Comments system

111

أهلا وسهلا بكم في وادي سوف الأصيل ***وادي سوف الأصيل ***

8 يناير 2013

زيارة الشيخ عبد الحميد بن باديس لوادي سُوف سنة 1937م

الشيخ : عبد الحميد بن باديس
بعد انضمام الشيخ "عبد العزيز الشريف" لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين ، بادر بتنظيم زيارة لرئيس الجمعية ، بمعية وفد هام في شهر ديسمبر 1937م  وضم الوفد : الشيخ "عبد الحميد بن باديس"  والشيخ "الفضيل  الورتلاني"  و الشيخ "إمبارك الميلي"  والشيخ "محمد خير الدين"  والشيخ "العربي التبسي" والشيخ  "حمزة بوكوشة"  وقام الوفد بزيارة معظم قرى إقليم وادي سُوف والتقى بعامة الناس .
 و في هذا الصدد نستشهد بما كتبه الشيخ "محمد خير الدين" في مذكراته :
         "... انتشرت وفود جمعية العلماء المسلمين في كل مكان، و في الوفود التي شاركت فيها، وفد الصحراء الذي تكون من الشيخ "عبد الحميد بن باديس"  و الشيخ "مبارك الميلي"  زار هذا الوفد وادي سوف و كانت معقلا من معاقل الطرقية التي تناهض حركتنا الإصلاحية، و لكن الحركة الإصلاحية، سرت في كل مكان و أصبح لها أتباع ينتصرون بها و تنتصر بهم، و من جملة الشخصيات التي انضمت إلى حركتنا و أصبحت عضوا عاملا في إدارة الجمعية :  "عبد العزيز" ابن الشيخ "الهاشمي" رئيس الطريقة القادرية...."
         وفعلا، كان لهذه الزيارة الوقع الكبير في المنطقة حيث سجل لنا الأستاذ حمزه بوكوشة (رحمه الله) العضو الإداري لجمعية العلماء و أصيل الوادي تفاصيل هذه الزيارة في جريدة البصائر منها : "... و ما كادت الصحافة المحلية تنشر نبأ إيفاد هذا الوفد حتى هب دعاة الفتنة و الشقاق و حاولوا تصوير الجمعية و أتباعها لرئيس الملحقة السيد القبطان بصورة شوهاء و قاموا بأدوار في الجوسسة الدينية المدعمة بالاختلاق و الافتراء التي يعجز عنها شياطين الإنس و الجن ..."
. وهكذا بدأ أصحاب الطرقية في تحريك أعوانهم ليهاجموا الحركة الإصلاحية، فجعل هؤلاء يصفون الرئيس الشيخ ابن باديس بأنه وهابي، و عبداوي، و با أنه "عزرائيل"، رغبة في تنفير الناس منه، وسعيا إلى وأد الحركة في مهدها، و لكن استقبال الوفد كان فوق كل تصور أينما حل .
         ففي قمار استقبل الوفد من طرف الشيخ "الأخضر شبرو"  رئيس خلية جمعية العلماء بالوادي - و هو زيتوني، اشتغل باش عدل بمحكمة قمار - و كان معه السيد "عبد الكامل النجعي"  أمين مال شعبة الوادي و السيد "قدور" نائبه، و حين نزول الوفد من السيارة قدم له الشاب الناهض السيد " الطيب بن السيد الحاج عبد القادر بن فرحات" أحد أعضاء شعبة (تكسبت) و أحد المزاولين التعليم بجامع الزيتونة المعمور ... باقة من الأزهار قدمها بأبيات منها قوله :
يــا باقة أدي الســـلام اللائقا       *******     و إلى الرئيس صلي احتراما فائقا
         و في خارج بلدة (قمار) تجمع الناس في تظاهرة عظيمة للاحتفاء بالوفد . . و تقديم القهوة لهم ، و حينما أخذ الوفد مكانه قام الشيخ محمد الطاهر بن بلقاسم، أحد المتخرجين من جامع الزيتونة، و ألقى خطاب الترحيب و قصيدة طالعها :
   هبي يا قرية الرمال و هبـــــي   *******  واجبات اللقاء إلى خير وفد
   مرحبا بالذين هبــــــوا لحـــق      *******  أهله ضيعوه عن غير عـمد 
    نفخوا في البلاد روحا فأمست    *******    أمة تعرف الحقوق و تـفدى 
  ثم سار الوفد إلى الوادي و توجه إلى مكتب الحاكم العام العسكري في زيارة مجاملة و الذي ثارت مخاوفه من هذه الزيارة ، لكن الشيخ ابن باديس طمأنه و قال له :  " أنا كفيل بأن لا يحدث إلا ما تحمد عقباه و ستفرحون بالأثر الحسن الذي يتركه أثر رحلتنا في قلوب السكان . فقال له الحاكم العام العسكري : " إن الوادي لا تتوفر على قاعات مناسبة للخطابة " . فرد عليه الشيخ "عبد العزيز" بأن الخطب تكون في زاويتي ، و هي أوسع محل في البلد ، ثم خرج الوفد من مكتب حاكم الملحقة ليتناول وجبة الغداء على مائدة الشيخ "عبد العزيز" . 
الشيخ : بن باديس مع بعض أعضاء جمعية العلماء المسلمين
و من الغد صباح الخميس توجه الوفد إلى (عميش) ، فدخل إلى سوق (البياضة) و توجه بعد ذلك إلى المسجد الذي بناه الشيخ "الهاشمي" والد الشيخ "عبد العزيز الشريف" فاجتمع عليهم جمع غفير من الناس فألقى عليهم الشيخ ابن باديس خطابا توجيهيا، ثم عاد الوفد إلى الوادي لتناول الغذاء على مائدة الشيخ "عبد العزيز" ، و بعد الظهر توجه الجميع إلى (الزقم) ، و توقف الركب في طريقه بقرية (البهيمة) "حساني عبد الكريم حاليا" و استقبلهم السكان بكل حفاوة ، حيث أقيمت لهم عدة احتفالات. و لم يغادر الوفد إلا و الشمس عند المغيب .
وصل الجميع إلى (الزقم) مع الغروب ، فأقيمت لهم الولائم و انتشرت البهجة و الأفراح بمقدم الوفد ، و في السهرة أسست خلية جمعية العلماء بالزقم من خمسة عشر عضوا برئاسة السيد "معمري عبد الرحمان بن علي"  خريج  جامع الزيتونة . و قضى الوفد الليلة بالزقم ، و في صباح الجمعة رجع إلى الوادي ليحاضر الأمة في زاوية الشيخ "عبد العزيز" ، لكن المناسبة كانت يوم السوق الأسبوعي ، و تقتضي الفرصة أن يقام الاحتفال في ساحة السوق ، فذهب الشيخ "عبد العزيز" إلى الحاكم العسكري  ليفاوضه في الأمر، فأذن له، وعقد الاجتماع بساحة السوق و حضره خلق كثير ، و رغم دسائس الخونة و بعض الطرقيين للتشويش على هذا المهرجان و إفشاله ، و قد روجوا أن رئيس الوفد هو (ابن إبليس)  بأفكاره الوهابية الشيطانية و ذلك لتشويه سمعة الإمام ابن باديس، حتى يقاطع الناس هذا الحفل تفاديا لأفكاره الخطيرة ، و لكن كانت المفاجأة كبيرة حيث حظي الشيخ الجلل و الوفد المرافق له باستقبال رائع و بحضور جمع غفير ، و بإعجاب الجميع بخطبة الإمام ابن باديس التي كان لها وقع في نفوس شباب المنطقة خاصة ، و أصبح ذلك اليوم المشهود خالدًا و منحوتا في ذاكرة الكثير منهم - ويتذكرونه إلى اليوم - و يروي بعضهم أن بعض الأطفال قد سخروا برمي الحجارة على الوفد ، لكنهم انبهروا بكلام الشيخ ابن باديس ، فتركوا حجارتهم و انضموا إلى الحفل بكل غبطة و سرور للاستماع و الاستمتاع بأحاديث الإخوة الإسلامية و الأخوة الإنسانية و الروابط التي تربط المجتمع ، ثم قدم الشيخ "عبد العزيز" باقي أعضاء الوفد الذين ألقوا كلماتهم على التوالي و هم الشيخ "العربي التبسي" و الشيخ "مبارك الميلي" و "حمزة بوكوشة" و "محمد خير الدين" ، و بعدها طلب من الحاضرين الانصراف، حيث وقت صلاة الجمعة ، و بعد الصلاة تناول الوفد طعام الغداء على مائدة الشاب" البشير شحيمة".
         و بعد ذلك ذهب الوفد إلى مكتب الحاكم العسكري لتوديعه ، و إعلامه أن الزيارة قد انتهت بدون أي حادث ، و الجدير بالذكر هنا هو أن أسلوب جمعية العلماء في عملها كان دائما أسلوبا هادئا و سلميا حتى يطمئن له الحكام الفرنسيون ، حيث تقوم الجمعية بتهيئة الأرضية الصالحة للزراعة أولا ثم تغرس فيها بذور الثورة ، و تسقيها رويدا رويدا حتى تنبت و تترعرع  و يقطف ثمارها الناضج فيما بعد.
         غادر الوفد الوادي و اتجه إلى (تكسبت) حيث استقبلهم الشاب "الطيب فرحات"  ثم توقف في (كوينين) عند السيد "حمويا عبد الوهاب بن ناقا" الذي تبرع للجمعية بمبلغ خمسة و عشرين ألف فرنك فرنسي قديم ، بعد ذلك انتقل الوفد إلى (تغزوت) عند زاوية الشيخ "العيد التجاني" .
         و من الغد وصل الوفد إلى (قمار) حيث ألقى الشيخ ابن باديس درسا قيما و تبعه الشيخ "خير الدين" و "العربي التبسي" و "مبارك الميلي" ثم جاء دور الشيخ "عبد العزيز" فقام و قال : "إن الطرق بدعة لا أصل لها في الدين فحسبكم التمسك بالكتاب و السنة" و قال أيضا : "أنظروا أيها الإخوان إلى الفرق بين العلماء و شيوخ الطرق يأتونكم متفرقين في سباق لأخذ الزيارات . . الطرق شتّتتكم و أضرت بكم في دينكم و دنياكم و العلماء يريدون إرجاعكم إلى الكتاب و السنة و تعليمكم العلم الصحيح". (البصائر عدد 95).
ومن (قمار) انتقل الوفد إلى (الرقيبة) لزيارة مسجد البلدة لمصالحة الفرقاء ، حيث يذكر الشيخ محمد خير الدين : "... فقد زرنا (الرقيبة) و هي بلدة صغيرة تتنازعها طريقتان هما : القادرية و التجانية ، و قد بلغ الشقاق بينهما شأنا بعيدا فحرموا التعامل و التزاوج بينهما ، وقسموا المسجد الجامع شطرين . أقاموا في وسطه جدارا فاصلا فجعلوا من المسجد مسجدين، مسجد لهذه ومسجد لتلك وقد دعانا الشيخ عبد العزيز الى زيارة هذه الناحية واستقبلنا استقبالا حافلا فالقينا الدروس وعقدنا الاجتماعات ونظمنا الشعب ومضينا..." .
وقد كان لزيارة الشيخ بن باديس و وفد جمعية العلماء المسلمين لوادي سُوف نتائج طيبة تجلت فيما بعد نذكر منها :
* بث الوعي الوطني في المجتمع السوفي،والاتصال بالجماهير مباشرة بدون واسطة.
* كسر حاجز الخوف المضروب على المنطقة جراء الحكم العسكري بها.
* إبراز هيبة العلماء وربطهم بالجماهير وتمكينهم من تصحيح المفاهيم الخاطئة ولم شمل أبناء الجهة وتعليمهم نبذ الخلاف.
* إظهار زيف الفكر الخرافي بتقديم المبادئ الاسلامية صافية نقية من كل زيف وفق المنهج الباديسي الذي يستقي افكاره من نصوص القران الكريم والسنة النبوية الشريفة .
* السعي الحثيث لتنظيم وهيكلة الجمعية وتأسيس شُعب لها في المنطقة
 .
* تم فتح المدارس في مختلف انحاء المنطقة وخصوصا الوادي وقمار والزقم والرقيبة واستمرت في ما بعد في إعداد جيل أول نوفمبر ومعظم الثوار درسوا بها.
* عرفت زيارة ابن باديس سكان وادي سوف بالعلماء العاملين، فازداد إقبال الناس على أفكار الجمعية وصحفها التي كانت توزع في سوق المدينة .
* الإتصال بالقرى المعزولة و صناعة الحدث السياسي بجلوس الناس الى العلماء و السماع إليهم مباشرة  و الأخذ من كلامهم و أفكارهم الإصلاحية الجديدة.
* شجعت الشيخ عبد العزيز الشريف على تكثيف معارضته للإستعمار و تحديه له إقتداءً بوالده الشيخ الهاشمي فنظم إنتفاضة سنة 1938 كما سلف ذكرها , معتمدا المنهج الثوري في وقت مبكر مخالفا بذلك منهج الجمعية .

