Comments system
111
2 مايو 2013
30 أبريل 2013
28 أبريل 2013
25 أبريل 2013
دور وادي سُوف في تسليح الثورة التحريرية الكبرى
تقديم :
إن الموقع الإستراتيجي الذي تتبوؤه وادي سوف باعتبارها منطقة عبور بين شمال الوطن وجنوبه و باعتبارها منطقة حدودية لا تبعد كثيرًا عن الحدود التونسية الليبية و لإشتهار المنطقة منذ بدايات الاحتلال الفرنسي بعمليات تهريب البارود و الأسلحة من الدول المجاورة و التي عجزت سلطات الاحتلال الفرنسي عن إيقافها بصورة نهائية جعلها تلعب دورًا رئيسا في تسليح الثورة منذ بدايتها. كما أن انتشار الحس القومي و الوطني بين صفوف سكان المنطقة في ثلاثينيات و أربعينية القرن الماضي جعل نخبة من أبناء سُوف يتحدون الصعاب و يخاطرون بأنفسهم و أموالهم في سبيل توفير السلاح الذي كان بمثابة الوقود الحيوي الذي احتاجته الثورة فيما بعد من اجل إنطلاقها و استمرارها في مجابهة أشد القوى الاستعمارية بطشا و طغيانا.
كما تطرقنا فيما سبق لجانب من حياة بعض مجاهدي و شهداء منطقة وادي سوف الذين شاركوا في الثورة التحريرية الكبرى سنركز في هذه الأسطرعلى عمليات جلب السلاح من البلدان المجاورة و طرق إيصاله إلى منطقة الأوراس و أبرز الشخصيات التي قامت بهذه الأعمال البطولية .
ظهرت المنظمة الخاصة بمنطقة وادي سوف سنة 1947م ، وبرز معها الفكر الثوري الذي تجسد في عمليات التسليح التي قامت بها حركة انتصار الحريات الديمقراطية قبل اندلاع الثورة التحريرية ، وبعد اندلاعها تولى المهمة النظام المدني التابع لجبهة التحرير الوطني الى غاية اكتشافه سنة 1957م .
تنظـــيم عمليـات الــتسليح :
لقد اتسمت عمليات التسليح بالنظام والدقة ، وكذلك السرية التامة التي كانت أهم شي ركز عليه قادة جبهة التحرير الوطني في هذه العملية ، وقسمت هذه العمليات من حيث التنظيم الى ثلاثة أقسام أساسية وهي كالتالي :
1- النظــــــــام السيـــاسي :
وتترتكز مهمة هذا النظام في تقديم المساعدات المالية للحزب ، من خلال توزيع المناشير والمجلات، والاشتراك في الخلايا والأفواج التي تقوم بمهمة الدعاية والأخبار وكذلك تجنيد المواطنين وبعث الروح الوطنية في نفوسهم، ومدارسة الأوضاع السياسية المختلفة للحزب، وجمع الاشتراكات من المواطنين وإنشاء فروع للحزب في كافة أنحاء المنطقة 2- النظــــــــام العسكــــري :
ويتمثل هذا النظام في المنظمة الخاصة ، التي هي عبارة عن خلية منظمة وسرية ، وهذه الخلية بمنطقة وادي سوف تظم عدة أشخاص وهم : "المولدي ونيسي" رئيسا لهذه الخلية ، "أحمد ميلودي" مسؤولا على تكوين خلايا هذا النظام ، "عبد القادر العمودي" ، "محمد بلحاج ميهي" ، "البشير بن موسى" ، "محمد سلطاني" ، ويقوم هذا النظام بمهمة تدريب المناضلين على العمل العسكري وحرب العصابات ، وتدريبهم على كيفية استعمال السلاح هذه العملية التي كانت تتم في أماكن معزولة عن التجمعات السكانية وفي سرية تامة ، كما يقوم هذا النظام بجمع المواد المتفجرة وصناعة المتفجرات ، وجمع الأسلحة التي كلف بها "محمد بلحاج ميهي" .
محمد بلحاج ورحـــــــــلات الـــتسـلـيح :
لقد لعب الشهيد "ميهي البشير بن عبد القادر" المدعو "محمد بلحاج" دورا كبيرا في هذه العملية، وهو من مواليد 1919م، بالوادي وبالضبط من حي أولاد احمد ، ترعرع وسط عائلة ميسورة الحال ، نظرا لكونه وحيد والديه من حيث الذكور وسط عدة إناث، ولكون والده يملك ثروة معتبرة من النخيل . حفظ البعض من القران الكريم ثم أدخله والده الى المدرسة العربية وهي مدرسة الشيخ "عبد العزيز الشريف" ، كره فرنسا منذ الوهلة الأولى وازداد كرهه لها بعد أن أعدمت السلطات الفرنسية أعمامه الثلاثة وهم : "علي و "سالم" وكذلك "عبد الرحمن" في سجن "لامبيز" ، أحب جمعية العلماء المسلمين وشارك في التظاهرات التي أقيمت بمناسبة زيارة الشيخ "عبد الحميد بن باديس" لوادي سوف سنة 1937م ، كما كان من الشبان الذين قاموا بالانتفاضة رفقة "عبد العزيز الشريف" سنة 1938م والتي تدعى "بهدة عميش الثانية"، حيث قاموا بقتل العديد من العساكر وأحرقوا بعض المرافق ، وقام المستعمر باعتقال العديد من الأهالي وكذلك مقاديم الطريقة القادرية ، حيث أخذوا الى سجن الكدية بقسنطينة ، وذاقوا أبشع أنواع التعذيب ومنهم من مات جراء ذلك . كان "محمد بلحاج" من مؤسسي الخلية الأولى لحزب الشعب بسُوف رفقة الشهيد "ونيسي الهاشمي" الذي كان له الفضل في زرع النواة الأولى لهذا الحزب رفقة "عبد القادر العمودي" و"أحمد ميلودي" وكذلك "ونيسي المولدي" و"الشافعي قدادرة" و"بشير بن موسى". في سنة 1947م كُلف من طرف "محمد بلوزداد" بمهمة جمع السلاح وربط الإتصالات مع منطقة بسكرة والتي كان المسؤول بها "العربي بن مهيدي"، كما أن "عبد الحميد مهري" و"أحمد بودة" و"كذلك "مسعود بوقادوم" لما جاءوا إلى وادي سوف في الحملة الانتخابية لانتخابات المجلس الجزائري سنة 1948م ، قاموا بتحريض الشباب على الإنخراط في النظام ونجحوا في هذا وازداد الانخراط ، وكلف "أحمد ميلودي" بتمثيل حركة الانتصار للحريات الديمقراطية ، في هذه الانتخابات بسوف ، وقد شارك "محمد بلحاج" في اجتماع بلكور لهذه الحركة سنة 1948م .
وفي هذه السنة أيضا اتصل "محمد العربي بن المهيدي" بالمجاهد "محمد بلحاج" وكلفه بجلب الأسلحة من طرابلس وإيصالها الى الاوراس عن طريق القوافل ، فلقد كان مشهورا بتجارة الأسلحة حيث أنه قام بمثل هذا العمل قبل الثورة ، وجلب قافلة سلاح متكونة من خمسة جمال خبئت في منزل "البشير جاب الله" بالرقيبة، وكذلك في الوادي في منزل "عدوكة بلقاسم" ، ثم رتب لها بعد ذلك ونقلت الى الأوراس، وامتد العمل على هذه الوتيرة وتم نقل العديد من كميات السلاح الى "أريس" عن طريق "زريبة حامد" ، كل هذا بتخطيط من "محمد بلحاج" رفقة "عبد القادر العمودي" و "البشير بن موسى".
كما قام "عبد القادر العمودي" رفقة "غندير البشير" بشراء الأسلحة من تجارها في طرابلس وتونس وتوصيلها الى بسكرة ، ثم تم نقلها إلى الأوراس، والجدير بالذكر أن أول دفعة سلاح وصلت الى الأوراس كانت من طرف "محمد بلحاج" سنة 1948م ، حيث تم جلبها بعد السفر إلى ليبيا عن طريق تونس ، وقام "محمد بلحاج" بشراء كمية من السلاح من مخلفات الحرب العالمية الثانية، وساعده في هذه العملية شخص ليبي يدعى "الكوني الشين"، ولقد دامت رحلته هذه حوالي ثلاثة أشهر، ثم رجع "محمد بلحاج" واصطحب معه دليل صحراء ، وعاد بحمولة 07 جمال محملة بقطع السلاح والذخيرة ، وتم توصيلها عن طريق الجمال الى "زريبة حامد" قرب بسكرة وخبئت في أكثر من غوط (بستان للنخيل) شرق الوادي . ثم قام "محمد بلحاج" رفقة "عبد القادر العمودي" بتغيير طريقة تهريب السلاح وأصبحت كميات السلاح تنقل داخل حمولات التمر في الشاحنات المتجهة ناحية بسكرة، وهذا بعد أن أصبحت السلطات تتبع القوافل بعيونها المتمثلة في العملاء وعرافي الأثر(الجرة) ، وتمكنوا من القبض على "غندير البشير" في افريل 1951م .
ولقد كان "محمد بلحاج" أيضا من مؤسسي فوج الرمال للكشافة الإسلامية بالوادي بإشرافه على تدريب الشبان وزرع الروح الوطنية في نفوسهم .
ألقي عليه القبض في سبتمبر1954م بتهمة تهريب السلاح ليفرج عنه أوائل جانفي 1955م حيث تم وضعه تحت الإقامة الجبرية ، وقد تمكن من الفرار من الإقامة الجبرية بعد أن منحه قائد المنطقة الجنوبية جواز سفر بتحايل من الشيخ "طليبة عبد القادر" شيخ عرش "أولاد احمد" ، وانتقل الى تونس.
التحق "محمد بلحاج" بالأمانة العامة في تونس ، وكلفه "السعيد عبد الحي" بالتنسيق بين الأمانة العامة وقيادة "الطالب العربي" ومسؤولية توفير السلاح و المؤونة.
وفي سنة 1956م أرسله مسؤول الأمانة العامة "السعيد عبد الحي" الى مصر لحضور مؤتمر حزبي واستقبله الرئيس "جمال عبد الناصر" شخصيا وأهداه خمس بدلات عسكرية خاصة بالجيش المصري.
ألقي عليه القبض في تونس سنة 1957م وبحوزته كمية من السلاح والذخيرة وبقي في السجن الى غاية 1961م .
والجدير بالذكر أن رحلات شراء الأسلحة كانت قسمين ، قسم جلب من تونس وآخر من ليبيا، وكانت أربعة رحلات من حيث التعداد، وهي كالآتي :
الرحلة الأولى :
تمت هذه الرحلة سنة 1948م، وقد خصص لها مبلغ 8400 فرنك فرنسي، واستغرقت هذه العملية مدة ثلاثة أشهر وأربعة أيام اشرف عليها "زواري أحمد الصادق" بمعية "ميهي محمد بلحاج" ، وكانت عبارة عن قافلة قوامها 3 جمال محملة بما يلي:
*100 استاتي طليان من درج بـليبيا .
* 300 خرطوشة .
الرحلة الثانية :
تمت هذه الرحلة سنة 1948م، وقد خصص لها مبلغ مــالي قدره 300.000 فرنك فرنسي، واستغرقت وقتا قدره شهرين ونصف، وتمت بإشراف "ميهي محمد بلحاج" ، وحمولة هذه الرحلة القادمة من "قصر بن أخداج" بتونس هي عبارة عن 03 جمال محملة بما يلي:
*150 قطعة منها 80 استاتي طليان.
