Comments system

111

أهلا وسهلا بكم في وادي سوف الأصيل ***وادي سوف الأصيل ***

20 أبريل 2013

تراجع التنظيم القبَلِي بوادي سُوف (الجزء الرابع)

... في تلك السنوات نجد أول ذكر لرجلين لا يزالان شابين نسبيا هما "حمو موسى" و "أحمد بن تواتي" اللذين أصبحا من القادة المحليين الرئيسيين في سُوف في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. في ذلك الوقت كان شيوخ بعض الفصائل البسيطة من طرود منشغلين بالإغارة والإغارة المضادة ضد هجمات البدو و لكن مشاركة سكان القرى المستقرة في ذلك كانت قليلة . القوة الأعظم في أول الأمر بقيت في أيدي "علي باي بن فرحات" حاكم تقرت وممثله في سُوف. في فترة الستينات من القرن السابع عشر كانت الأوضاع هادئة نسبيا لفترة في سُوف، باستثناء بعض الإغارات ، ولكن في عام 1871 انفجرت الأوضاع. حيث حفزت هزيمة الفرنسيين في حرب 1871/1870 على نطاق واسع لمكافحة المقاومة ضد الفرنسيين في الجزائر .
 صورة قديمة لبسكرة
ظلت الأمور هادئة في البداية حول بسكرة و سُوف.و كانت الحامية الفرنسية ببسكرة قد دعيت للمساعدة في الأوراس. فقبل رحيله أمر القائد الفرنسي "بن قانة" و عائلة "بوعكاز" بتعبئة المحاربين في منطقة بسكرة ونشرهم في جميع أنحاء الواحة وذلك تحسبا لأي هجوم مفاجئ . و قد راقب كل فصيل من هذين الفصيلين بعضهما البعض مع عدم الثقة ، خوفا من أن يحاول الطرف الآخر اغتصاب السلطة في حالة انهيار السلطة الفرنسية هناك. وكان "علي باي" قد ترك تقرت مع بعض الشكوك ، لأن المتاعب بدأت تزداد في منطقة ورقلة، فوضع أفراد أسرته تحت حماية الزاوية التجانية في "قمار" بوادي سُوف.  
في منطقة ورقلة قام أحد الزعماء الدينيين المؤثرين ، والمعروف باسم "بوشوشة" بالسيطرة على كامل الواحة في مارس من عام 1871. و في 13 مايو عام 1871 دخل مجموعة من فرسانه إلى تقرت فلقي ذلك ترحيبا من قبل السكان. فتم القبض على أفراد الحامية الفرنسية الصغيرة بالمنطقة و على ستة من أقارب "علي باي" والذين قتلوا بعد ذلك ببضعة أيام .
في بسكرة كان "علي باي" مشغولا بمساعدة بعض القرى ضد عمليات النهب والسلب التي لحقت بهم و لم يكن في البداية حريصا على السير إلى تقرت. و في يوم 24 من شهر جوان وصل "علي باي" مع بعض من قواته إلى تقرت ، ولكن هبوب عواصف عاتية على المدينة في 8 جويلية أفشل مهمته و جعل قواته تعاني من نقص الإمدادات الغذائية . في حين تمكن "بوشوشة" في 10 جويلية مع عدد من جنوده من دخول المدينة المحاصرة ، أما قوة "علي باي" فقد تفرقت بسرعة وعاد إلى منطقة بسكرة.
المجاهد : بوشوشة
و قبل قدوم "بوشوشة" إلى تقرت كان قد ذهب إلى سُوف من أجل القبض على أفراد عائلة "علي باي" بقمار , ففي يوم 4 مايو حاول القيام بهجوم مفاجئ على قمار قتل خلاله 60 شخصا من الأهالي و جرح 100 آخرين و تم نهب جزء من قمار و أجل هجومه على الزاوية إلى اليوم الموالي.
دعى زعماء "قمار" حلفاءهم من "كوينين" و "الزقم" لمساعدتهم . وفي يوم 6 مايو إمتنع "بوشوشة" عن مواجهة قوة كبيرة من السوافة ورفض قتالهم، وعندما عرضوا عليه تعويضه عن الخيول التي قتلت خلال الهجوم ، قبل بمغادرة سُوف، وذهب إلى تقرت , في وقت لاحق من ذلك الصيف استخدم أتباع "بن قانة" في سُوف (تغزوت كوينين و الزقم) اتصالاتهم مع فروع الرحمانية في جنوب تونس للحصول على كميات كبيرة من البارود، التي عرضت من قبل للبيع لبوشوشة . فقاومت حركة "بوعكاز" (قمار الواد و الدبيلة ) هذه الصفقة على أمل كسر احتكار حركة أخرى لتجارة البارود المربحة .و بعد نشوب بعض المناوشات بشوارع "تغزوت" ، أصيب خلالها 24 شخصا اضطر باعة البارود لتعويض "قمار" وحلفائها تدفع 25.000 فرنك منها لبوشوشة في شهر مايو وتعويضا لعمليات النهب والقتل التي شهدتها "قمار" في تلك المناسبة .
هذه الحوادث تبين بوضوح ما كان عليه التنظيم القبلي في سُوف و ما لم يكن عليه , ففي البداية حين هددت "قمار" من قبل عدوان خارجي طلبت المساعدة من فصيل "أولاد سعود" و لكن بعد ذلك بوقت قصير ، فإن هؤلاء الحلفاء على استعداد للتحالف مع المعتدي نفسه ضد الحلفاء السابقين ، فهم يعملون الآن في إطار تحالف مع جماعات أخرى لهم علاقات تجارية جيدة في جنوب تونس , وكان هذا الموقف هو الذي جعلهم يقومون بمعارضة "علي باي" ، الذي كان ملزما بتطبيق الحظر الفرنسي لمكافحة الاتجار بالبارود . انضمت "قمار" الآن بسرعة إلى تحالف أولئك الذين ليست لديهم علاقات تجارية مواتية في تونس، وذلك لانتهاز الفرصة ولمحاولة اقتحام احتكار تجارة البارود والحصول على حصة من الأرباح. في سُوف لم تكن التحالفات ثابته كما لاحظ المراقبون الفرنسيون ذلك بل كانت عبارة عن تحالفات مرنة تتكيف مع المصالح السياسية الظرفية.
في 27 ديسمبر 1871 استعادت القوات الفرنسية تقرت فاتهم "علي باي" عائلة "بن قانة" بأنها كانت على اتصال مع بوشوشة (و في تقرير فرنسي لاحق يرى أنه ربما كان الحق في ذلك) ولكن السلطات الفرنسية في ذلك الوقت اختارت تجاهله ، وفي شهر فبرايرعام 1872 تم نقل "علي باي" إلى مهمة أخرى خارج المنطقة .