3 يناير 2013

مجاهدي و شهداء وادي سُوف (3)

3- المجاهد : عبد القادر العمودي:
تمهيد :
عشنا و تربينا كأغلب الشباب المولودين بعد الإستقلال و نحن نجهل الكثير الكثير من تاريخ ثورتنا و مجاهدينا بصفة عامة و تاريخ مجاهدي و شهداء منطقتنا "وادي سُوف" بصفة خاصة , فلا نعرف إلا القليل القليل عنهم بل لا نعرف أحيانا إلا أسماء بعضهم التي أطلقت على المدارس و المؤسسات الرسمية .
سنتطرق اليوم عن بطل من أولئك الأبطال الذين سطروا مسار حياتهم بحروف من ذهب .
 كيف لا وهو من أوائل المنضمين للمنظمة السرية "L’os" , و من المخططين لتفجير الثورة ضمن مجموعة الـ 22 , و من المجاهدين الذين عايشوا محن و مأسي الإحتلال , و عاشوا أفراح الحرية و الإستقلال .
 نشأته وشبابه :
ولد عبد القادر العمودي خلال سنة 1925 بوادي سوف وبها نشأ وترعرع وتلقى تعليمه الأول حيث بدأ بتعلم القرآن الكريم بالجامع ( الكتاب) على يد الشيخين "سي زلاسي" و "زريبط لمين"، وعاش عبد القادر حادثة أثرت في نفسيته كثيرا حيث حضر وهو صغير عملية اقتحام الكتاب من قبل السلطات الإستعمارية وأخذ الأطفال عنوة إلى المدرسة الفرنسية لتعلم لغة المستعمر.
وكان أهالي وادي سُوف يعتبرون تعلم اللغة الفرنسية ضربا من الكفر. بعدها التحق العمودي بالمدرسة الإبتدائية الوحيدة بالوادي والتي كانت لا تضم إلا ثلاثة أقسام، وبها زاول مشواره التعليمي إلى غاية الحصول على الشهادة الإبتدائية خلال الموسم الدراسي 1937-1938 وكان الحصول على هذه الشهادة يعتبر حدثا في حد ذاته ويمثل أعلى ما يمكن الوصول إليه بالمنطقة. بعد ذلك إنتقل إلى مدينة بسكرة لمواصلة التحصيل العلمي رفقة جده المسن الذي تكفل برعايته. ومن الطلبة الذين درسوا معه في نفس القسم "محمد العربي بن مهيدي".
عند اندلاع الحرب العالمية الثانية في 1939 تشتت المعلمون الفرنسيون من جهة ومن جهة ثانية أصبحت الحياة صعبة من جراء الحرب ولم يعد في استطاعة الوالد تمويل دراسة الإبن مما اضطره إلى العودة لمسقط رأسه بالوادي. وبعد مدة من البطالة عمل في ثكنة عسكرية بالمنطقة حيث اشتغل بالأعمال الكتابية ( الإدارة ). وقد مكنته وظيفته هذه من ملاحظة الفروق الكبيرة الموجودة بين حياة الفرنسيين مقارنة مع معيشة الجزائريين خاصة تحت النظام العسكري المطبق على المناطق الصحراوية . ومما اثر في نفس عبد القادر الطفل ثم الشاب هو منظر الأهالي وهم يؤدون التحية وقوفا عند مرور الحاكم العسكري الفرنسي ولو كانوا شيوخا مسنين، وحتى العاجز منهم عن الوقوف فكان يضطر إلى أداء التحية العسكرية وهو جالس، وهذا ما جعله يتساءل عن مصيره مستقبلا وهل خلق حقا ليكون تحت " النعل" الإستعماري.
ويتذكر العمودي أن أعضاء جمعية العلماء المسلمين قد حضروا إلى وادي سوف في سنة 1937 بدعوة من "الشريف عبد العزيز" لكن الإستعمار اختلق المكائد واعتقل هذا الأخير ويذكر أيضا مظاهرات 1938 بالوادي رغم عدم مشاركته فيها.
انضمامه إلى حزب الشعب الجزائري (بقيادة مصالي الحاج) :
بعد 1943 وفي أتون الحرب العالمية وقعت نهضة في منطقة الوادي على غرار كامل الجزائر لأن حزب الشعب الجزائري بذل مجهودات كبيرة لتنظيم الصفوف بعد عودة "مصالي الحاج" . وأول خلية للحزب تكونت بالوادي في أواخر سنة 1943 وكانت تضم أساسا : "عبد القادر العمودي" ، "ونيسي الهاشمي" "أحمد ميلودي" ، "قدادرة الشافعي"  و "ميهي بن الحاج" ، وصارت هذه الخلية تنشط بما يقتضيه النضال الحزبي كانخراط المناضلين الجدد وجمع الإشتراكات . ومن خلال حزب الشعب بدأ الكفاح الجدي من أجل الإستقلال وهي الفكرة التي نادى بها "مصالي الحاج"  باعتبارها الحل الوحيد خاصة مع المجازر التي ارتكبها المستعمر في 8 ماي 1945 في حق شعب اعزل مسالم، وكان من الحتمي أن تؤمن أغلبية الشعب بأن الطريق نحو الخروج من حالة العبودية يمر حتما بالكفاح المسلح حتى الإستقلال أو الشهادة.
في 1946 بدأت الأحزاب تنظم شؤونها وتعقد مؤتمراتها وأثناء ذلك عاد العمودي إلى الوادي ومن خلال حركة أحباب البيان والحركة الوطنية صار على اتصال مع "العربي بن مهيدي" الموجود ببسكرة حيث صارا يلتقيان أثناء الإجتماعات الجهوية ويتجاذبان أطراف الحديث عن المستقبل.
انضمامه إلى المنظمة السرية L’os :
وكان حزب الشعب منطقيا في طروحاته حيث أدرك أن النضال السياسي والكلام أصبحا غير كافيين لتجسيد فكرة الإستقلال، ولهذا تمخض مؤتمر سنة 1947 عن تكوين المنظمة السرية L’os التي تعبر تطورا عاديا لسير الأمور ومرحلة تحضيرية حتمية للثورة، وكان "عبد القادر العمودي" أحد مسؤولي المنظمة بقسنطينة مع "محمد بوضياف" ، "محمد العربي بن مهيدي" و "ديدوش مراد" . وشرعت قيادة المنظمة السرية في عملية تدريب مناضليها تدريبا عسكريا بعد أن تم اختيارهم حسب شروط معينة، فكان هؤلاء يتدربون على السلاح أسبوعيا وإتقان حرب العصابات ونصب الكمائن وتنظيم منطقة العمليات وكل ما تتطلبه استراتيجية حرب العصابات وذلك بالخروج إلى المناطق الغابية للتدريب. كما تدرب العمودي وزملاؤه في المنظمة السرية على إطلاق النار بالذخيرة الحية.
وقد تكفلت المنظمة السرية بشراء الأسلحة بأموال الحزب، وكان أهالي وادي سُوف  يتوفرون على الكثير من الأسلحة من نوع "ستاتي" الإيطالية خاصة وهي من مخلفات الحرب العالمية الثانية ودخلت من ليبيا، وتقرر شراء نوعين من الأسلحة:
- شراء سلاح لتدريب المناضلين.
- شراء سلاح احتياطي لإنطلاق الثورة.
وبعد تسليم "محمد بلوزداد"  الأموال إلى "محمد عصامي"  لشراء الأسلحة كلف هذا الأخير المناضلين "أحمد ميلودي" و "محمد بلحاج"  بالمهمة وتوجه هذا الأخير إلى ليبيا وجلب الأسلحة على قافلة من الجمال وخزنت في مزرعة "عدوكة بلقاسم" . بعد ذلك تلقى "عبد القادر العمودي"  بصفته مسؤولا على الأمر من المنظمة السرية بإيصال الأسلحة إلى زريبة حامد الواقعة بالقرب من سفوح جبال الأوراس. وقد تم الترتيب لقافلة السلاح المتمثلة في حمولة سبعة جمال التي وصلت سالمة إلى زريبة حامد. وبصفته مسؤولا عن المنطقة أعطى "عبد القادر العمودي"  أمرا لسي "مصطفى بن بولعيد"  بتدبر أمر نقل تلك الأسلحة إلى الأوراس وهذا ما تم بالفعل.
وبعد مدة من تأسيس المنظمة السرية عين "عبد القادر العمودي" على رأس المنظمة بالوادي وقام بدوره باختيار المناضلين وتشكيل الخلايا ومن ثم عقد الإجتماعات بانتظام، والتي تضم أساسا العمودي عن الوادي، "محمد العربي بن مهيدي" عن بسكرة و "مصطفى بن بولعيد" عن الأوراس.