* 30 مسدس.
* 02 قطع مدفع رشاش ألماني الصنع .
*10 قطع رشاش أمريكي الصنع.
*10 بنادق نوع 86.
* 18 أرباعي مع 3000 خرطوشة صنع ايطالي وفرنسي.
الرحلة الثالثة : تمت هذه الرحلة سنة 1949م ، وقد خصص لها مبلغ قدره 500.000 فرنك فرنسي، وهي عبارة عن 06جمال كانت محملة بما يلي:
* 200 قطعة سلاح مختلفة .
* 30 مسدس.
* 1000 بنيار (سكين).
* 5000 خرطوشة مختلفة الصنع.
الرحلة الرابعة : تمت هذه الرحلة سنة 1951م ورصد لها مبلغ يقدر بــ 400.000 فرنك فرنسي، قام بها "ميهي محمد بلحاج" رفقة بعض المناضلين من بينهم "واده علي" و "زواري أحمد الصادق" وكذلك "تامة علي" وشقيقه "الطيب" وكان منطلق هذه الرحلة من "المرازيق" بتونس وهي عبارة عن 03 جمال محملة بما يلي:
*50 بندقية ايطالية الصنع.
*10 ماص 36.
*20 استاتي عيار 7.5.
ـ 2000 خرطوشة.
خط تنقل قوافل جلب السلاح :
كان خط التنقل داخل التراب التونسي انطلاقا من وادي سوف هو المرور "بقرية دوز" الحدودية ثم إلى "حامة بن زيد" ثم "جبل بن اخداج" إلى "أم الدنين" ، "الحواية" ، "بلقردان" ، "تطاوين" ، "دويرات" ، "أولاد دباب" .
أما فيما يخص خط التنقل داخل التراب الليبي فهو المرور بمنطقة : "نالوت" ، "جبل أولاد محمود" ، "الحوامد" ، "أرحيبات"، "فصاطو"، "الزنتان" ، "الرجبان" ، "يفرن" ، "طرابلس" .
كما أن هناك كميات أخرى من الأسلحة جلبت بفضل بعض المناضلين مثل الأسلحة التي سلمت من طرف المناضلين : "أحمد بن غريسي" ، و "العربي عيشوش" خلال سنتي 1946م – 1947م ، وبلغ عدد هذه الأسلحة : مائتان واثنان وثلاثون قطعة سلاح ، زيادة على هذا ما قدمه المناضل "البشير زيتونة" ، و "سعد بن محمد الكبير عيشوش" الذي جلب اثني عشرة قطعة سلاح، كما سلم "المولدي ونيسي" للثورة العديد من الأسلحة من بينها ما يلي :
*11 استاتي.
* رشــاش ايطالي الصنع، و500 خرطوشة.
* مسدس أوتوماتيكي أمريكي الصنع، ومعه 100 خرطوشة.
أماكن تخزين السلاح بمنطقة وادي سُوف :
ومما يجدر الإشارة إليه أن هذه الكميات المعتبرة من الأسلحة كانت تخبأ في عدة أماكن آمنة من بينها : * غوط "بلقاسم عدوكة" شرق مدينة الوادي .
* غوط "قشوط" شمال مقبرة الأعشاش كان يخزن فيه "بشير بن موسى" .
* غوط "محمد بلحاج ميهي" .
*غوط "الطلايبية" جنوب شرق الوادي .
* غيطان بناحية "سيدي سليمان" شرق البياضة .
* منزل "علي بن بردي" في حي النزلة .
*منزل "الطلايبة" جنوب مقبرة أولاد احمد .
*منزل "محمد سلطاني" بعميش .
* منزل "بن علي بن الطالب" في حي الأعشاش .
عمليات نقل الأسلحة للمنطقة الأولى (الأوراس) :
لم يكن نقل السلاح من وادي سوف الى الأوراس أقل خطورة من شراءه ونقله إلى الوطن من تونس وليبيا.ولذا توجب على القائمين بهذه العملية اتخاذ جميع التدابير والحيل للإفلات من الحواجز الأمنية المقامة على الطرقات .
لقد تعددت طرق نقل الأسلحة إلى الاوراس إلى عدة طرق من بينها :
نقل الأسلحة عن طريق الإبل :
وهذه الطريقة رغم أنها صعبة إلا أنها تعد من أحسن الطرق نظرا لان المسالك المستعملة تكون وعرة ومن الصعب اكتشافها، وتتم عملية نقل الأسلحة بمساعدة أفراد يعرفون الصحراء جيدا، وتخبا الأسلحة في أكياس تسمى "الغرارة"، وقام بهذه العمليات كل من : عبد القادر العمودي وبن موسى بشير ومحمد بلحاج حيث تنقل الأسلحة إلى زريبة حامد التي تبعد عن وادي سوف حوالي 200 كلم، و تسلم إلى صغير الصدراتي الذي كان على صلة بمصطفى بن بوالعيد وبهذه الطريقة أي النقل على ظهور الإبل واجه المناضلون الثلاثة متاعب جمة خلال رحلاتهم الأولى سواء من حيث الإرهاق البدني وخطورة الطرق المراقبة من طرف القوات الاستعمارية .
نقل الأسلحة عن طريق الشاحنات والحافلات :
استعمل المناضلون المكلفون بعمليات نقل الأسلحة شركة "دقليون" لنقل المسافرين من الوادي إلى بسكرة، حيث تخبا الأسلحة الصغيرة في صناديق التمر، والذخيرة توضع داخل صناديق الشاي، أما البنادق فتلف في حصائر، ويقوم المناضلون بإحضار الأسلحة إلى مقر الشركة مساءا حيث يتسلمها المناضل العروسي النوبلي، وعندها يقوم مسؤولي النظام بإخبار المناضل الهاشمي الريمي بان الأسلحة توضع غدا في الشاحنة .
نقل الأسلحة عن طــريق القطـــــار :
نقلت الأسلحة عبر القطار بواسطة صناديق التمر المصدرة، التي تغلق بطرق خاصة ويقوم المناضلون لون بوضع علامات مميزة عليها، ثم ترسل إلى محطة الشقة ويتم استقبالها من طرف المناضل "عبد الكريم حشية" ، وفي المخزن المخصص للمحطة يقوم "قدور لخضر لعويني" بسحب البنادق، ويأخذها بوسائله الخاصة نحو بسكرة ، وكانت هذه العملية تحت إشراف "محمد بلحاج ميهي" بمساعدة "بشير عطا الله" الذي كان قائما بشؤون أكبر مصدر تمور نحو فرنسا.
إن الموقع الإستراتيجي الذي تتبوؤه وادي سوف باعتبارها منطقة عبور بين شمال الوطن وجنوبه و باعتبارها منطقة حدودية لا تبعد كثيرًا عن الحدود التونسية الليبية و لإشتهار المنطقة منذ بدايات الاحتلال الفرنسي بعمليات تهريب البارود و الأسلحة من الدول المجاورة و التي عجزت سلطات الاحتلال الفرنسي عن إيقافها بصورة نهائية جعلها تلعب دورًا رئيسا في تسليح الثورة منذ بدايتها. كما أن انتشار الحس القومي و الوطني بين صفوف سكان المنطقة في ثلاثينيات و أربعينية القرن الماضي جعل نخبة من أبناء سُوف يتحدون الصعاب و يخاطرون بأنفسهم و أموالهم في سبيل توفير السلاح الذي كان بمثابة الوقود الحيوي الذي احتاجته الثورة فيما بعد من اجل إنطلاقها و استمرارها في مجابهة أشد القوى الاستعمارية بطشا و طغيانا.
كما تطرقنا فيما سبق لجانب من حياة بعض مجاهدي و شهداء منطقة وادي سوف الذين شاركوا في الثورة التحريرية الكبرى سنركز في هذه الأسطرعلى عمليات جلب السلاح من البلدان المجاورة و طرق إيصاله إلى منطقة الأوراس و أبرز الشخصيات التي قامت بهذه الأعمال البطولية .
ظهرت المنظمة الخاصة بمنطقة وادي سوف سنة 1947م ، وبرز معها الفكر الثوري الذي تجسد في عمليات التسليح التي قامت بها حركة انتصار الحريات الديمقراطية قبل اندلاع الثورة التحريرية ، وبعد اندلاعها تولى المهمة النظام المدني التابع لجبهة التحرير الوطني الى غاية اكتشافه سنة 1957م .
لقد اتسمت عمليات التسليح بالنظام والدقة ، وكذلك السرية التامة التي كانت أهم شي ركز عليه قادة جبهة التحرير الوطني في هذه العملية ، وقسمت هذه العمليات من حيث التنظيم الى ثلاثة أقسام أساسية وهي كالتالي :
1- النظــــــــام السيـــاسي :
وتترتكز مهمة هذا النظام في تقديم المساعدات المالية للحزب ، من خلال توزيع المناشير والمجلات، والاشتراك في الخلايا والأفواج التي تقوم بمهمة الدعاية والأخبار وكذلك تجنيد المواطنين وبعث الروح الوطنية في نفوسهم، ومدارسة الأوضاع السياسية المختلفة للحزب، وجمع الاشتراكات من المواطنين وإنشاء فروع للحزب في كافة أنحاء المنطقة 2- النظــــــــام العسكــــري :
ويتمثل هذا النظام في المنظمة الخاصة ، التي هي عبارة عن خلية منظمة وسرية ، وهذه الخلية بمنطقة وادي سوف تظم عدة أشخاص وهم : "المولدي ونيسي" رئيسا لهذه الخلية ، "أحمد ميلودي" مسؤولا على تكوين خلايا هذا النظام ، "عبد القادر العمودي" ، "محمد بلحاج ميهي" ، "البشير بن موسى" ، "محمد سلطاني" ، ويقوم هذا النظام بمهمة تدريب المناضلين على العمل العسكري وحرب العصابات ، وتدريبهم على كيفية استعمال السلاح هذه العملية التي كانت تتم في أماكن معزولة عن التجمعات السكانية وفي سرية تامة ، كما يقوم هذا النظام بجمع المواد المتفجرة وصناعة المتفجرات ، وجمع الأسلحة التي كلف بها "محمد بلحاج ميهي" .
3- النظــــــــام المـــــــــدني :
أنشأ هذا النظام من طرف "الطالب العربي قمودي" في فيفري 1956م عندما تولى القيادة بعد استشهاد القائد "الجيلاني بن عمر" يوم 20 أكتوبر 1955م بجبل سندس ، الذي عين مكانه "صالح الخنشلي" في نوفمبر 1955م والذي أستشهد في 20 جانفي 1956م ، ثم تولى بعده القائد "الطالب العربي" ، وأوكل مهمة قيادة النظام المدني إلى "البشير غربي" الذي عمل على تكوين الخلايا لهذا النظام ، وعملت هذه الخلايا على الدعاية للثورة والتجنيد، وجمع أموال الاشتراكات والأسلحة ، كما عمل "البشير غربي" على تكوين الخلايا في كافة مناطق وادي سوف ، حيث أسست الخلايا في كل من :
1- خلية حاسي خليفة : ترأس هذا الخلية "البشير غربي" ، وأعضائها هم : "إبراهيم العايب" ، "غبش السايح" ، "غربي اعمارة بن العربي" ، "غربي اعمارة بن عثمان" ، "الضيف الشيحي" ، "ونيسي لمين" .
