفي 5 ديسمبر وصل العقيد "ديفو" ( Desveaux) إلى "تقرت" على رأس الطوابير التي تم جمعها من "باتنة" و "الاغواط" و "بوسعادة" لتنظم إلى بقية الفرق العسكرية المتواجدة بعين المكان معلنا باسم فرنسا احتلال عاصمة وادي ريغ ، وطرد أسرة بني جلاب التي حكمت "تقرت" لأكثر من أربعة قرون. بعد وصول أنباء سيطرة الفرنسيين على "تقرت" و إلتجاء بعض المقاومين إلى وادي سُوف ساد الحذر والترقب سكان المنطقة . وفي غياب القائد الذي يجمع صفوف قبائل وعشائر سُوف لمقاومة الزحف القادم من خلف الكثبان إنتظرأهل سُوف  قدوم الجيش الفرنسي بعد بضعة أيام .
دخول الجيش الفرنسي وادي سُوف :
بعد احتلال "تقرت" انطلق العقيد "ديفو" يوم 10 ديسمبر 1854 بقواته القادمة من "باتنة" و "الأغواط" و" بوسعادة" باتجاه وادي سُوف عبر طريق وعرة التضاريس و سط كثبان رملية ناعمة و هشة لم يألفها الجنود الفرنسيين الذين تعودوا على الأراضي الصخرية الصلبة و هو ما جعل الجيش الفرنسي يستغرق ثلاثة أيام كاملة للوصول إلى سُوف رغم أن المسافة بين "تقرت" و سُوف عبر الطريق الرملية لا تتجاوز 85 كم تقريبا.
الكثبان الرملية بين وادي سُوف و وادي ريغ
 وبعد وصول الطوابير الفرنسية إلى مشارف أول بلدة من قرى سُوف تدعى " تغزوت " توقفت, و دخل العقيد "ديفو" في مفاوضات مع وجهاء المنطقة , إنتهت هذه المفاوضات بالاتفاق على عدة أمور بين الطرفين,إلا أنه ورغم قلة إمكانيات أهل سُوف المادية و العسكرية القادرة على صد هذا الجيش فإنهم عملوا ما بوسعهم على مقاومته بين السيوف "الكثبان الرملية" و الغيطان "غابات النخيل" . كما أكد ذلك صاحب كتاب الصروف في تاريخ الصحراء و سُوف "ابراهيم العوامر" حيث قال :<< ثم بعد أن نزلت المحلة بتقرت أخضعت أهلها ارتحلت متوجهة إلى سـوف لتخضع أهلها وبعد قتال بين الطرفين أياما عديدة في النخيل و السيوف تغلبت المحلة على سُوف .>> 
سوق وادي سُوف في فترة الاحتلال
بعد أن دخلت القوات الفرنسية إلى " تغزوت " في 13 ديسمبر 1854 تقدمت إلى "كوينين" و منها دخلت إلى عاصمة سُوف "مدينة الوادي" يوم 14 ديسمبر 1854 م . و بعد أن مكث العقيد "ديفو" قرابة السبعة أيام بسُوف قضاها في استكشاف المنطقة , عاد في 22 ديسمبر 1854 م إلى "تقرت" دون أن يترك بسُوف أي حامية أو فرقة عسكرية للمحافظة على احتلالها. بعدها قام العقيد "ديفو" بتعيين "علي باي بن فرحات بن سعيد" حاكما على وادي ريغ  و وادي سُوف . إلا أن تحركات المقاومين : "سلمان الجلابي" و "الشريف محمد بن عبد الله" و "بن ناصر بن شهرة" و غيرهم  بمنطقة "نفزاوة" على الحدود التونسية غير بعيد عن سُوف عجلت بعودة الطابور العسكري الفرنسي بقيادة العقيد "ديفوا" إلى المنطقة مرة أخرى في ديسمبر 1855 حيث إستقر لبعض الوقت بمنطقة "الدبيلة" غير بعيد عن الحدود التونسية  و بدأ في جمع معلومات عن السكان و الثوار ثم رجع إلى "تقرت" . و قد وجه العقيد " ديفو "  رسالة بتاريخ 12 ديسمبر 1855 الى كافة سكان وادي سُوف وَ وادي ريغ يحذرهم ممن يحاول أخذ أموالهم باسم حاكم "بسكرة" و ينبههم إلى التأكد من ختم الحاكم, و أعقب ذلك برسالة أخرى يوم 25 ديسمبر 1855 على شكل أمر عين بموجبه "علي بن عمر بن سعيد" حاكما على وادي سُـوف تحت إشراف القائد "علي باي بن فرحات" , واستمر العقيد "ديفو" في مراقبته للمنطقة و محاولة إضفاء نوع من الاستقرار عليها عن طريق المراسيم و الأوامر. إلا أن المنطقة لم تعرف الاستقرار تحت سلطة الاحتلال الفرنسي لأكثر من 30 سنة ...يتبع