وبعد أن كان "محمد العربي بن مهيدي"  مسؤولا عن الأوراس والنمامشة والصحراء أصبح مسؤولا عن الناحية الغربية من عمالة قسنطينة كسطيف وبجاية وما جاورها وحل محله "عبد القادر العمودي" فاصبح مسؤولا عن بسكرة، الأوراس والوادي وكان أول لقاء له مع البطل الشهيد "مصطفى بن بولعيد"  في عام 1948 . وفي مزرعة هذا الأخير أقيم تربص لبعض مناضلي المنظمة السرية من بينهم العمودي وذلك قصد التدرب على صناعة القنابل واستعمال السلاح.
ونظرا لكون عناصر المنظمة السرية هم مناضلون في الحزب فقد كانوا منضبطين وينتظرون تلقي الأوامر للشروع في العمل المسلح لأنهم تلقوا التدريبات اللازمة ولديهم السلاح والإرادة لذلك. غير أن هذه الأوامر لم تأت أبدا إلى أن تم اكتشاف المنظمة السرية في مارس 1950 وألقي القبض على الكثير من مناضليها ومسؤوليها. وبعد فترة كافية لاستعادة الأنفاس عاود مناضلو المنظمة السرية الإتصال ببعضهم خاصة بعد أن انشق الحزب إلى مصاليين ومركزيين. وبما أن "عبد القادر العمودي"  لم يكن مطلوبا من قبل السلطات الإستعمارية فقد أمكنه التنقل والتحرك بحرية كلما استدعت الضرورة ذلك ، مثلما هو الحال عندما أشرف العمودي على ترتيب زيارتين قام بهما "العربي بن مهيدي" إلى أهله في الفترة الممتدة من 1950 إلى 1954 . وخلال هذه الفترة تعددت نشاطات العمودي وتنقله بين الجزائر، بسكرة، سطيف وغيرها من مناطق الوطن لربط الإتصال. وعن التحضير للثورة يقول هذا الأخير: " … عند التحضير للثورة تقرر أن يكون أكبر عدد ممكن من مناضلي المنظمة السرية القادرين على اتخاذ القرار حاضرين وأن يكونوا ممثلين لمناطق التراب الوطني قدر الإمكان لإعطاء البعد الوطني والصدى الواسع للثورة ، وهذا هو الهدف الذي كنا نسعى إليه وحققناه."
وجوده ضمن أعضاء مجموعة الـ 22 التي أعدت لتفجير الثورة التحريرية :
وبعد لقاءات واجتماعات ثنائية وغيرها تم الإتفاق على عقد اجتماع مجموعة الـ 22 في جوان 1954 ، و العدد لم يكن محددا مسبقا وإنما فرضته الظروف آنذاك حيث أن العديد من الشخصيات الوطنية رفضت تلبية الدعوة وعلى رأس هؤلاء "مصالي الحاج" الذي تم الإتصال به عدة مرات ليتبنى مشروع الثورة ولكنه رفض ذلك بحجة أن الوقت لم يحن بعد. وفي دار دريش اجتمعت المجموعة التي كانت تنتمي إلى المنظمة السرية ما عدا "عثمان بلوزداد"  فهو من الجناح السياسي، واتخذت القرار الذي طال انتظاره وهو الإعداد الفعلي لتفجير الثورة في أجل لا يتعدى الـ 6 أشهر حتى لا تلقى نفس مصير المنظمة السرية وأثناء الإجتماع علم الجميع بأن "كريم بلقاسم" و "أوعمران"  يؤيدان العملية. كما تم في نفس اليوم تكليف "محمد بوضياف"  باختيار مجموعة من 4 أو 5 مناضلين من ضمن الـ22 لتحديد يوم تفجير الثورة. وقد تم اختيار "محمد بوضياف" لأنه معروف لدى كل المناضلين الموجودين بالإجتماع بعد ذلك اجتمعت لجنة الستة في " لابوانت" في بيت المناضل "مراد بوقشورة"  لدراسة بعض القضايا وتوزيع المهام، وكان من الطبيعي أن يكلف "كريم بلقاسم" بمنطقة القبائل و "مصطفى بن بولعيد" بمنطقة الأوراس. في هذه الفترة تم عقد اجتماع في بسكرة حضره "محمد بوضياف"، "عبد القادر العمودي" و "محمد بلحاج"  حيث كلف هذا الأخير بتشكيل خلية بالوادي لتفجير الثورة واستقبال السلاح وتوجيهه للداخل عبر شبكة تم تحضيرها.
وفي 24 أكتوبر 1954 عقدت لجنة الستة آخر اجتماع لها في منزل "مراد بوقشورة"  في " بوانت بيسكاد " ومن جملة ما تم الإتفاق عليه هو تاريخ تفجير الثورة و تبليغ ذلك للمناضلين .
علمه بموعد إندلاع الثورة و مساهمته فيها : 
وفي نهاية شهر أكتوبر 1954 أعلم العمودي بموعد تفجير الثورة من شخص أرسل إليه لا يعرف من اسمه إلا المساعد L’adjudant وعن شعوره في هذه الليلة يقول العمودي: "… كانت لحظات ارتياح مشوبة بالقلق وهذا المزيج لا يمكن فصل خيوطه في النفس البشرية. فهناك قلق الشخص الذي يلقي بنفسه في البحر حيث لا يعرف ما ستكون عليه هذه العملية… وهناك إخوان أعزاء سيواجهون غدا قدرهم ، وقد يكون مصيرهم الموت أو السجن أما الإرتياح فمرده إلى كوننا وصلنا إلى النهاية أي انطلاق الثورة المسلحة ولو أن العملية تشكل مجهولا ولكن نحن قمنا بواجبنا ولهذا كنا نشعر أننا ولدنا من جديد أو المرور من حياة إلى أخرى وغدا لن يشبه اليوم أبدا."
وبعد انطلاق الثورة اهتزت البلاد لذلك وأعقبتها عملية اعتقالات في وسط الأشخاص المعروفين بنضالهم السياسي ومن ضمن هؤلاء كان "عبد القادر العمودي"  ولكنها كانت اعتقالات احتياطية فقط لأنه تم إطلاق سراح هؤلاء بعد يومين.وبعد اعتقال واستنطاق "الطيب خراز"  الذي أشرف مع مجموعة الأوراس على تفجير الثورة ببسكرة وسجنه ألقي مرة أخرى القبض على العمودي واستنطق لعدة أيام بمركز الشرطة ببسكرة تحت التعذيب ثم حول إلى باتنة وهناك استنطق وعذب مرة ثانية وبعدها أطلق سراحه. اثر ذلك عاد العمودي إلى بسكرة وعاود الإتصال بـ "حميدة بن ديحة"  أحد مسؤولي المنظمة السرية و "عبد الحميد رمضانة" وغيرهم من المناضلين وكونوا خلية للنشاط وتحريك الشعب ودفعه للثورة حتى لا تنطفئ شعلتها. وبعد تفجير الثورة بثلاثة أو أربعة أشهر التقى العمودي "أحمد بن عبد الرزاق"  ( سي الحواس ) ببسكرة وعلم منه أن "مصطفى بن بولعيد"  كلفه بالتوجه إلى العاصمة لمحاولة ربط الاتصال والتنسيق وإيجاد طريقة لتزويد الأوراس بالإعانات.
وفي العاصمة ( القصبة السفلى ) ألقي القبض على العمودي وبعد الاستنطاق والتعذيب أودع سجن سركاجي. وفي سنة 1956 تمت محاكمته وأطلق سراحه، وبعد خروجه من السجن اتصل بجماعة الولاية السادسة حيث حضر أحد الضباط التابعين لسي الحواس هو "نورالدين مناني" الذي اتصل بالعمودي وهذا الأخير ربط له الإتصال بـ "محمد العربي بن مهيدي"  من أجل توضيح مهام الولاية السادسة الجديدة.
بعد إضراب الثمانية أيام ومعركة الجزائر أصبحت كل ولاية تاريخية تنشط بمفردها .
مواصلته للكفاح حتى تحرر الجزائر و نيل الإستقلال :  
وقد واصل العمودي نضاله السياسي في الجزائر العاصمة وعمل في مجال التموين وكان على اتصال بالولايتين السادسة والثالثة . وواصل نشاطه على هذا المنوال إلى غاية وقف إطلاق النار في 19 مارس 1962 حيث شاهد الأعلام الوطنية ترفرف على شرفات وأزقة العاصمة وعاش أفراح الشعب الجزائري باسترجاع سيادته الوطنية يوم 05 جويلية 1962 .