2- خلية المقرن : ترأسها "حمي بلقاسم" وأعضائها هم : "بتة لعبيدي"، "بتة اعمارة" ، "بن علي خزاني" ، "حمي التجاني" ، "عياشي عمر الطاهر" .
3- خلية الوادي : برئاسة "بن موسى بشير" ، وأعضائها هم : "ونيسي الهاشمي" ، "ميهي محمد بلحاج" ، "لومي أحمد" ، "محمد السروطي (العبسي)" ، "مصباحي مصطفى" .
4- خلية عميش : ترأسها "سلطاني شوشان" وأعضائها هم : "بن عمر أحمد" ، "بكاري الطيب" ، "أحمد التجاني" ، "جديدي محمد الصغير"، "أحمد حنكة" .
5 - خلية قمار : ترأسها "بني العربي" وأعضائها هم : "غوري محمد العيد" ، "شنة عمار"، "دروني رمضان" ، "حماتي لخضر" ، "محمودي العروسي" .
6- خلية الرقيبة : ترأسها "البشير جاب الله" ، وأعضائها هم : "رضواني الساسي" ، "بوضبية العروسي" ، "قديري الطاهر" ، "قريرح بشير" ، "بحة الهادي" .
7- خلية الطريفاوي : ترأسها "حوامدي الجديد" ، وأعضائها هم : "حوامدي الساسي" ، "بلالة لخضر" ، "هويدي عبد القادر"، "بلول عبد القادر" ، "علية العزوزي" .
8- خلية الرباح : ترأسها "البشير تونسي" ، وأعضائها هم : "شاقوري معمر" ، "عسيلة مصطفى" ، "جاب الله عبد الرزاق"، "فرجاني العزوزي"، "الساسي غريبي" .
والجدير بالذكر أن هذا النظام، عمل على جمع العديد من الأسلحة وجمع الأموال، وعمل أيضا على تجنيد اكبر عدد ممكن من المواطنين لصالح جيش التحرير الوطني, والعامل الأساسي الذي ساعد على توسيع نطاق أعمال النظام المدني وانتشاره في مختلف قرى سوف هي غفلة الاستعمار الفرنسي وحرص المناضلين على العمل في سرية تامة.
أنشأ هذا النظام من طرف "الطالب العربي قمودي" في فيفري 1956م عندما تولى القيادة بعد استشهاد القائد "الجيلاني بن عمر" يوم 20 أكتوبر 1955م بجبل سندس ، الذي عين مكانه "صالح الخنشلي" في نوفمبر 1955م والذي أستشهد في 20 جانفي 1956م ، ثم تولى بعده القائد "الطالب العربي" ، وأوكل مهمة قيادة النظام المدني إلى "البشير غربي" الذي عمل على تكوين الخلايا لهذا النظام ، وعملت هذه الخلايا على الدعاية للثورة والتجنيد، وجمع أموال الاشتراكات والأسلحة ، كما عمل "البشير غربي" على تكوين الخلايا في كافة مناطق وادي سوف ، حيث أسست الخلايا في كل من :
1- خلية حاسي خليفة : ترأس هذا الخلية "البشير غربي" ، وأعضائها هم : "إبراهيم العايب" ، "غبش السايح" ، "غربي اعمارة بن العربي" ، "غربي اعمارة بن عثمان" ، "الضيف الشيحي" ، "ونيسي لمين" .
2- خلية المقرن : ترأسها "حمي بلقاسم" وأعضائها هم : "بتة لعبيدي"، "بتة اعمارة" ، "بن علي خزاني" ، "حمي التجاني" ، "عياشي عمر الطاهر" .
3- خلية الوادي : برئاسة "بن موسى بشير" ، وأعضائها هم : "ونيسي الهاشمي" ، "ميهي محمد بلحاج" ، "لومي أحمد" ، "محمد السروطي (العبسي)" ، "مصباحي مصطفى" .
4- خلية عميش : ترأسها "سلطاني شوشان" وأعضائها هم : "بن عمر أحمد" ، "بكاري الطيب" ، "أحمد التجاني" ، "جديدي محمد الصغير"، "أحمد حنكة" .
5 - خلية قمار : ترأسها "بني العربي" وأعضائها هم : "غوري محمد العيد" ، "شنة عمار"، "دروني رمضان" ، "حماتي لخضر" ، "محمودي العروسي" .
6- خلية الرقيبة : ترأسها "البشير جاب الله" ، وأعضائها هم : "رضواني الساسي" ، "بوضبية العروسي" ، "قديري الطاهر" ، "قريرح بشير" ، "بحة الهادي" .
7- خلية الطريفاوي : ترأسها "حوامدي الجديد" ، وأعضائها هم : "حوامدي الساسي" ، "بلالة لخضر" ، "هويدي عبد القادر"، "بلول عبد القادر" ، "علية العزوزي" .
8- خلية الرباح : ترأسها "البشير تونسي" ، وأعضائها هم : "شاقوري معمر" ، "عسيلة مصطفى" ، "جاب الله عبد الرزاق"، "فرجاني العزوزي"، "الساسي غريبي" .
والجدير بالذكر أن هذا النظام، عمل على جمع العديد من الأسلحة وجمع الأموال، وعمل أيضا على تجنيد اكبر عدد ممكن من المواطنين لصالح جيش التحرير الوطني, والعامل الأساسي الذي ساعد على توسيع نطاق أعمال النظام المدني وانتشاره في مختلف قرى سوف هي غفلة الاستعمار الفرنسي وحرص المناضلين على العمل في سرية تامة.
لقد لعب الشهيد "ميهي البشير بن عبد القادر" المدعو "محمد بلحاج" دورا كبيرا في هذه العملية، وهو من مواليد 1919م، بالوادي وبالضبط من حي أولاد احمد ، ترعرع وسط عائلة ميسورة الحال ، نظرا لكونه وحيد والديه من حيث الذكور وسط عدة إناث، ولكون والده يملك ثروة معتبرة من النخيل . حفظ البعض من القران الكريم ثم أدخله والده الى المدرسة العربية وهي مدرسة الشيخ "عبد العزيز الشريف" ، كره فرنسا منذ الوهلة الأولى وازداد كرهه لها بعد أن أعدمت السلطات الفرنسية أعمامه الثلاثة وهم : "علي و "سالم" وكذلك "عبد الرحمن" في سجن "لامبيز" ، أحب جمعية العلماء المسلمين وشارك في التظاهرات التي أقيمت بمناسبة زيارة الشيخ "عبد الحميد بن باديس" لوادي سوف سنة 1937م ، كما كان من الشبان الذين قاموا بالانتفاضة رفقة "عبد العزيز الشريف" سنة 1938م والتي تدعى "بهدة عميش الثانية"، حيث قاموا بقتل العديد من العساكر وأحرقوا بعض المرافق ، وقام المستعمر باعتقال العديد من الأهالي وكذلك مقاديم الطريقة القادرية ، حيث أخذوا الى سجن الكدية بقسنطينة ، وذاقوا أبشع أنواع التعذيب ومنهم من مات جراء ذلك . كان "محمد بلحاج" من مؤسسي الخلية الأولى لحزب الشعب بسُوف رفقة الشهيد "ونيسي الهاشمي" الذي كان له الفضل في زرع النواة الأولى لهذا الحزب رفقة "عبد القادر العمودي" و"أحمد ميلودي" وكذلك "ونيسي المولدي" و"الشافعي قدادرة" و"بشير بن موسى". في سنة 1947م كُلف من طرف "محمد بلوزداد" بمهمة جمع السلاح وربط الإتصالات مع منطقة بسكرة والتي كان المسؤول بها "العربي بن مهيدي"، كما أن "عبد الحميد مهري" و"أحمد بودة" و"كذلك "مسعود بوقادوم" لما جاءوا إلى وادي سوف في الحملة الانتخابية لانتخابات المجلس الجزائري سنة 1948م ، قاموا بتحريض الشباب على الإنخراط في النظام ونجحوا في هذا وازداد الانخراط ، وكلف "أحمد ميلودي" بتمثيل حركة الانتصار للحريات الديمقراطية ، في هذه الانتخابات بسوف ، وقد شارك "محمد بلحاج" في اجتماع بلكور لهذه الحركة سنة 1948م .
وفي هذه السنة أيضا اتصل "محمد العربي بن المهيدي" بالمجاهد "محمد بلحاج" وكلفه بجلب الأسلحة من طرابلس وإيصالها الى الاوراس عن طريق القوافل ، فلقد كان مشهورا بتجارة الأسلحة حيث أنه قام بمثل هذا العمل قبل الثورة ، وجلب قافلة سلاح متكونة من خمسة جمال خبئت في منزل "البشير جاب الله" بالرقيبة، وكذلك في الوادي في منزل "عدوكة بلقاسم" ، ثم رتب لها بعد ذلك ونقلت الى الأوراس، وامتد العمل على هذه الوتيرة وتم نقل العديد من كميات السلاح الى "أريس" عن طريق "زريبة حامد" ، كل هذا بتخطيط من "محمد بلحاج" رفقة "عبد القادر العمودي" و "البشير بن موسى".
كما قام "عبد القادر العمودي" رفقة "غندير البشير" بشراء الأسلحة من تجارها في طرابلس وتونس وتوصيلها الى بسكرة ، ثم تم نقلها إلى الأوراس، والجدير بالذكر أن أول دفعة سلاح وصلت الى الأوراس كانت من طرف "محمد بلحاج" سنة 1948م ، حيث تم جلبها بعد السفر إلى ليبيا عن طريق تونس ، وقام "محمد بلحاج" بشراء كمية من السلاح من مخلفات الحرب العالمية الثانية، وساعده في هذه العملية شخص ليبي يدعى "الكوني الشين"، ولقد دامت رحلته هذه حوالي ثلاثة أشهر، ثم رجع "محمد بلحاج" واصطحب معه دليل صحراء ، وعاد بحمولة 07 جمال محملة بقطع السلاح والذخيرة ، وتم توصيلها عن طريق الجمال الى "زريبة حامد" قرب بسكرة وخبئت في أكثر من غوط (بستان للنخيل) شرق الوادي . ثم قام "محمد بلحاج" رفقة "عبد القادر العمودي" بتغيير طريقة تهريب السلاح وأصبحت كميات السلاح تنقل داخل حمولات التمر في الشاحنات المتجهة ناحية بسكرة، وهذا بعد أن أصبحت السلطات تتبع القوافل بعيونها المتمثلة في العملاء وعرافي الأثر(الجرة) ، وتمكنوا من القبض على "غندير البشير" في افريل 1951م .
ولقد كان "محمد بلحاج" أيضا من مؤسسي فوج الرمال للكشافة الإسلامية بالوادي بإشرافه على تدريب الشبان وزرع الروح الوطنية في نفوسهم .
ألقي عليه القبض في سبتمبر1954م بتهمة تهريب السلاح ليفرج عنه أوائل جانفي 1955م حيث تم وضعه تحت الإقامة الجبرية ، وقد تمكن من الفرار من الإقامة الجبرية بعد أن منحه قائد المنطقة الجنوبية جواز سفر بتحايل من الشيخ "طليبة عبد القادر" شيخ عرش "أولاد احمد" ، وانتقل الى تونس.