21 ديسمبر 2010

الاحتلال الفرنسي لوادي سُوف (1)

 
مقدمة :
بعد سقوط مدينة الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي  في 05 جويلية 1830 ركز المحتل على المدن الساحلية أولا لسهولة اقتحامها عن طريق البحر فاحتلت عنابة و وهران  و بعد بضعة سنوات من الاحتلال  بدأ المحتل  في محاولة  التوسع و الاستيطان في المدن الداخلية  لكن الجيوش الفرنسية الغازية جوبهت بمقومات  شعبية عنيفة في شرق البلاد و غربها فقد قاد الأمير عبد القادر الجزائري المقاومة في منطقة الغرب الجزائري بين(1832-1847) . كما قاد المقاومة في شرق البلاد حاكم قسنطينة أحمد باي بين (1830 – 1848)  فخاضا حروب عديدة ضد الجنرالات الفرنسيين و هزموهما في العديد من المعارك . وهو ما دفع المحتل لعدم المغامرة في التوغل  و تأخر في احتلال المناطق الداخلية و الصحراوية لسنين عديدة .
الأمير عبد القادر      حاكم قسنطينة أحمد باي
بعد احتلال مدينة قسنطينة سنة 1837 بدأ الفرنسيون يفكرون في التوغل جنوبا نحو أطراف الصحراء لاستكمال التوسع و بسط النفوذ الفرنسي على الصحراء و للقضاء على معاقل الثوار و المقاومين الذين إحتضنتهم أرض سُوف والصحراء المجاورة لها , فقد مثلت سُوف مركزا هاما لدعم الثوار و المقاومين بالسلاح و الرجال و كانت مركزا هاما للعبور للأراضي التونسية و الليبية القريبة مما جعلها جبهة ساخنة تأرق المحتل الفرنسي الذي أراد السيطرة عليها في أقرب فرصة .
أولا : مرحلة الإستكشاف و جمع المعلومات :
بعد أن تمكن المحتل الفرنسي من إحتلال عاصمة الزيبان "بسكرة" شمال سُوف سنة 1944 بدأت أنظار الفرنسيين  تحدق جنوبا باتجاه إمارة بني جلاب التي تبسط سيطرتها على  وادي ريغ و يمتد نفوذها إلى الحدود التونسية شرقا مرورا بوادي سُوف و تتخذ من مدينة "تقرت" عاصمة لها و التي تبعد بأقل من 85 كيلومتر عن أرض سُوف فالفرنسيون الذين يجهلون خبايا الصحراء و خفاياها يدركون جيدًا أن سكان هذه المنطقة من أشد الناس تمسكا بأرضهم و لا يقبلون أن يتحكم فيهم الأجنبي و لذلك لجأ المحتل إلى أسلوب الجوسسة و إرسال سرايا الإستطلاع ذات الغطاء التجاري لاستكشاف طبيعة المنطقة وطرق التنقل فيها و تحديد إمكانيات صمودها في وجه القوة العسكرية الغازية . فقد انطلقت سنة 1944 قافلتان تجارياتان من "بسكرة" باتجاه "تقرت" و "عين صالح" بهدف التعرف على الأسواق الداخلية و طرق المواصلات و التجارة.
أحد الأسواق القديمة بمنطقة الزيبان "بسكرة"
 و في سنة  1848 كلف "براكس" من قبل وزارة الحربية و التجارة للقيام برحلة سرية نحو الجنوب الجزائري فزار وادي سُوف إنطلاقا من تونس مرورا "بتقرت" و "بسكرة" , و نشر خلاصة رحلته في دراسة بباريس عام 1849 بعنوان " تجارة الجزائر مع مكة و السودان" وقد ضمن كتابـه المنشور معلومات هامة اعتمدتها الجيوش الفرنسية في تحركاتها نحو وادي ريغ و وادي سُوف. و تواصلت الرحلات ذات الطابع العسكري الاستطلاعي قبيل احتلال سُوف , إذ قدم إليها الملازم "روز" من الفيض وإتجه نحو قمار رفقة مجموعة من القوم في سنة 1852,و كانت هذه المعلومات و غيرها في متناول يد الجيش الفرنسي حينما توغل في منطقة وادي ريغ و وادي سوف لاحقًا...يتبع