                                                               مجاهدي و شهداء وادي سوف   يتبع ...

2 يناير 2013

شهداء و مجاهدي وادي سُوف (2)

2- الشهيد : محمد الأمين العمودي :
مولده ونشأته :ولد الشهيد محمد الأمين العمودي سنة 1891م بوادي سوف ، نشأ وسط عائلة فقيرة تلقى تعليمه الأول بمسقط رأسه بالمدرسة القرآنية، ثم بالمدرسة الأهلية وبعد نجاحه انتقل إلى بسكرة لمواصلة دراسته الثانوية لكنه سرعان ما طرد من الثانوية ولم يستطع اكمال دراسته لأقصائه عن الدراسة مرّة أخرى من المدرسة الرسمية بقسنطينة، لكن هذا لم يمنعه من الحصول على مستوى ثقافي جيد باللغتين العربية والفرنسية أهّله ليشتغل في وظيفة متواضعة "وكيل شرعي" بمحكمة ببسكرة أين ربط علاقات متشعبة مع مثقفي المنطقة من أدباء وشعراء. غير أنه لم يستمر فيها طويلا وتركها ليعمل في مجال الترجمة.
ثم راح ينتقل من بلدة لأخرى من مدن الجزائر وكانت مواهبه قد بدأت تتجلى وبلغت شهرته أوجها في نهاية الحرب العالمية الأولى.
نشاطه السياسي :
كانت بداية نشاطه في مجال الدعوة إلى إصلاح أوضاع المجتمع الجزائري من خلال الصحافة، حيث كان ينشر مقالاته في جريدة الإقدام التي كان يصدرها الأمير خالد، ثم بجريدة المنتقد التي كان يصدرها عبد الحميد ابن باديس وجريدة الإصلاح التي كان يصدرها الطيب العقبي، كما أظهرنشاطا سياسيا بمساندته للأمير خالد في حملته الانتخابية ثم مع الدكتور سعدان حين ترشح ببسكرة.
انضمامه لجمعية العلماء المسلمين :عندما تنادى علماء الجزائر المسلمون لإقامة تنظيمهم الذي أطلق عليه "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين" كان في طليعة المتحمسين للدعوة وفي الإجتماع الأول وقع عليه الإختيار ليكون الأمين العام للجمعية وترتب على ذلك انتقاله إلى العاصمة تاركا كل شيء في بسكرة.
إذ كان من المؤسسين للجمعية وعين أمينا عاما لها، واستطاع بناءعلاقه مع ابن باديس والأمير خالد من قبل أن يوجه مطالب جمعية العلماء بعيدا عن تعنت الإدارة الاستعمارية وتحرشاتها، وحتى يتمكن من تبليغ أهداف الجمعية أصدر جريدة الدفاع "LA DEFENSE" باللغة الفرنسية حتى تصل إلى المتعلمين بلغة الاستعمار.
برز دورالعمودي السياسي في الجهود التي بذلها لتنظيم المؤتمرالإسلامي، وكان أحد الموفدين إلى باريس لتقديم مطالب المؤتمرالإسلامي إلى الحكومة الفرنسية كما قام بحملة شرح وتوعية لنتائج المؤتمر و بعد عودته من باريس أنشأ عام 1937 جمعية شباب المؤتمرالإسلامي .لمتابعة وملاحقة مطالب المؤتمر الإسلامي .
ويروي الأستاذ "حمزة بوكوشة" : أن العمودي هو الذي أوحى لابن باديس بفكرة الدعوة لعقد المؤتمر الإسلامي وفتح له صدر جريدته ولما انعقد المؤتمر اختير عضوا في وفد المؤتمر ومترجما له.
وعندما نشبت الحرب العاليمة الثانية اعتقل مخلفا وراءه زوجته وأبناءه بدون معيل. فلم يخرج من السجن إلا بعدما تعهد بعدم الوقوف موقفا معاديا من سلطات الإحتلال . فاعتزال السياسة إلى غاية اندلاع الثورة التحريرية الكبرى .
وفي آخر أيامه توالت عليه العلل لكن وضعه المادي لم يتح له البقاء في منزله فكان يخرج للعمل حتى في الأيام العصيبة.
نشاطه الفكري و الأدبي :لقد توزع نشاطه الفكري بين الشعر والنثر والترجمة وكانت مواضيع شعره اجتماعية ووجداينة وأحيانا ساخرة وأسلوبه يجمع بين الطرافة و السلاسة والعذوبة أما في النثر فقد كانت كتابته تعمر بروح الثورة على الأوضاع بدءا بالمدرسة وحتى الأوضاع المعيشية معتبرا أن الأستعمار وحده مسؤولا عن تردي الأضاع وكان أحيانا يوقع مقالاته باسم مستعار كما كان يكتب في جريدته وفي الجرائد الأخرى منها :" النجاح" " الأصلاح" " الشهاب"
أما بالفرنسية فإنه كان يحرر افتتاحيات جريدته التي كانت منبرا من منابر الحركة الوطنية تخاطب الفرنسيين بلغتهم وتفضحهم بلسانهم ويغلب على كتاباته بشكل عام الطابع الوطني الإسلامي لأن كل ما يهمه هو أن يدافع عن الإسلام والجزائر وأن يتصدى لمن يتجنون عليهما ويسيئون إليهما.
إستشهاده :
رغم أن الشهيد محمد الأمين العمودي لم يظهرأي نشاط ثوري مباشر إلا أن عصابات الغدر الفرنسية لم تغفله و قامت باختطافه رغم كبر سنه ومرضه يوم 10 أكتوبر 1957 عندما كان يمر في أحد شوارع العاصمة ، وبعد عدة أيام وجدت جثته بنواحي العجيبة شرق مدينة البويرة.
وفي كتاب الأستاذ شريط حول حادثة استشهاده ما يرويه ابنه أحمد العمودي الذي قال :" إن ذلك اليوم أي يوم اختطافه كان صبيحة خميس وأن والده كان متجها لعمله بمحكمة الجزائر وأنهم أخبروا من الغد بواسطة الجندرمة والسبب في ذلك أن شيخ بلدية البويرة كان من الفرنسيين الرافضين للحرب على الشعب الجزائري ، وكان يعرف النشاط الصحفي للشيخ العمودي فبينما كان مقررا أن يلقى به ضمن مجموعة الأبرياء الذين اغتالتهم الأيدي الأثمة من الإستعماريين على الطريقة البشعة في حفرة كبيرة تلقى فيها جميع الجثث فلما عرف شيخ البلدية المذكور بأن الأمين العمودي من بين حصيلة الضحايا لذلك اليوم رفض التصريح للجندرمة بالدفن الجماعي وأمرهم بالإتصال بأسرته.
في حين أكد الشاعر الجزائري " الطاهر بوشوشي" للشاعر " محمد الأخضر السائحي" أن سبب اغتياله من طرف السلطات الإستعمارية على يد عصابة " الأيدي الحمراء" يعود لتحريره و ترجمتة للتقرير الذي قدم في ملف القضية الجزائرية للأمم المتحدة عن التعذيب الجهنمي والأساليب الوحشية التي كانت السلطات الإستعمارية تستعملها ضد الشعب الجزائري وصورة القضية تعود إلى الملف الذي قدمه الأخ" عبد القادر شندرلي" إلى لجنة تصفية الإستعمار بالأمم المتحدة سنة 1957 والمتضمن لحقائق دامغة كشفت الستار عن التعذيب في مراكز الكوت التي كانت القوات الفرنسية تستعملها للإستنطاق مدعمة بأسماء المعذبين وأسماء الضباط القائمين بالإبادة والتصفية الجسدية لمناضلي جبهة التحرير الوطني وغيرهم من المواطنين في السجون والمحتشدات وكل مايثبت مخازي الإستعمار ويزيح الستار عن جرائمه النكراء وأساليبه المتوحشة التي فاقت أعمال البرابرة. فقد كانت المعلومات تجمع من قبل مناضلي جبهة التحرير الوطني ويقدمها الشيخ " الصديق مصباح" للشيخ الأمين العمودي ليصوغها في ذلك التقرير .
   
                                                                شهداء و مجاهدي وادي سُوف      يتبع ...

1 يناير 2013

مجاهدي وشهداء وادي سُوف (1)