التحق "محمد بلحاج" بالأمانة العامة في تونس ، وكلفه "السعيد عبد الحي" بالتنسيق بين الأمانة العامة وقيادة "الطالب العربي" ومسؤولية توفير السلاح و المؤونة.
وفي سنة 1956م أرسله مسؤول الأمانة العامة "السعيد عبد الحي" الى مصر لحضور مؤتمر حزبي واستقبله الرئيس "جمال عبد الناصر" شخصيا وأهداه خمس بدلات عسكرية خاصة بالجيش المصري.
ألقي عليه القبض في تونس سنة 1957م وبحوزته كمية من السلاح والذخيرة وبقي في السجن الى غاية 1961م .
والجدير بالذكر أن رحلات شراء الأسلحة كانت قسمين ، قسم جلب من تونس وآخر من ليبيا، وكانت أربعة رحلات من حيث التعداد، وهي كالآتي :
الرحلة الأولى :
تمت هذه الرحلة سنة 1948م، وقد خصص لها مبلغ 8400 فرنك فرنسي، واستغرقت هذه العملية مدة ثلاثة أشهر وأربعة أيام اشرف عليها "زواري أحمد الصادق" بمعية "ميهي محمد بلحاج" ، وكانت عبارة عن قافلة قوامها 3 جمال محملة بما يلي:
*100 استاتي طليان من درج بـليبيا .
* 300 خرطوشة .
الرحلة الثانية :
تمت هذه الرحلة سنة 1948م، وقد خصص لها مبلغ مــالي قدره 300.000 فرنك فرنسي، واستغرقت وقتا قدره شهرين ونصف، وتمت بإشراف "ميهي محمد بلحاج" ، وحمولة هذه الرحلة القادمة من "قصر بن أخداج" بتونس هي عبارة عن 03 جمال محملة بما يلي:
*150 قطعة منها 80 استاتي طليان.
* 30 مسدس.
* 02 قطع مدفع رشاش ألماني الصنع .
*10 قطع رشاش أمريكي الصنع.
*10 بنادق نوع 86.
* 18 أرباعي مع 3000 خرطوشة صنع ايطالي وفرنسي.
الرحلة الثالثة : تمت هذه الرحلة سنة 1949م ، وقد خصص لها مبلغ قدره 500.000 فرنك فرنسي، وهي عبارة عن 06جمال كانت محملة بما يلي:
* 200 قطعة سلاح مختلفة .
* 30 مسدس.
* 1000 بنيار (سكين).
* 5000 خرطوشة مختلفة الصنع.
الرحلة الرابعة : تمت هذه الرحلة سنة 1951م ورصد لها مبلغ يقدر بــ 400.000 فرنك فرنسي، قام بها "ميهي محمد بلحاج" رفقة بعض المناضلين من بينهم "واده علي" و "زواري أحمد الصادق" وكذلك "تامة علي" وشقيقه "الطيب" وكان منطلق هذه الرحلة من "المرازيق" بتونس وهي عبارة عن 03 جمال محملة بما يلي:
*50 بندقية ايطالية الصنع.
*10 ماص 36.
*20 استاتي عيار 7.5.
ـ 2000 خرطوشة.
خط تنقل قوافل جلب السلاح :
كان خط التنقل داخل التراب التونسي انطلاقا من وادي سوف هو المرور "بقرية دوز" الحدودية ثم إلى "حامة بن زيد" ثم "جبل بن اخداج" إلى "أم الدنين" ، "الحواية" ، "بلقردان" ، "تطاوين" ، "دويرات" ، "أولاد دباب" .
أما فيما يخص خط التنقل داخل التراب الليبي فهو المرور بمنطقة : "نالوت" ، "جبل أولاد محمود" ، "الحوامد" ، "أرحيبات"، "فصاطو"، "الزنتان" ، "الرجبان" ، "يفرن" ، "طرابلس" .
كما أن هناك كميات أخرى من الأسلحة جلبت بفضل بعض المناضلين مثل الأسلحة التي سلمت من طرف المناضلين : "أحمد بن غريسي" ، و "العربي عيشوش" خلال سنتي 1946م – 1947م ، وبلغ عدد هذه الأسلحة : مائتان واثنان وثلاثون قطعة سلاح ، زيادة على هذا ما قدمه المناضل "البشير زيتونة" ، و "سعد بن محمد الكبير عيشوش" الذي جلب اثني عشرة قطعة سلاح، كما سلم "المولدي ونيسي" للثورة العديد من الأسلحة من بينها ما يلي :
*11 استاتي.
* رشــاش ايطالي الصنع، و500 خرطوشة.
* مسدس أوتوماتيكي أمريكي الصنع، ومعه 100 خرطوشة.
أماكن تخزين السلاح بمنطقة وادي سُوف :
ومما يجدر الإشارة إليه أن هذه الكميات المعتبرة من الأسلحة كانت تخبأ في عدة أماكن آمنة من بينها : * غوط "بلقاسم عدوكة" شرق مدينة الوادي .
* غوط "قشوط" شمال مقبرة الأعشاش كان يخزن فيه "بشير بن موسى" .
* غوط "محمد بلحاج ميهي" .
*غوط "الطلايبية" جنوب شرق الوادي .
* غيطان بناحية "سيدي سليمان" شرق البياضة .
* منزل "علي بن بردي" في حي النزلة .
*منزل "الطلايبة" جنوب مقبرة أولاد احمد .
*منزل "محمد سلطاني" بعميش .
* منزل "بن علي بن الطالب" في حي الأعشاش .
عمليات نقل الأسلحة للمنطقة الأولى (الأوراس) :
لم يكن نقل السلاح من وادي سوف الى الأوراس أقل خطورة من شراءه ونقله إلى الوطن من تونس وليبيا.ولذا توجب على القائمين بهذه العملية اتخاذ جميع التدابير والحيل للإفلات من الحواجز الأمنية المقامة على الطرقات .
لقد تعددت طرق نقل الأسلحة إلى الاوراس إلى عدة طرق من بينها :
نقل الأسلحة عن طريق الإبل :
وهذه الطريقة رغم أنها صعبة إلا أنها تعد من أحسن الطرق نظرا لان المسالك المستعملة تكون وعرة ومن الصعب اكتشافها، وتتم عملية نقل الأسلحة بمساعدة أفراد يعرفون الصحراء جيدا، وتخبا الأسلحة في أكياس تسمى "الغرارة"، وقام بهذه العمليات كل من : عبد القادر العمودي وبن موسى بشير ومحمد بلحاج حيث تنقل الأسلحة إلى زريبة حامد التي تبعد عن وادي سوف حوالي 200 كلم، و تسلم إلى صغير الصدراتي الذي كان على صلة بمصطفى بن بوالعيد وبهذه الطريقة أي النقل على ظهور الإبل واجه المناضلون الثلاثة متاعب جمة خلال رحلاتهم الأولى سواء من حيث الإرهاق البدني وخطورة الطرق المراقبة من طرف القوات الاستعمارية .
نقل الأسلحة عن طريق الشاحنات والحافلات :
استعمل المناضلون المكلفون بعمليات نقل الأسلحة شركة "دقليون" لنقل المسافرين من الوادي إلى بسكرة، حيث تخبا الأسلحة الصغيرة في صناديق التمر، والذخيرة توضع داخل صناديق الشاي، أما البنادق فتلف في حصائر، ويقوم المناضلون بإحضار الأسلحة إلى مقر الشركة مساءا حيث يتسلمها المناضل العروسي النوبلي، وعندها يقوم مسؤولي النظام بإخبار المناضل الهاشمي الريمي بان الأسلحة توضع غدا في الشاحنة .
نقل الأسلحة عن طــريق القطـــــار :
نقلت الأسلحة عبر القطار بواسطة صناديق التمر المصدرة، التي تغلق بطرق خاصة ويقوم المناضلون لون بوضع علامات مميزة عليها، ثم ترسل إلى محطة الشقة ويتم استقبالها من طرف المناضل "عبد الكريم حشية" ، وفي المخزن المخصص للمحطة يقوم "قدور لخضر لعويني" بسحب البنادق، ويأخذها بوسائله الخاصة نحو بسكرة ، وكانت هذه العملية تحت إشراف "محمد بلحاج ميهي" بمساعدة "بشير عطا الله" الذي كان قائما بشؤون أكبر مصدر تمور نحو فرنسا.
22 أبريل 2013
تراجع التنظيم القبَلِي بوادي سُوف (الجزء الخامس و الأخير)
وصلت قيادة القبائل المحلية ذروتها خلال هذه الفترة، لكنها كانت تفقد بالفعل قاعدتها السياسية. تحت السيطرة المباشرة من الضباط الفرنسيين وكان القياد لا يتمتعون بإستقلالية الحكم على الناس مثل ما كان عليه "علي باي" و "إبن إدريس" .
بعد التهدئة في جنوب تونس أصبحت الحاجة إلى القادة العسكريين في تضاؤل مستمر . في بداية الثمانينات من القرن التاسع عشر تم إحصاء حوالي 250 رجلا من المتعاونين مع السلطات الفرنسية (goum) ، في التسعينيات انخفض هذا العدد إلى حوالي 50 رجل وعام 1907 كان عدد الخيالة في الخدمة الفعلية 15 فارسًا .
كما أن وظيفة زعماء القبائل في جمع الضرائب لم تعد تحضى بالشعبية , كما أصبحت الأنشطة الإدارية الفرنسية أكثر كثافة ، وكانت هناك زيادة في الطلب على الموظفين المبتدئين من السكان المحليين ، الذين يتم ترشيحهم في البداية بناء على توصية من زعماء التجانية. في ذلك الوقت كانت الطريقة الرحمانية في الواقع هي أكبر الطرق في سُوف، ولكن تم تقسيم قيادتها بين خطين متنافسين من المشايخ، وكانت بالتالي غير قادرة على لعب دور سياسي فعال .
أما الطريقة التجانية فيبدو أنها كانت تأمل في تمديد نفوذها جنبا إلى جنب مع التوسع الفرنسي في الجنوب الجزائري والصحراء . حتى الآن بدأ الضباط الفرنسيون يدركون بأن زعماء القبائل لم يكونوا من الطبقة الأرستقراطية المتعارف عليها ، وبالتالي فهم حلفاء ضعفاء إلى حد ما في أفضل الحالات . تم الاعتراف رسميا بالجماعة (مجلس المشايخ و الأعيان ) في عام 1896 ولكن هذه الأخيرة كانت مترددة في التعاون بشكل وثيق مع الفرنسيين . مع مساعدة من زعماء التجانية يأمل الفرنسيون في إقامة نوع من الشرعية لحكمهم في عيون رعاياهم من الجزائريين .
أما الطريقة التجانية فيبدو أنها كانت تأمل في تمديد نفوذها جنبا إلى جنب مع التوسع الفرنسي في الجنوب الجزائري والصحراء . حتى الآن بدأ الضباط الفرنسيون يدركون بأن زعماء القبائل لم يكونوا من الطبقة الأرستقراطية المتعارف عليها ، وبالتالي فهم حلفاء ضعفاء إلى حد ما في أفضل الحالات . تم الاعتراف رسميا بالجماعة (مجلس المشايخ و الأعيان ) في عام 1896 ولكن هذه الأخيرة كانت مترددة في التعاون بشكل وثيق مع الفرنسيين . مع مساعدة من زعماء التجانية يأمل الفرنسيون في إقامة نوع من الشرعية لحكمهم في عيون رعاياهم من الجزائريين .