تقديم:
قدمت منطقة "سُوف" كغيرها من مناطق هذا الوطن الغالي في كل مرحلة من مراحل الكفاح الطويل
ضد المحتل الفرنسي المئات من الأبطال من مناضلين و مجاهدين و شهداء .
و كما أسلفنا في موضوع الاحتلال الفرنسي لوادي سُوف سابقا فإن المنطقة لم تعرف الاستقرار إلا بعد أن تمكن المحتل الفرنسي من القضاء على أغلب الثورات و المقاومين بمنطقة الجنوب و الصحراء بقوة السلاح. كمقاومة "سي النعيمي" , "محمد بو علاق اليعقوبي" , "بن ناصر بن شهرة" , "بوشوشة" و "الشريف محمد بن عبد الله" ... .
إلا أن هذا الهدوء و الاستقرار النسبي بالمنطقة لم يدم طويلاً كما كان يتمناه المحتل .
فسرعان ما تجددت المواجهات و ارتفعت الأصوات المنادية برفع مظالم المحتلين و أعوانهم المسلطة على أهل "سُوف" و الداعية للاصلاح و الحرية و خاصة في الفترة الممتدة بين الحربين العالميتين و قبيل الحرب العالمية الثانية وعند إندلاع ثورة أول نوفمبر التحريرية الكبرى .
و لعل أهم صور ذلك النضال و الجهاد و الوقوف في و جه المحتل الفرنسي و حاكمه العسكري بالمنطقة و "قياده" من الصبايحية و المتعاونين معهم , في بدايات القرن العشرين ما قام به الشيخ محمد الهاشمي شيخ الزاوية القادرية أنذاك و دوره في إشعال الثورة و التمرد عن سلطات الاحتلال و التي عرفت فيما بعد بـ "هدة عميش" .
كما لا ننسى الدور الكبير لابنه الشيخ "عبد العزيز الشريف" الذي لم يكل و لم يمل في محاولات إصلاح الأوضاع المتردية لأهل المنطقة و في استرجاع حقوقهم المسلوبة من سلطات الاحتلال و أعوانه و هو ما كلفه السجن و النفي و الإبعاد عن أرض الأباء و الأجداد لمدى الحياة .
و فيمايلي سنستعرض أهم و أبرزمحطات حياة هذا المجاهد البطل:
1- المجاهد : عبد العزيز الشريف
نسبه و نشأته :
هو عبد العزيز بن الشيخ محمد الهاشمي بن ابراهيم بن أحمد الشريف، هاجر جده الأول الشيخ ابراهيم إلى الجريد بالجنوب التونسي و استقر بمنطقة نفطة لينشط ضمن الزاوية القادرية هناك .
و قد أنجب ابراهيم ابنه محمد الهاشمي سنة 1853 الذي عاد إلى أرض الوطن سنة 1892م حيث أسس الزاوية القادرية بالبياضة "عميش" ليواصل نشاطه الديني و الفكري على غرار آبائه وأجداده الأولين.
وهناك بقرية البياضة "عميش" بوادي سوف ولد عبد العزيز الشريف بزاوية والده محمد الهاشمي سنة 1898م و قد واجه الشيخ محمد الهاشمي منافسة شديدة و مريرة من طرف الزاوية التجانية المجاورة له في البياضة و المنتشرة في قرى ومداشر وادي سوف .
و كانت السلطات الفرنسية تزكي هذا التنافس، بل و تثير النعرات و الفتن بين الطريقتين و تدس أعوانها بين الزاويتين لإشعال النيران بينهما ضمن سياسية "فرّق تسد".
و قد تفطن الشيخ الهاشمي إلى مكايد الإدارة الفرنسية فعمل على محاربة الاستعمار الفرنسي، فاستغل ظروف اندلاع الحرب العالمية الأولى ليفجر ثورة عارمة في المنطقة، عرفت بـ "هدّة عميش"، و هذا من أجل تخليص البلاد من ظلم المحتل و أعوانه.
و بعد هدوء العاصفة، وجهت السلطات الفرنسية بالوادي تهمة التمرد على فرنسا إلى الشيخ الهاشمي و اعتقلته يوم 15 نوفمبر 1918 م لينقل بعد ذلك إلى سجن بسكرة ، و منه إلى سجن "الكدية" العسكري بقسنطينة ريثما يقف أمام المحكمة العسكرية التي أصدرت ضده فيما بعد الحكم بالنفي من الوادي لمدة سنتين . . و في جويلية 1920 رجع الشيخ الهاشمي إلى وادي سوف و حاول التعديل من مواقفه السابقة تجاه الزاوية التجانية و حتى تجاه السلطات العسكرية الفرنسية، و نصب كل اهتمامه في تطوير زاويته و توسيع نفوذها و ثرواتها . . و بدأ أيضا في تهيئة خليفة له فتوسم الخير في ابنه عبد العزيز الذي لاحظ عليه الفطنة و النجابة و سرعة البداهة، ذلك أنه حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة حفظا جيدا. ثم غادر الوادي سنة 1913 ليلتحق بجامع الزيتونة المعمور بتونس ليزاول تعليمه هناك. فتحصل على شهادة التطويع في حياة والده بامتياز، وعاد إلى الوادي سنة 1923، فوجد والده قد أوقف زاوية "عميش" و فروعها على أولاده الثلاثة، و اشترط في وصيته أن من يخلفه على رأس الزاوية و إدارة أملاك العائلة أن يكون حائزا على شهادة التطويع و عند وفاته في شهر سبتمبر 1923، لم يتوفر هذا الشرط إلا في ابنه الأصغر عبد العزيز، و كان عمره يقارب الخامسة و العشرون سنة في ذلك الوقت ورغم ذلك فقد آلت مشيخة الزاوية إلى الأخ الأكبر عبد الرزاق و لكنه لم يعمر طويلا في هذا المنصب بسبب حالته الصحية المتدهورة، فتوفى بعد ثلاثة أشهر من تنصيبه على رأس الزاوية في شهر ديسمبر 1923.
تحول الشيخ عبد العزيز الشريف من الطرقية إلى الإصلاح :
أصبح الشيخ عبد العزيز المؤهل الوحيد لمشيخة الزاوية باعتباره المتخرج الأول من جامع الزيتونة، فضلا عن كونه مشهورا بذكائه و فصاحة لسانه و وضوح بيانه، كما كان الشيخ أديبا ظريفا لبقا ، لهذا تم الإجماع على أن يتولى مشيخة الزاوية القادرية في سُوف مع ملحقاتها في كل من تقرت و بسكرة و سكيكدة و الجزائر العاصمة .
سار الشيخ عبد العزيز على خطى والده في تسيير شؤون الزاوية و تنظيم شؤونها لعدة سنوات .
و في سنة 1936م قام الشيخ عبد العزيز بأداء فريضة الحج . فزلزل هذا الحدث كيانه، لأن المشرق العربي في تلك السنة، كان يعج بأحداث تاريخية و غليان سياسي يتمثل في مواجهة الاستعمار الأوروبي، ففي مصر أبرمت معاهدة 1936، اعترفت فيها بريطانيا بأن مصر دولة مستقلة ذات سيادة .أما سوريا فقد عاشت ثورة 1936 لطرد المحتل الفرنسي، و في فلسطين اندلعت الثورة الكبرى و كادت أن تنتصر و تخلص البلاد من الانتداب البريطاني و النفوذ الصهيوني . كما عرف العراق في هذه السنة أيضا انقلابا ألغيت على إثره المعاهدات الجائرة .
مكث الشيخ عبد العزيز بالمشرق العربي ما يقرب السنة و عايش هناك بعض من هذه الأحداث السالفة الذكر، فأثرت فيه و تشبع بأفكار جديدة وجدت صداها في نفسه وقلبت كيانه رأسا على عقب و أخرجته من نطاق التفكير التصوفي الضيق و من المناوشات و التنافس مع الطرق الصوفية الأخرى إلى نطاق أكبر و أعم ألا وهو البحث عن المنهج القويم لاصلاح هذه الأمة و فك قيودها من هذا المحتل الغاشم الذي شتت عراها و فرق بين أبنائها و نهب خيراتها و استعبد أبنائها .
لما عاد الشيخ عبد العزيز إلى مسقط رأسه بدأ في الإقترب من أفكار جمعية العلماء المسلمين التي طفحت على سطح الأحداث في تلك الفترة . و انضم إليها كعضو فعال و بارز فيها بحكم إمكانياته العلمية و المالية و الإجتماعية.
جمعية العلماء المسلمين
 ففي المؤتمر السنوي العام لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين الذي بدأ أعماله يوم 24 سبتمبر 1937 بنادي الترقي بالعاصمة قدم الشيخ ابن باديس بعض كبار الرجال الذين لهم أكبر الأثر في بعث النهضة الجزائرية من جمعية العلماء، منهم الشيخ الفضيل الورتلاني و الشيخ سعيد صالحي ...و غيرهم من الشيوخ.
 الشيخ : عبد الحميد بن باديس
ثم طلب من زميله الشيخ الطيب العقبي أن يقدم الشيخ عبد العزيز بن الشيخ محمد الهاشمي إلى الحاضرين، و كان لهذا التقديم مغزاه العميق، إذ هو شهادة في الواقع بانتهاء المعركة مع مناهضي جمعية العلماء من أتباع الطرق الصوفية، ذلك أن "الشيخ عبد العزيز كان من شيوخ الطرقية. أما اليوم فيجب أن تعرفوه بأنه جندي من جنود الإصلاح و عضو من أعضاء جمعية العلماء المسلمين".
ثم أحيلت الكلمة إلى الشيخ عبد العزيز الذي أبدى تأسفه لتأخره في الإنضواء تحت لواء الجمعية، و وعد بأنه سيبذل كل مجهوداته في خدمة الإصلاح و تبرع لهم بمبلغ خمسة و عشرين ألف فرنك فرنسي قديم و هو مبلغ هام في ذلك الوقت.
الشروع في الإصلاح والمواجهة مع سلطات الإحتلال :
و قد أثار هذا النشاط المتزايد للشيخ عبد العزيز حفيظة السلطات الفرنسية بالوادي، و أظهروا مخاوفهم من تسرب أفكاره الإصلاحية إلى المنطقة، فيزعزع كيانهم، و يكذب إدعاءاتهم بأن الصحراء هادئة و آمنة .
وقد رتب الشيخ عبد العزيز زيارة لوفد من جمعية العلماء المسلمين بقيادة الإمام عبد الحميد بن باديس إلى الوادي في شهر ديسمبر من سنة 1937م لشرح و تكريس أفكار الحركة الإصلاحية بالمنطقة.
كان لهذه الزيارة الأثر العميق عند الشيخ عبد العزيز، فدفعته لتكثيف نشاطه و تنقلاته عبر القرى و المداشر شمالا و جنوبا "كالبهيمة" و "الزقم" و "الدبيلة" و "المقرن" معقل الطريقة التجانية أنذاك و لهذا فقد تعرض في "المقرن" إلى مضايقات من القياد و مقاديم التجانية، كما زار "قمار" و "وادي العلندة" و "الرباح" و "العقلة" و غيرها لنشر أفكار الحركة الإصلاحية و الدعوة لها ضمن التوجيهات الدينية و العلمية لإحياء نفوس الناس و تنبيههم من غفلتهم و إيقاظ ضمائرهم لإنارة الطريق الصحيح لهم.
و في هذا الإطار نظم الشيخ عبد العزيز زيارة للشيخ الفضيل الورتلاني إلى الوادي في شهر جانفي 1938م بدون رضا من خلية الجمعية بوادي سُوف في تلك الفترة . لأن الشيخ الورتلاني رحمه الله يتقد حماسا و يتسم بمواقف صريحة و نقد لاذع ، مما قد يصعب من عمل الخلية و أن تستغل سلطات الاحتلال ذلك كذريعة للتضيق عليهم و وقف أنشطتهم.
فكان لهذه الزيارة الصدى الواسع عند الناس لما طرحته من مواضيع ساخنة أغضبت الحاكم العام الفرنسي الذي بدأ يترصد خطوات الشيخ عبد العزيز و يضمر له الشر، و لكن الشيخ لم يبال بملاحظات الإدارة المحلية و زاد من تحركاته و عقد عدة اجتماعات بالوادي و "عميش" لفضح أعمال القياد و أعوان الإدارة الإستعمارية.
اهتم الشيخ عبد العزيز بنشر العلم فقام بتأسيس مدارس وفق مناهج جمعية العلماء ، فحول جزء من زاوية "البياضة" إلى أقسام للتعليم العصري، و في شهر مارس 1938 و بعد بيع محصول التمور، وظف نقود هذه العملية في تهيئة زاوية الوادي التي شرع فيها أبوه منذ سنوات خلت لجعلها مركزا للتعليم تستوعب أكثر من خمسمائة طالب جزء منهم يخضع للنظام الداخلي ، و استقدم لها معلمين أكفاء كالشيخ "علي بن ساعد" و الشيخ "عبد القادر الياجوري" المعروفين بغزارة علمهما و براعتهما في ميدان التعليم و الإرشاد، كما درس في هذه المدرسة الشيخ "العروسي ميلودي" و الشيخ "معراج دربال" و غيرهم، فعرفت المنطقة بذلك حركة علمية عملت على نشر الوعي الفكري و الحضاري ، فأثار ذلك مخاوف السلطات الاستعمارية الفرنسية ، فحاولت معارضتها و هدمها . فقد استدعى الحاكم الفرنسي الشيخ عبد العزيز و طلب منه الرخصة في شأن المدارس التي افتتحها فرد عليه الشيخ عبد العزيز بأن الزوايا من قديم الزمان تعلم بدون رخصة و تكرر الأخذ و الرد بينهما في هذا الأمر ففهم الشيخ أن الإدارة الفرنسية مستأة للغاية مما يقوم به من حركة إصلاحية و ستعمل على إعاقته بشتى الوسائل .
علم الشيخ عبد العزيز أن السيد (ميلييوت) (MILLIOT) المدير العام للشؤون الأهلية و أقاليم الجنوب سيقوم بزيارة تفقدية إلى الوادي يوم 12 أفريل 1938، و لهذا عزم الشيخ على تنظيم مظاهرة احتجاجية على تصرفات السلطات المحلية مستغلاً حضور هذا الموظف الفرنسي السامي.
فاستدعى الحاكم العسكري بالوادي الشيخ عبد العزيز يوم 12 أفريل في الصباح ليعلمه رسميا أن أي مظاهرة ممنوعة، فرد عليه بأن المظاهرة ستنظم مهما كانت الظروف ، و فعلا بعد ظهر يوم 12 أفريل و بمجرد وصول السيد المدير العام تظاهرت جماهير غفيرة قدرتها الوثائق الاستعمارية بحوالي 1200 شخص، اعتصموا بشباك مقر الحاكم العسكري إلى الساعة الثامنة و نصف ليلا.
استقبل السيد (ميلييوت) المدير العام للشؤون الأهلية و أقاليم الجنوب الشيخ عبد العزيز و دارت بينهما مفاوضات عسيرة استغرقت حوالي ثلاثة ساعات تمحورت حول مطالب الأهالي ، الذين يعبرون عن غضبهم من تصرفات المصالح الاستعمارية، كما قدم شكوى بالحاكم العسكري بالوادي المتواطيء مع قياد المقرن و مشايخها الذين ضايقوه و لم يفعل لهم الحاكم العسكري شيئا.