أما الطريقة القادرية فقد كان لها أتباع في بعض المناطق في سُوف منذ أوائل القرن التاسع عشر ، ولكنها ظلت صغيرة نسبيا حتى الآن . في عام 1887 قدم شقيقين طموحين من الزاوية القادرية في نفطة (جنوب تونس) إلى الجزائر وأسسا زواية قادرية في سُوف و أخرى في ورقلة . وخلافا لزعماء التجانية الذين كانوا يحبذون دائما حياة العزلة نوعا ما عن العامة ، كان الشيخ سي الهاشمي الذي جاء إلى سُوف ، شخصية تعايش الحياة العامة . واقتداء بالتجانية فإنه كان يسعى الى توسيع نطاق نفوذه من خلال العمل مع الفرنسيين بصفتة الراعي لأتباعه . معظم الضباط الفرنسيين قابلوه بنوع من الريبة وإنعدام الثقة ، كما أن القياد المحليين وزعماء التجانية الذي كانوا قد وصلوا إلى تسوية مؤقتة لم يكونوا يحبذون تقاسم غنائم السلطة مع منافس آخر و قد شجعهم في ذلك عدم الثقة الفرنسية في هذا الوافد الجديد . وقد كانت المنافسة بين التجانية و القادرية عادة ما تكون في الشؤون المحلية البسيطة و التافهة .
ولكن هذه المنافسة قد كانت قاسية في مناسبتين و بينت جانبا من الفضائح التي تورط فيها الزعماء الدينيين في سُوف و التي جذبت إليها الدعاية على نطاق واسع .
المناسبة الأولى : في 8 من شهر جوان عام 1896 أغتيل "الماركيز دي موريس" من قبل الطوارق في منطقة الحدود بين تونس والجزائر وطرابلس . كان هذا الأرستقراطي الفرنسي متزوجا من وريثتة الأمريكية ، فكان مغامرًا يشعر بجنون العظمة نوعا ما ، ورجل قيادي في الحركة ضد مناهضة السامية الفرنسية منذ التسعينات من القرن الثامن عشر . و كان يتصور أن التجارة عبر الصحراء كانت لا تزال مصدرا رائعا للثروة ، وكان يتوقع أنه سيتحصل على حصة من تلك الثروة . وعندما قام الجيش الفرنسي بحظر التنقل في الصحراء لأسباب تتعلق بالسلامة ، اعتقد "موريس" أن الضباط الفرنسيين في الجنوب كانوا يسعون لاحتكار الثروات الطائلة من التجارة عبر الصحراء لأنفسهم . لذلك فقد ذهب إلى جنوب تونس ، ثم تسلل سرًا إلى الجنوب ، وانضم إلى مجموعة من الطوارق و الشعانبة ، الذين عرضوا عليه نقله معهم إلى غدامس ، حيث قاموا باغتياله بها بعد بضعة أيام . أبدت السلطات الفرنسية في الجزائر وتونس القليل من الحماس للقبض على القتلة . كما أنهم كانوا يعتقدون أن "موريس" كان مسؤولا إلى حد كبير عن مصيره . كما رأى الجنرال قائد قسنطينة أن المشروع المفضل لديه في التحالف السلمي مع الطوارق أصبح مهددا باتخاذ أي إجراء انتقامي فرنسي . كما أن الأصدقاء الذين ينشطون ضد معادة السامية في الجزائر وفي فرنسا قد حللوا الأحداث بشكل مختلف وزعموا أن السلطات الفرنسية قد حرضت على قتل "موريس" للتخلص من خصم سياسي خطير. في سُوف بدأ زعيم القادرية الشيخ سي الهاشمي يسقط الإتهامات على منافسه الشيخ سي العروسي زعيم التجانية حيث زعم أن الشيخ سي العروسي هو من حرض على القتل . إذ كان سي العروسي يسعى في الواقع إلى توسيع نفوذه بين الطوارق ، وربما كان غير راغب مثل السلطات الفرنسية نفسها في تقويض هذه الجهود عبر تتبع هؤلاء القتلة . في يونيو 1898 عند قيام شقيق الشيخ سي الهاشمي الشيخ محمد الطيب زعيم الزاوية القادرية في ورقلة بجولة في الصحراء ، إلتقى خلالها بثلاثة من القتلة ، فكان قادرا على مرافقتهم، ومن ثم تسليمه إلى السلطات الفرنسية في جنوب تونس . وقد تلقت السلطات الفرنسية هذه الهدية بشيء أقل من الحماس. لأنها قد جعلتها في وضعية محرجة تجاه أصدقاء السياسية . قادة القادرية ربما قد بالغوا كثيرًا في تقديرالنفوذ السياسي للحركات ضد مناهضة السامية و اعتقادهم بأنها تشكل تحالف قوي مع المعارضة الفرنسية . فالسلطات تستطيع بصعوبة أن ترفض جلب القتلة إلى المحاكمة ، ولكن لم يكن هناك أي دليل على وجود أي مؤامرة في هذه القضية ، ولكن الجدل استمر حول هذه القضية لعدة عقود.
المناسبة الثانية : في عام 1899 قدم إلى وادي سُوف من أجل هذه القضية أيضا "إيزابيل إيبرهارت" كانت هذه الفتاة الروسية المهاجرة في بداية العشرينات من العمر. قد أصبحت في رحلة سابقة مفتونة بشمال أفريقيا بصفة عامة و بوادي سوف على وجه الخصوص . و كانت قد اعتنقت الإسلام ، وكانت تتنقل و هي ترتدي زي الفتيان العرب . في عام 1899 التقت بأرملة "موريس" في باريس فعرضت عليها مبلغًا من المال من أجل العودة إلى سُوف لجمع المعلومات حول هذه القضية التي يبدو أنها قد لقيت منها القليل من الاهتمام بمجرد ذهابها إلى هناك . انضمت إلى الطريقة القادرية لتأمن لنفسها بعض الحماية الغير رسمية من الشيخ سي الهاشمي وبدأت علاقة غرامية بينها وبين جندي جزائري من فرقة الصبايحية يعمل هناك في الحامية المحلية ، و قالت بأنها ستتزوج به في وقت لاحق .
تابع القائد الفرنسي النقيب "كوفات" " Cauvet " ظاهرة هذه الفتاة الأوروبية بنوع من الإنبهار و الريبة .
في يناير 1900 زارت "إيزابيل" قرية البهيمة مع الشيخ سي الهاشمي ، فتعرضت هناك لهجوم بالسيف على يد متطرف ديني وأصيبت في ذراعها. وكان الجاني من أتباع الطريقة التجانية ، و قد أعلن أنه تصرف بهذا الشكل لأن "إيزابيل" أقدمت على إهانة الإسلام من خلال ملابسها الرجالية وسلوكها .
المناسبة الأولى : في 8 من شهر جوان عام 1896 أغتيل "الماركيز دي موريس" من قبل الطوارق في منطقة الحدود بين تونس والجزائر وطرابلس . كان هذا الأرستقراطي الفرنسي متزوجا من وريثتة الأمريكية ، فكان مغامرًا يشعر بجنون العظمة نوعا ما ، ورجل قيادي في الحركة ضد مناهضة السامية الفرنسية منذ التسعينات من القرن الثامن عشر . و كان يتصور أن التجارة عبر الصحراء كانت لا تزال مصدرا رائعا للثروة ، وكان يتوقع أنه سيتحصل على حصة من تلك الثروة . وعندما قام الجيش الفرنسي بحظر التنقل في الصحراء لأسباب تتعلق بالسلامة ، اعتقد "موريس" أن الضباط الفرنسيين في الجنوب كانوا يسعون لاحتكار الثروات الطائلة من التجارة عبر الصحراء لأنفسهم . لذلك فقد ذهب إلى جنوب تونس ، ثم تسلل سرًا إلى الجنوب ، وانضم إلى مجموعة من الطوارق و الشعانبة ، الذين عرضوا عليه نقله معهم إلى غدامس ، حيث قاموا باغتياله بها بعد بضعة أيام . أبدت السلطات الفرنسية في الجزائر وتونس القليل من الحماس للقبض على القتلة . كما أنهم كانوا يعتقدون أن "موريس" كان مسؤولا إلى حد كبير عن مصيره . كما رأى الجنرال قائد قسنطينة أن المشروع المفضل لديه في التحالف السلمي مع الطوارق أصبح مهددا باتخاذ أي إجراء انتقامي فرنسي . كما أن الأصدقاء الذين ينشطون ضد معادة السامية في الجزائر وفي فرنسا قد حللوا الأحداث بشكل مختلف وزعموا أن السلطات الفرنسية قد حرضت على قتل "موريس" للتخلص من خصم سياسي خطير. في سُوف بدأ زعيم القادرية الشيخ سي الهاشمي يسقط الإتهامات على منافسه الشيخ سي العروسي زعيم التجانية حيث زعم أن الشيخ سي العروسي هو من حرض على القتل . إذ كان سي العروسي يسعى في الواقع إلى توسيع نفوذه بين الطوارق ، وربما كان غير راغب مثل السلطات الفرنسية نفسها في تقويض هذه الجهود عبر تتبع هؤلاء القتلة . في يونيو 1898 عند قيام شقيق الشيخ سي الهاشمي الشيخ محمد الطيب زعيم الزاوية القادرية في ورقلة بجولة في الصحراء ، إلتقى خلالها بثلاثة من القتلة ، فكان قادرا على مرافقتهم، ومن ثم تسليمه إلى السلطات الفرنسية في جنوب تونس . وقد تلقت السلطات الفرنسية هذه الهدية بشيء أقل من الحماس. لأنها قد جعلتها في وضعية محرجة تجاه أصدقاء السياسية . قادة القادرية ربما قد بالغوا كثيرًا في تقديرالنفوذ السياسي للحركات ضد مناهضة السامية و اعتقادهم بأنها تشكل تحالف قوي مع المعارضة الفرنسية . فالسلطات تستطيع بصعوبة أن ترفض جلب القتلة إلى المحاكمة ، ولكن لم يكن هناك أي دليل على وجود أي مؤامرة في هذه القضية ، ولكن الجدل استمر حول هذه القضية لعدة عقود.
المناسبة الثانية : في عام 1899 قدم إلى وادي سُوف من أجل هذه القضية أيضا "إيزابيل إيبرهارت" كانت هذه الفتاة الروسية المهاجرة في بداية العشرينات من العمر. قد أصبحت في رحلة سابقة مفتونة بشمال أفريقيا بصفة عامة و بوادي سوف على وجه الخصوص . و كانت قد اعتنقت الإسلام ، وكانت تتنقل و هي ترتدي زي الفتيان العرب . في عام 1899 التقت بأرملة "موريس" في باريس فعرضت عليها مبلغًا من المال من أجل العودة إلى سُوف لجمع المعلومات حول هذه القضية التي يبدو أنها قد لقيت منها القليل من الاهتمام بمجرد ذهابها إلى هناك . انضمت إلى الطريقة القادرية لتأمن لنفسها بعض الحماية الغير رسمية من الشيخ سي الهاشمي وبدأت علاقة غرامية بينها وبين جندي جزائري من فرقة الصبايحية يعمل هناك في الحامية المحلية ، و قالت بأنها ستتزوج به في وقت لاحق .