و يمكن إجمال ما جاء في عريضة المطالب التي رفعها الشيخ عبد العزيز باسم الأهالي في النقاط التالية :
* رفع الظلم و التعسف على السكان من قبل الإدارة الفرنسية و أعوانها خاصة القياد.
*المحافظة على المقومات الحضارية للأهالي بانتشار التعليم باللغة العربية و احترام تعاليم الإسلام، ورجاله مثل ما تفعله الإدارة مع الآباء البيض التي تزكي حركتهم التبشيرية.
*مساعدة الفقراء و المحتاجين بالحبوب و الغذاء، و طالب بتزويدهم بـ 10 قناطير من القمح.
وافق المدير العام الفرنسي على هذه المطالب و أخبر الشيخ عبد العزيز أنه سيرفعها إلى السلطات العليا، و لكن الأمور تطورت و اشتد الغضب بالشعب فاندلعت ثورة في البلاد، و صطدامات دامية بين الأهالي و قوات الطوارىء الفرنسية التي حاصرت المنطقة بحشود ضخمة للقضاء على هذه الثورة.
سجن الشيخ عبد العزيز الشريف و نفيّه من "سُوف" :
و بعد هدوء العاصفة ألقت السلطات الفرنسية القبض على الشيخ عبد العزيز و زملائه الشيخ "علي بن ساعد" و "الشيخ عبد القادر الياجوري" و التاجر المناضل "السيد عبد الكامل النجعي" وزجت بهم في السجن.
و قد كتب الإمام ابن باديس عن ذلك في جريدة "البصائر" في عددها 121. فقال :"... عج وادي سوف يوم 18 أفريل بالجنود و العتاد، و رصعت رباه بالمدافع الرشاشة و أردعت أجواؤه بأزير الطائرات فأوشك أهله و نساؤه و أطفاله و بيوته و نخيله أن تنسفهم قنابل الأرض أو تمحقهم صواعق السماء، فذهلت المراضع و وضعت نحو ثلاثين امرأة حملها . . و أصبح الوادي على حين بغتة و قد عطلت أسواقه، و سدت طرقاته، ومنع عنه الداخل و الخارج و ضرب عليه نطاق شديد محكم الحصار . .. ألقي القبض على الشيخ "عبد القادر الياجوري" و السيد "عبد الكامل بن الحاج عبد الله" و سيقوا إلى السجن بقسنطينة، و حشرت جماعات من الناس إلى المركز الإداري و زج بهم في السجن ثم حكم على عدد وفير منهم بالنفي و السخرة، كل هذا و الناس معتصمون بالصبر و منتظرون الفرج ... ثلاثة أسابيع ذاق فيها أهل الوادي ما ذاقوا و طافت فيها الجنود شرقا و غربا و شمالا و جنوبا ..." .
بعد هذه الوقائع الأليمة التي ألمت بوادي سُوف وأهله أتت إلى المنطقة لجنة البحث للكشف عن أصل هذه الحوادث و للاطلاع على حقيقة الواقع ، فساق إليها "القياد" الناس ليشهدوا، وقد جدوا و اجتهدوا في جمع الشهود تحت مظاهر الرهبة و الخوف .
فقامت هذه اللجنة بواجبها بنزاهة و إنصاف و تحققت أن لا ثورة و لا هيجان، و أن لا شيء دبر ضد الحكومة الفرنسية أو الأمن العام ، ففك الحصار عن المنطقة و أهلها و فك أسرالموقوفين و قفلت الجنود راجعة من حيث أتت . . و رفع ذلك الكابوس الثقيل عن وادي سُوف الهادي المطمئن إلا ما بقي من مظالم بعض "القياد" و أعوانهم.
و رغم ذلك فإن الشيخ عبد العزيز و رفاقه بقوا في السجن بدون محاكمة و تكفلت جمعية العلماء المسلمين بالدفاع عنهم و تخليصهم من السجن، مستعينة بالمحامين و رجال القانون.
مكث الشيخ عبد العزيز مع رفاقه بالسجن حوالي أربع سنوات ثم حكم عليهم بالإبعاد و الإقامة الجبرية، فأقام الشيخ عبد العزيز في أول الأمر في "شرشال" ثم انتقل إلى "آزقون" و أخيرا إلى "الجزائر العاصمة" ، و قد أسس بهذه المناطق مراكز للإشعاع الحضاري من مساجد و مدارس لنشر العلم بين أهلها.
و كانت أول زيارة له للجنوب، بعد هذه المحنة هي رحلته إلى "بسكرة" سنة 1946 و التي استغرقت مدة قصيرة، وحاول بعدئذ عدة محاولات للرجوع إلى الوادي و لكنه لم يفلح في ذلك و في سنة 1953 نفي الشيخ عبد العزيز من التراب الوطني و أبعد إلى القطر التونسي الشقيق، فوجد الحالة السياسية متأزمة إبان الثورة التونسية، حيث تطارد السلطات الإستعمارية الزعماء و المجاهدين و تتابع الدستوريين ، مما جعل الشيخ يركن للهدوء و يستكين للاستقرار، فلم يقم بأي نشاط سياسي هناك .
استقراره بتونس و دعمه لثورة أول نوفمبر :
استقر الشيخ عبد العزيز الشريف بتونس العاصمة، وحين إندلاع الثورة الجزائرية في أول نوفمبر 1954 أيد الشيخ عبد العزيز الثورة بكل حماس و قدم الدعم و التأييد لجبهة التحرير الوطني ، حيث تبرع لمصالحها بتونس بمحلات و دكاكين من أملاكه لتستعملها الجبهة في أغراض الثورة، كإيواء المجاهدين و أبناء الشهداء، و مكاتب إدارية و غيرها .
واستمر الشيخ في تدعيم الثورة حتى تحصلت الجزائر على استقلالها في الخامس من جويلية
سنة 1962م إلا أن الشيخ عبد العزيز لم يرجع إلى أرض الوطن بل بقي مقيما
بتونس الشقيقة ، و لازم داره و لم يقم بأي عمل سياسي أو ثقافي يذكر.
وفاته :
عاش الشيخ عبد العزيز ما بقي من أيام حياته بتونس الشقيقة و ذلك بعد أن رأى حلمه و
حلم إخوانه المجاهدين و الشهداء قد تحقق بتحرر الوطن الغالي و عودته الى أحضان
العروبة و الإسلام بعد قرن و ربع القرن من الإحتلال .
و قد كانت وفاته في تونس سنة 1965م بعد أن بلغ من العمر سبعة و ستين سنة ، فرحمة الله تعالى عليه و أسكنه فسيح جناته
هوامش :
هدّة : إنتفاضة , مظاهرة عارمة , ثورة .
عميش : منطقة جنوب وادي سُوف يطلق عليها أيضا القبلة تضم حاليا بلديات البياضة و الرباح
والنخلة و العقلة.
الزاوية : مكان لتعليم القرآن و اللغة العربية و بعض العلوم الشرعية في القرون الماضية .
القيّاد : جمع مفرده قايّد و هم أشخاص تقوم سلطات الاحتلال بتعيينهم كوسطاء بينها و بين أهل البلاد لجمع الضرائب و تبليغ الأهالي و تنفيذ بعض الأحكام وعادة ما يكونون من شيوخ القبائل المتعاونين و الموالين للمحتل .
البهيمة و الزقم : منطقتين شرق وادي سوف يطلق حاليا تسمية بلدية حساني عبد الكريم .
المقرن : منطقة (بلدية) تقع في شمال شرق وادي سُوف
السخرة : العمل عند سلطات الاحتلال و المعمرين بدون تقاضي أجر .
شرشال : مدينة تقع شمال الجزائر تابعة إداريا لولاية تيبازة .
آزقون : منطقة تقع بالقبائل الكبرى .