تابع القائد الفرنسي النقيب "كوفات" " Cauvet " ظاهرة هذه الفتاة الأوروبية بنوع من الإنبهار و الريبة .
في يناير 1900 زارت "إيزابيل" قرية البهيمة مع الشيخ سي الهاشمي ، فتعرضت هناك لهجوم بالسيف على يد متطرف ديني وأصيبت في ذراعها. وكان الجاني من أتباع الطريقة التجانية ، و قد أعلن أنه تصرف بهذا الشكل لأن "إيزابيل" أقدمت على إهانة الإسلام من خلال ملابسها الرجالية وسلوكها .
إيزابيل إيبراهارت |
استمر العداء بين التجانية و القادرية على الأقل لأكثر من عقدين . إذ لم يحرز سي الهاشمي على ثقة الفرنسيين ، و مع ذلك فقد نجح في كسب العديد من الأتباع الجدد للطريقة القادرية و خصوصا خلال الحرب العالمية الأولى عندما عارض الحظر الفرنسي على التجارة مع غدامس التي كانت تشهد حالة من التمرد ضد الإيطاليين ، كما قام في نوفمبر 1918 بتنظيم مظاهرة مناهضة للفرنسيين بعد أن قام الفرنسيون بتجنيد العمال الجزائريين للعمل في فرنسا و ما تلى ذلك من شائعات حول أن الفرنسيون يعملون ذلك كغطاء من أجل تجنيدهم لاحقا للعمل في الجيش بفرنسا . كما قام حشد من الناس بقيادة الشيخ سي الهاشمي بالاعتصام أمام مكتب القائد الفرنسي . استغل الفرنسيون هذه الفرصة و قاموا بنفيه إلى تونس لفترة من الوقت . توفي الشيخ سي الهاشمي في عام 1923 كما توفي ابنه البكر بعده بفترة وجيزة . قام ابنه الأصغرسي عبد العزيز بالتصالح مع زعماء التجانية في عام 1924 . إذا كان سي عبد العزيز شخصية ضعيفة ، ولذلك فقد اكتسب نفوذا سياسيا ضئيلا . في عام 1938 قام بتأييد أول مظاهرة وطنية في الواد ، فتم نفيه فيما بعد إلى تونس . كما أن خلفاء الشيخ سي العروسي من زعماء التجانية فيما بعد كانوا يتصفون بالكثير من ضعف الشخصية و ابتداء من العشرينات كانت الهيمنة السياسية من قبل الزعماء الدينيين شيئًا من الماضي ، على الرغم من احتفاظهم بالعديد من الأتباع إلى يومنا هذا . و بداية من الثلاثينات أصبحت المبادرة السياسية في أيدي الوطنيين الجزائريين ، الذين كانت قياداتهم تنتمي للفئات الاجتماعية الأخرى (رجال الأعمال، والعمال المهاجرين، والشباب المتكونيين على النمط الغربي) دون النظر كثيرا لانتماءاتهم القبلية أو الدينية . القياد و المشايخ أصبحوا على نحو متزايد دمى لدى السلطات الفرنسية دون تأثير أو هيبة خاصة بهم ، وغالبا ما كانوا غير أكفاء حتى في أعين أسيادهم . احتفظ الزعماء الدينيين بهيبتهم أطول مدة من القادة العلمانيين ، لأنهم كانوا أقل تورطا في الأعمال و الأنشطة التي لا تحظى بشعبية مثل جمع الضرائب أو قمع التهريب . مع ذلك فإنه على المدى الطويل أصبح واضحا جدا ، أنهم لم يتمكنوا من إحداث تغيرات أساسية كبيرة في السياسة الفرنسية . كما أن إنتشرالإسلام البعيد عن تأثيرات الطرق الصوفية من قبل جمعية العلماء المسلمين في عشرينيات و ثلاثينيات القرن العشرين أصبح أكثر و كان له بعض التأثير في سُوف، وبخاصة في قرية "الزقم" . و قد تلقت الطرق الصوفية دعما أكبر في عام 1945 قبل نصف قرن لأن الناس لم يبحثوا عن قيادات سياسية كبيرة في ذلك الوقت .
وكانت كل من القيادة العلمانية والدينية في المناطق القبلية التقليدية خاضعة لقواعد المنافسة المستمرة والتنافس . كانت القيادة العلمانية ضعيفة جدا في سُوف في أيام ما قبل الاحتلال ، و لكنها أصبحت أكثر أهمية وو ضوح بين عامي 1860 و 1890 عندما أصبح زعماء القبائل يشكلون وساطة فعالة مع السلطات الخارجية . لم تشكل الزعمات الدينية ولا العلمانية أرستقراطية وراثية ثابته . فالقيادة تميل إلى أن تكون وراثية لكن المنافسة المستمرة جعلت هذه الوراثة ضعيفة سرعان ما أزيلت بسرعة و هو ما دفع إلى بروز كفاءت أخرى إلى الصدارة. و مع ذلك لم تسمح السلطات الاستعمارية لهذا النوع من الاضطرابات السياسية والدينية أن تؤدي لاختيار قادة أكفاء ولم تقم باستبدالهم ببعض العمليات الانتخابية الفعالة من أجل الاختيار . فقد تبين أن كلا من القيادة العلمانية والدينية قد أصبحتا أكثر وراثية مما كانتا عليه من قبل ، حيث أنها عانت من مصير جميع المؤسسات العائلية المغلقة ، ففي غضون بضعة أجيال سيأتي حتما إلى السلطة وريث غير كفء . البرجوازية التجارية التي كانت موجودة بالفعل في أيام ما قبل الاحتلال و التي لم تكن تمارس القيادة السياسية هي الوحيدة القادرة على الحفاظ على مكانتها ، فقد ظلت المنافسة التجارية ممكنة ، و حركة العبور من وإلى تونس وليبيا لا يمكن حظرها أبدا بفعالية . كما أن المنافسة من قبل رجال الأعمال الفرنسيين لم تكن قوية في الجنوب . التجار أيضا لديهم المال الذي يمكنهم من أن يقدموا لأبنائهم تعليمًا حديثًا وتأهيلهم لشغل وظائف حكومية في الجزائر المستقلة . بعض العائلات التجارية القديمة ترتبط ارتباطا مباشرًا بالهياكل الاجتماعية بسُوف في القرن التاسع عشر .
إنتهى
20 أبريل 2013
تراجع التنظيم القبَلِي بوادي سُوف (الجزء الرابع)
... في تلك السنوات نجد أول ذكر لرجلين لا يزالان شابين نسبيا هما "حمو موسى" و "أحمد بن تواتي" اللذين أصبحا من القادة المحليين الرئيسيين في سُوف في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. في ذلك الوقت كان شيوخ بعض الفصائل البسيطة من طرود منشغلين بالإغارة والإغارة المضادة ضد هجمات البدو و لكن مشاركة سكان القرى المستقرة في ذلك كانت قليلة . القوة الأعظم في أول الأمر بقيت في أيدي "علي باي بن فرحات" حاكم تقرت وممثله في سُوف. في فترة الستينات من القرن السابع عشر كانت الأوضاع هادئة نسبيا لفترة في سُوف، باستثناء بعض الإغارات ، ولكن في عام 1871 انفجرت الأوضاع. حيث حفزت هزيمة الفرنسيين في حرب 1871/1870 على نطاق واسع لمكافحة المقاومة ضد الفرنسيين في الجزائر .
ظلت الأمور هادئة في البداية حول بسكرة و سُوف.و كانت الحامية الفرنسية ببسكرة قد دعيت للمساعدة في الأوراس. فقبل رحيله أمر القائد الفرنسي "بن قانة" و عائلة "بوعكاز" بتعبئة المحاربين في منطقة بسكرة ونشرهم في جميع أنحاء الواحة وذلك تحسبا لأي هجوم مفاجئ . و قد راقب كل فصيل من هذين الفصيلين بعضهما البعض مع عدم الثقة ، خوفا من أن يحاول الطرف الآخر اغتصاب السلطة في حالة انهيار السلطة الفرنسية هناك. وكان "علي باي" قد ترك تقرت مع بعض الشكوك ، لأن المتاعب بدأت تزداد في منطقة ورقلة، فوضع أفراد أسرته تحت حماية الزاوية التجانية في "قمار" بوادي سُوف.
صورة قديمة لبسكرة |
في منطقة ورقلة قام أحد الزعماء الدينيين المؤثرين ، والمعروف باسم "بوشوشة" بالسيطرة على كامل الواحة في مارس من عام 1871. و في 13 مايو عام 1871 دخل مجموعة من فرسانه إلى تقرت فلقي ذلك ترحيبا من قبل السكان. فتم القبض على أفراد الحامية الفرنسية الصغيرة بالمنطقة و على ستة من أقارب "علي باي" والذين قتلوا بعد ذلك ببضعة أيام .
في بسكرة كان "علي باي" مشغولا بمساعدة بعض القرى ضد عمليات النهب والسلب التي لحقت بهم و لم يكن في البداية حريصا على السير إلى تقرت. و في يوم 24 من شهر جوان وصل "علي باي" مع بعض من قواته إلى تقرت ، ولكن هبوب عواصف عاتية على المدينة في 8 جويلية أفشل مهمته و جعل قواته تعاني من نقص الإمدادات الغذائية . في حين تمكن "بوشوشة" في 10 جويلية مع عدد من جنوده من دخول المدينة المحاصرة ، أما قوة "علي باي" فقد تفرقت بسرعة وعاد إلى منطقة بسكرة.
و قبل قدوم "بوشوشة" إلى تقرت كان قد ذهب إلى سُوف من أجل القبض على أفراد عائلة "علي باي" بقمار , ففي يوم 4 مايو حاول القيام بهجوم مفاجئ على قمار قتل خلاله 60 شخصا من الأهالي و جرح 100 آخرين و تم نهب جزء من قمار و أجل هجومه على الزاوية إلى اليوم الموالي.
دعى زعماء "قمار" حلفاءهم من "كوينين" و "الزقم" لمساعدتهم . وفي يوم 6 مايو إمتنع "بوشوشة" عن مواجهة قوة كبيرة من السوافة ورفض قتالهم، وعندما عرضوا عليه تعويضه عن الخيول التي قتلت خلال الهجوم ، قبل بمغادرة سُوف، وذهب إلى تقرت , في وقت لاحق من ذلك الصيف استخدم أتباع "بن قانة" في سُوف (تغزوت كوينين و الزقم) اتصالاتهم مع فروع الرحمانية في جنوب تونس للحصول على كميات كبيرة من البارود، التي عرضت من قبل للبيع لبوشوشة . فقاومت حركة "بوعكاز" (قمار الواد و الدبيلة ) هذه الصفقة على أمل كسر احتكار حركة أخرى لتجارة البارود المربحة .و بعد نشوب بعض المناوشات بشوارع "تغزوت" ، أصيب خلالها 24 شخصا اضطر باعة البارود لتعويض "قمار" وحلفائها تدفع 25.000 فرنك منها لبوشوشة في شهر مايو وتعويضا لعمليات النهب والقتل التي شهدتها "قمار" في تلك المناسبة .
هذه الحوادث تبين بوضوح ما كان عليه التنظيم القبلي في سُوف و ما لم يكن عليه , ففي البداية حين هددت "قمار" من قبل عدوان خارجي طلبت المساعدة من فصيل "أولاد سعود" و لكن بعد ذلك بوقت قصير ، فإن هؤلاء الحلفاء على استعداد للتحالف مع المعتدي نفسه ضد الحلفاء السابقين ، فهم يعملون الآن في إطار تحالف مع جماعات أخرى لهم علاقات تجارية جيدة في جنوب تونس , وكان هذا الموقف هو الذي جعلهم يقومون بمعارضة "علي باي" ، الذي كان ملزما بتطبيق الحظر الفرنسي لمكافحة الاتجار بالبارود . انضمت "قمار" الآن بسرعة إلى تحالف أولئك الذين ليست لديهم علاقات تجارية مواتية في تونس، وذلك لانتهاز الفرصة ولمحاولة اقتحام احتكار تجارة البارود والحصول على حصة من الأرباح. في سُوف لم تكن التحالفات ثابته كما لاحظ المراقبون الفرنسيون ذلك بل كانت عبارة عن تحالفات مرنة تتكيف مع المصالح السياسية الظرفية.
في 27 ديسمبر 1871 استعادت القوات الفرنسية تقرت فاتهم "علي باي" عائلة "بن قانة" بأنها كانت على اتصال مع بوشوشة (و في تقرير فرنسي لاحق يرى أنه ربما كان الحق في ذلك) ولكن السلطات الفرنسية في ذلك الوقت اختارت تجاهله ، وفي شهر فبرايرعام 1872 تم نقل "علي باي" إلى مهمة أخرى خارج المنطقة .
أصبح الجنرال "جالفيت" "Gallifet" ورؤسائه حذرين من تركيز قدر كبير من السلطة في أيدي العائلات الأرستقراطية الجزائرية فقد تحولت في كثير من الأحيان إلى أن تكون مشكوك في ولائها للفرنسيين .
عين مغامر إيطالي اعتنق الإسلام يدعى "العربي المملوك" الذي عمل لسنوات عديدة في الخدمة مع القوات الفرنسية (قائد فرقة الصبايحية) كخليفة على سُوف.
كان "العربي المملوك" دخيلا على النظام المحلي بين مختلف الفصائل فلقي معارضة من معظم وجهاء سُوف ، و قد حفز ذلك عائلة "بن قانة" التي عارضت ترشيحه , كما لقي أيضا معارضة من الزاوية التجانية في "تماسين" و "قمار" و قد ذكر تقرير فرنسي أن عمليات الإبتزاز التي كان يمارسها في سُوف كانت سيئة للغاية وفي غضون سنة من ذلك تم عزله بصفة تامة.
في نوفمبر عام 1873 تم إغتياله أثناء سفره إلى بسكرة و فر القتلة ، وهم أربعة رجال من سُوف إلى تونس. تم اعتقل "أحمد بن تواتي" أحد أهم الوجهاء في سُوف الذي كان معارضا له، و اتهم كشريك في هذه العملية ، ولكن تم اطلاق سراحه بعد فترة من الوقت بسبب عدم كفاية الأدلة .
إكتشفت السلطات الفرنسية تدريجيا خلفيات عملية الإغتيال التي يبدو أنه لم يتورط فيها وجهاء المنطقة بشكل مباشرة، ولكن الجماعة (مجالس الوجهاء من فصائل مختلفة) والتي لم يكن معترف بها رسميا في ذلك الوقت من قبل السلطات الفرنسية، قد اتخذت هذا القرار . كان الزعيم الفعلي للقتلة رجل له ثأرشخصي ضد "العربي المملوك" بسبب إكتشافه تورط هذا الأخير في إنتهاك عرض زوجة أخيه .
اختارت السلطات الفرنسية أخيرًا تجاهل أعماق و خلفيات هذه القضية .
في بداية تعيين "العربي المملوك" كخليفة على سُوف ، لم يكن له تأثير كبير فكان يعتمد اعتمادا كليا على أحد المشايخ المحليين " حمو موسى" الذي عين كخليفة على كل (طرود) كان "حمو موسى" واحدًا من القادة السياسيين القلائل في سُوف الذين لا يبدو أنهم اشتركوا في المؤامرة ضد "العربي المملوك" فقد كان على علاقة جيدة مع زعماء التجانية ، على الرغم من أنه لم يكن عضوا في هذه الطريقة و لم يكن ذلك في صالح منافسه "أحمد بن تواتي" باعتباره مشتبها به في اغتيال "العربي المملوك" في الوقت الراهن , و في وقت لاحق . بعد سنة تقريبا أصبحت حظوظه السياسية مرهونة بسبب تعيين "سعيد بن إدريس" أحد الملازمين من فرقة الصبايحية كآغا على ورقلة و تقرت عام 1872 و لأنه كان مقربًا من السلطات الفرنسية لتمكنه من إعتقال زعيم المقاومين "بوشوشة" فقد حصل على إدارة سُوف كتعويض له بعد وضع منطقة ورقلة تحت السلطة المباشرة للإدارة الفرنسية .
فقام بمعارضة النفوذ السياسي المتزايد للطريقة التجانية واستبدالها بسرعة بـ " حمو موسى" و" أحمد بن تواتي" هذا الأخير الذي عانى كثيرًا من المشاكل بسبب اتهام قادة التجانية له باغتيال "العربي المملوك"، وبالتالي فهو يبدو كخيار جيد لقيادة سياسة مكافحة نفوذ الطريقة التجانية .
رأى "أحمد بن تواتي" وزعماء التجانية في ذلك الوقت أنه ليس هناك أي فائدة من هذا الصراع المتبادل خلال تلك السنوات ، فتمكنوا من التوصل إلى اتفاق ضمني يحدد مناطق النفوذ المتبادل بينهم . لم تكن الزعمات الدينية مهتمة بالإدارة الضريبية والقيادة العسكرية بل حاولوا بدلا من ذلك توظيف عملائهم السياسيين للعمل كقضاة محليين و في الأعمال القانونية والإدارية . فهذه المجموعة من المناصب التي يمكن أن تكون فعالة تماما وأقل عرضة لتقلبات السياسة الفرنسية والقبلية.
وعلى مدى نصف قرن فقد قسمت الزعمات القبلية والدينية نفوذهم على أساس هذا المبدأ. عندما بدأ "حمو موسى: بالدعوة للتحريض ضد "إبن إدريس"، و لعل آخر ما ألب التجانية ضد هذا الأخير هو العثور على كمية كبيرة من البارود المهربة في الزاوية التجانية بقمار في شهر جويلية 1875 فألقي القبض على "حمو موسى" لتورطه في التهريب . وكان "أحمد بن تواتي" أقل حماسا حول هذا الحدث . وقال انه لا يتعارض مع "حمو موسى" والتجانية في نفس الوقت . كانت هذه الضربات القوية ضد تجارة البارود بالمنطقة لا تحظى بالشعبية من أي شخص في سُوف و لذلك فقد قرر "سعيد بن إدريس" إسقاطها .
في سبتمبر 1875 قام شقيق "بن إدريس" باختطاف اثنين من المتورطين في قتل "العربي المملوك" من الجنوب التونسي وقام بتسليمهم للسلطات الفرنسية في بسكرة. وهذا ما دفع السلطات الفرنسية لإعادة فتح التحقيق في هذه القضية ، فقامت باستدعاء "أحمد بن تواتي" إلى بسكرة لهذا الغرض . وقد وجد هذا الأخير ذريعة لعدم الذهاب ، ومع ذلك وفي شهر ديسمبر تمكن السجناء من الهروب من سجن بسكرة بعد أن سمح لهم رقيب فرنسي بذلك بعد تلقيه لرشوة . علمت السلطات الفرنسية الآن بما فيه الكفاية أن المشتبه فيه هو "أحمد بن تواتي" فقررت اقالته من منصبه بتهمة الابتزاز . كما عاد "حمو موسى" مرة أخرى خليفة لطرود .
عندما زار الجنرال "قسطنطين" سُوف في شهر مارس 1876 تم استقباله بشكل جيد من قبل عائلة "بن تواتي" وأمر "سعيد بن إدريس" أتباعه بقبول نصائح "أحمد بن تواتي" في جميع المسائل الإدارية. في شهر جوان عام 1876 تضايق العقيد الفرنسي في بسكرة و "بن إدريس" بما فيه الكفاية لأنه و بعد تعيين أحد الضباط من الصبايحية الدخلاء عن سُوف كخليفة لطرود كان عاجزا عن القيام بأي شيء من دون مساعدة من أحد الزعماء "حمو موسى" و "أحمد بن تواتي" ومع ذلك وفي نوفمبر 1876 قام "بن إدريس" بالتضييق على هاذين المتنافسين القديمين الآن وقال إنه تمكن من جعلهما بعيدين عن التأثير عن الفصائل في سُوف و عن جميع الناس .
في بسكرة كان "علي باي" مشغولا بمساعدة بعض القرى ضد عمليات النهب والسلب التي لحقت بهم و لم يكن في البداية حريصا على السير إلى تقرت. و في يوم 24 من شهر جوان وصل "علي باي" مع بعض من قواته إلى تقرت ، ولكن هبوب عواصف عاتية على المدينة في 8 جويلية أفشل مهمته و جعل قواته تعاني من نقص الإمدادات الغذائية . في حين تمكن "بوشوشة" في 10 جويلية مع عدد من جنوده من دخول المدينة المحاصرة ، أما قوة "علي باي" فقد تفرقت بسرعة وعاد إلى منطقة بسكرة.
المجاهد : بوشوشة |
دعى زعماء "قمار" حلفاءهم من "كوينين" و "الزقم" لمساعدتهم . وفي يوم 6 مايو إمتنع "بوشوشة" عن مواجهة قوة كبيرة من السوافة ورفض قتالهم، وعندما عرضوا عليه تعويضه عن الخيول التي قتلت خلال الهجوم ، قبل بمغادرة سُوف، وذهب إلى تقرت , في وقت لاحق من ذلك الصيف استخدم أتباع "بن قانة" في سُوف (تغزوت كوينين و الزقم) اتصالاتهم مع فروع الرحمانية في جنوب تونس للحصول على كميات كبيرة من البارود، التي عرضت من قبل للبيع لبوشوشة . فقاومت حركة "بوعكاز" (قمار الواد و الدبيلة ) هذه الصفقة على أمل كسر احتكار حركة أخرى لتجارة البارود المربحة .و بعد نشوب بعض المناوشات بشوارع "تغزوت" ، أصيب خلالها 24 شخصا اضطر باعة البارود لتعويض "قمار" وحلفائها تدفع 25.000 فرنك منها لبوشوشة في شهر مايو وتعويضا لعمليات النهب والقتل التي شهدتها "قمار" في تلك المناسبة .
هذه الحوادث تبين بوضوح ما كان عليه التنظيم القبلي في سُوف و ما لم يكن عليه , ففي البداية حين هددت "قمار" من قبل عدوان خارجي طلبت المساعدة من فصيل "أولاد سعود" و لكن بعد ذلك بوقت قصير ، فإن هؤلاء الحلفاء على استعداد للتحالف مع المعتدي نفسه ضد الحلفاء السابقين ، فهم يعملون الآن في إطار تحالف مع جماعات أخرى لهم علاقات تجارية جيدة في جنوب تونس , وكان هذا الموقف هو الذي جعلهم يقومون بمعارضة "علي باي" ، الذي كان ملزما بتطبيق الحظر الفرنسي لمكافحة الاتجار بالبارود . انضمت "قمار" الآن بسرعة إلى تحالف أولئك الذين ليست لديهم علاقات تجارية مواتية في تونس، وذلك لانتهاز الفرصة ولمحاولة اقتحام احتكار تجارة البارود والحصول على حصة من الأرباح. في سُوف لم تكن التحالفات ثابته كما لاحظ المراقبون الفرنسيون ذلك بل كانت عبارة عن تحالفات مرنة تتكيف مع المصالح السياسية الظرفية.