مجاهدي وشهداء وادي سُوف   يتبع ...

24 ديسمبر 2012

الطبعة الخامسة من مهرجان الموسيقى و الأغنية السوفية

 عاشت مدينة الوادي في الفترة الممتدة بين 15 و 20 من شهر ديسمبر الحالي أجواء إحتفالية بهيجة , بددت سكون المشهد الثقافي بالمنطقة , و ذلك بمناسبة  إقامة المهرجان الثقافي المحلي للموسيقى والأغنية السوفية في طبعته الخامسة و التي تزامنت هذه السنة بالاحتفال بالذكرى السنوية الخمسون للاستقلال .
 بدأ الاحتفال في هذه الطبعة بعرض أوبيرات غنائية  من تلحين الأستاذ "فريد مخلوفي" و إخراج  المبدع "فتحي صحراوي"  بعنوان  "ذاكرة وطن"  شارك في تجسيدها العديد من الوجوه الفنية المحلية و التي شهدت تفاعلا كبيرا من قبل الحاضرين من الجمهور وضيوف المهرجان .

و في أمسية اليوم الثاني انطلقت المنافسات الرسمية بين المتنافسين المشاركين في هذه الطبعة من المهرجان و التي امتدت لثلاثة أماسي متتالية تخللتها وصلات غنائية من فنانين محليين و بعض الفنانين من ضيوف المهرجان إضافة إلى بعض الشباب  المتوجين بجوائز الطبعات السابقة .
وقد شهدت طبعة هذا المهرجان العديد من التكريمات لبعض الوجوه الفنية أبرزها تكريم الفنان القدير  محمد الطاهر فرقاني
 و تكريم المسيرة الفنية لأحد أعمدة الفن الأصيل بالمنطقة المرحوم "محمد بوليفة"  و ذلك بحضور ممثلين عن عائلة الفقيد .

لينتهي المهرجان  كما جرت العادة  بحفل الختام و بإعلان نتائج مختلف المسابقات و التي كانت على النحو التالي:
الجائزة الأولى أي العرجون الذهبي كانت من نصيب : الشاب "يوسف العياشي" .
أما الجائزة الثانية (العرجون الفضي) فكانت من نصيب : الشاب " شريط العروسي" .
وتحصل على الجائزة الثالثة (العرجون البرونزي) الشاب "أحمد غزال" .
أما جائزة احسن أداء على آلة الزرنة فقد عادت للشاب  "علي شريط" .

أما فيما يخص جائزة أحسن لحن  فقد عادت للملحن المحلي  "فريد مخلوفي" . 
و فازت  كلمات الشاعر الشعبي الشاب  "بشيرغريب"  بجائزة أفضل كلمات .
أما فيما يخص جائزة  أحسن بحث في التراث الغنائي السوفي المخصصة للطلبة الجامعيين فقد قررت لجنة تقييم البحوث لهذه الطبعة  حجب الجائزة الاولى .
 فيما عادت الجائزة الثانية للطالبة "صباح معلول" .
 و الجائزة الثالثة فقد عادت للطالب  "بن علي عبد العزيز" .
 تجدر الإشارة إلى ان عدد المتنافسين في أداء الأغاني السوفية في هذه الطبعة كان إثنى عشر متنافسا من الجنسين .

10 نوفمبر 2012

أسواق وادي سُوف بين الأمس و اليوم "صور" (الجزء الثاني )

                         سوق وادي سُوف  : جانب من سوق التحف و الألبسة (سوق دبي)  (2007)








سوق وادي سُوف : جانب من السوق الشعبي للهواتف النقالة (2007)
سوق وادي سُوف : طريق السوق الجنوبي (أولاد أحمد) (2007)

7 نوفمبر 2012

أسواق وادي سُوف بين الأمس و اليوم "صور" (الجزء الأول )

                                سوق وادي سُوف في بداية القرن الماضي (1911م)
سوق وادي سُوف في آواخر السبعينات من القرن الماضي(1977)
سُوق وادي سُوف في آواخر الثمينينات من القرن الماضي(1988)
سوق وادي سُوف في بداية التسعينات من القرن الماضي
سوق وادي سُوف قبل خمس سنوات (2007)

                                                                                                             يتبع ...