في 27 ديسمبر 1871 استعادت القوات الفرنسية تقرت فاتهم "علي باي" عائلة "بن قانة" بأنها كانت على اتصال مع بوشوشة (و في تقرير فرنسي لاحق يرى أنه ربما كان الحق في ذلك) ولكن السلطات الفرنسية في ذلك الوقت اختارت تجاهله ، وفي شهر فبرايرعام 1872 تم نقل "علي باي" إلى مهمة أخرى خارج المنطقة .
صورة قديمة لتقرت |
نحو الحكم الفرنسي المباشر لوادي سُوف:
في مارس 1872 دخلت القوات الفرنسية تحت قيادة الجنرال الشهير"جاليفت" "Gallifet" إلى سُوف ففرض غرامة قدرها 2400 من الأغنام و1700 من الإبل وقد رافقهم أحد أبناء عائلة "بن قانة" كمترجم لهم , حيث أن "بن قانة" كان يأمل في تولي السلطة في تقرت وسُوف، فالآن قد فقد "علي باي" مصداقيته عند الفرنسيين .
عين مغامر إيطالي اعتنق الإسلام يدعى "العربي المملوك" الذي عمل لسنوات عديدة في الخدمة مع القوات الفرنسية (قائد فرقة الصبايحية) كخليفة على سُوف.
كان "العربي المملوك" دخيلا على النظام المحلي بين مختلف الفصائل فلقي معارضة من معظم وجهاء سُوف ، و قد حفز ذلك عائلة "بن قانة" التي عارضت ترشيحه , كما لقي أيضا معارضة من الزاوية التجانية في "تماسين" و "قمار" و قد ذكر تقرير فرنسي أن عمليات الإبتزاز التي كان يمارسها في سُوف كانت سيئة للغاية وفي غضون سنة من ذلك تم عزله بصفة تامة.
في نوفمبر عام 1873 تم إغتياله أثناء سفره إلى بسكرة و فر القتلة ، وهم أربعة رجال من سُوف إلى تونس. تم اعتقل "أحمد بن تواتي" أحد أهم الوجهاء في سُوف الذي كان معارضا له، و اتهم كشريك في هذه العملية ، ولكن تم اطلاق سراحه بعد فترة من الوقت بسبب عدم كفاية الأدلة .
إكتشفت السلطات الفرنسية تدريجيا خلفيات عملية الإغتيال التي يبدو أنه لم يتورط فيها وجهاء المنطقة بشكل مباشرة، ولكن الجماعة (مجالس الوجهاء من فصائل مختلفة) والتي لم يكن معترف بها رسميا في ذلك الوقت من قبل السلطات الفرنسية، قد اتخذت هذا القرار . كان الزعيم الفعلي للقتلة رجل له ثأرشخصي ضد "العربي المملوك" بسبب إكتشافه تورط هذا الأخير في إنتهاك عرض زوجة أخيه .
اختارت السلطات الفرنسية أخيرًا تجاهل أعماق و خلفيات هذه القضية .
في بداية تعيين "العربي المملوك" كخليفة على سُوف ، لم يكن له تأثير كبير فكان يعتمد اعتمادا كليا على أحد المشايخ المحليين " حمو موسى" الذي عين كخليفة على كل (طرود) كان "حمو موسى" واحدًا من القادة السياسيين القلائل في سُوف الذين لا يبدو أنهم اشتركوا في المؤامرة ضد "العربي المملوك" فقد كان على علاقة جيدة مع زعماء التجانية ، على الرغم من أنه لم يكن عضوا في هذه الطريقة و لم يكن ذلك في صالح منافسه "أحمد بن تواتي" باعتباره مشتبها به في اغتيال "العربي المملوك" في الوقت الراهن , و في وقت لاحق . بعد سنة تقريبا أصبحت حظوظه السياسية مرهونة بسبب تعيين "سعيد بن إدريس" أحد الملازمين من فرقة الصبايحية كآغا على ورقلة و تقرت عام 1872 و لأنه كان مقربًا من السلطات الفرنسية لتمكنه من إعتقال زعيم المقاومين "بوشوشة" فقد حصل على إدارة سُوف كتعويض له بعد وضع منطقة ورقلة تحت السلطة المباشرة للإدارة الفرنسية .
فقام بمعارضة النفوذ السياسي المتزايد للطريقة التجانية واستبدالها بسرعة بـ " حمو موسى" و" أحمد بن تواتي" هذا الأخير الذي عانى كثيرًا من المشاكل بسبب اتهام قادة التجانية له باغتيال "العربي المملوك"، وبالتالي فهو يبدو كخيار جيد لقيادة سياسة مكافحة نفوذ الطريقة التجانية .
رأى "أحمد بن تواتي" وزعماء التجانية في ذلك الوقت أنه ليس هناك أي فائدة من هذا الصراع المتبادل خلال تلك السنوات ، فتمكنوا من التوصل إلى اتفاق ضمني يحدد مناطق النفوذ المتبادل بينهم . لم تكن الزعمات الدينية مهتمة بالإدارة الضريبية والقيادة العسكرية بل حاولوا بدلا من ذلك توظيف عملائهم السياسيين للعمل كقضاة محليين و في الأعمال القانونية والإدارية . فهذه المجموعة من المناصب التي يمكن أن تكون فعالة تماما وأقل عرضة لتقلبات السياسة الفرنسية والقبلية.
وعلى مدى نصف قرن فقد قسمت الزعمات القبلية والدينية نفوذهم على أساس هذا المبدأ. عندما بدأ "حمو موسى: بالدعوة للتحريض ضد "إبن إدريس"، و لعل آخر ما ألب التجانية ضد هذا الأخير هو العثور على كمية كبيرة من البارود المهربة في الزاوية التجانية بقمار في شهر جويلية 1875 فألقي القبض على "حمو موسى" لتورطه في التهريب . وكان "أحمد بن تواتي" أقل حماسا حول هذا الحدث . وقال انه لا يتعارض مع "حمو موسى" والتجانية في نفس الوقت . كانت هذه الضربات القوية ضد تجارة البارود بالمنطقة لا تحظى بالشعبية من أي شخص في سُوف و لذلك فقد قرر "سعيد بن إدريس" إسقاطها .
في سبتمبر 1875 قام شقيق "بن إدريس" باختطاف اثنين من المتورطين في قتل "العربي المملوك" من الجنوب التونسي وقام بتسليمهم للسلطات الفرنسية في بسكرة. وهذا ما دفع السلطات الفرنسية لإعادة فتح التحقيق في هذه القضية ، فقامت باستدعاء "أحمد بن تواتي" إلى بسكرة لهذا الغرض . وقد وجد هذا الأخير ذريعة لعدم الذهاب ، ومع ذلك وفي شهر ديسمبر تمكن السجناء من الهروب من سجن بسكرة بعد أن سمح لهم رقيب فرنسي بذلك بعد تلقيه لرشوة . علمت السلطات الفرنسية الآن بما فيه الكفاية أن المشتبه فيه هو "أحمد بن تواتي" فقررت اقالته من منصبه بتهمة الابتزاز . كما عاد "حمو موسى" مرة أخرى خليفة لطرود .
عندما زار الجنرال "قسطنطين" سُوف في شهر مارس 1876 تم استقباله بشكل جيد من قبل عائلة "بن تواتي" وأمر "سعيد بن إدريس" أتباعه بقبول نصائح "أحمد بن تواتي" في جميع المسائل الإدارية. في شهر جوان عام 1876 تضايق العقيد الفرنسي في بسكرة و "بن إدريس" بما فيه الكفاية لأنه و بعد تعيين أحد الضباط من الصبايحية الدخلاء عن سُوف كخليفة لطرود كان عاجزا عن القيام بأي شيء من دون مساعدة من أحد الزعماء "حمو موسى" و "أحمد بن تواتي" ومع ذلك وفي نوفمبر 1876 قام "بن إدريس" بالتضييق على هاذين المتنافسين القديمين الآن وقال إنه تمكن من جعلهما بعيدين عن التأثير عن الفصائل في سُوف و عن جميع الناس .
أعلن طرود عزمهم الهجرة إلى تونس ، وراجت بعض الشائعات التي تدعي بأن باي تونس ينبغي أن يعين ممثلا له لقيادة سُوف تحت سلطته بما أن السلطة الفرنسية قد أصبحت شبه معدومة هناك تردد الفرنسيون في بداية الأمر ، ولكن بعد عام واحد أقيل "بن إدريس" في نهاية المطاف.
وضعت سُوف الآن تحت السيطرة المباشرة من طرف الضباط الفرنسيين ، يساعدهم في ذلك ثلاثة خلفاء محليين اثنين منهم من طرود لكن في الواقع لم يكن باستطاعة هؤلاء الرجال الضعفاء فعل أي شيء دون موافقة وتعاون "أحمد بن تواتي" و "حمو موسى" ولكن السلطات الفرنسية كانت في البداية غير راغبة في إعادة هاذين الزعيمين الأصليين الذين تم إقالتهما من قبل. في عام 1881 عادت حالة اللاستقرار بالمنطقة مرة أخرى بسبب الغزو الفرنسي لتونس و قد استغرق الأمر أربعة أو خمسة سنوات لتهدئة الجنوب التونسي من قبل الفرنسيين . وهكذا أنشئت حامية فرنسية صغيرة دائمة في سُوف كما كثرإعتماد الفرنسيين على تجنيد بعض الفرسان المحليين غير النظاميين و استخدامهم في دوريات الحراسة .
أصبح من غير العملي بصورة متزايدة اعتماد الضباط الفرنسيين العمل مع رجال ضعفاء بدلا من الزعماء المحليين الحقيقيين ، وبعد كثير من التردد البيروقراطي أعيد "أحمد بن تواتي" و "حمو موسى" كقائدين للفصيلين الرئيسيين لطرود ، وهو المنصب الذي احتفظا به حتى الموت بعد عشرة و عشرين عاما على التوالي .
إضافة تسمية توضيحيةصورة قديمة لوادي سُوف |
أصبح من غير العملي بصورة متزايدة اعتماد الضباط الفرنسيين العمل مع رجال ضعفاء بدلا من الزعماء المحليين الحقيقيين ، وبعد كثير من التردد البيروقراطي أعيد "أحمد بن تواتي" و "حمو موسى" كقائدين للفصيلين الرئيسيين لطرود ، وهو المنصب الذي احتفظا به حتى الموت بعد عشرة و عشرين عاما على التوالي .
يتبع ...
15 مارس 2013
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)
-
19- الشهيد : محمد الأخضر الشايب (حمة لخضر) : اشتهر باسمه الحربي (حمة لخضر), ولد بقرية الجديدة التاب...
-
بسم الله الرحمن الرحيم فتاوى مقالات صوتيات لا توجد فتاوى ذات صلة لا توجد مقالات ذات صلة لا توجد صوتيات ذات صل...