صورة قديمة لتقرت

نحو الحكم الفرنسي المباشر لوادي سُوف:
في مارس 1872 دخلت القوات الفرنسية تحت قيادة الجنرال الشهير"جاليفت" "Gallifet" إلى سُوف ففرض غرامة قدرها 2400 من الأغنام و1700 من الإبل وقد رافقهم أحد أبناء عائلة "بن قانة" كمترجم لهم , حيث أن "بن قانة" كان يأمل في تولي السلطة في تقرت وسُوف، فالآن قد فقد "علي باي" مصداقيته عند الفرنسيين .
أصبح الجنرال "جالفيت" "Gallifet" ورؤسائه حذرين من تركيز قدر كبير من السلطة في أيدي العائلات الأرستقراطية الجزائرية فقد تحولت في كثير من الأحيان إلى أن تكون مشكوك في ولائها للفرنسيين .
عين مغامر إيطالي اعتنق الإسلام يدعى "العربي المملوك" الذي عمل لسنوات عديدة في الخدمة مع القوات الفرنسية (قائد فرقة الصبايحية) كخليفة على سُوف.
كان "العربي المملوك" دخيلا على النظام المحلي بين مختلف الفصائل فلقي معارضة من معظم وجهاء سُوف ، و قد حفز ذلك عائلة "بن قانة" التي عارضت ترشيحه , كما لقي أيضا معارضة من الزاوية التجانية في "تماسين" و "قمار" و قد ذكر تقرير فرنسي أن عمليات الإبتزاز التي كان يمارسها في سُوف كانت سيئة للغاية وفي غضون سنة من ذلك تم عزله بصفة تامة.
في نوفمبر عام 1873 تم إغتياله أثناء سفره إلى بسكرة و فر القتلة ، وهم أربعة رجال من سُوف إلى تونس. تم اعتقل "أحمد بن تواتي" أحد أهم الوجهاء في سُوف الذي كان معارضا له، و اتهم كشريك في هذه العملية ، ولكن تم اطلاق سراحه بعد فترة من الوقت بسبب عدم كفاية الأدلة .
إكتشفت السلطات الفرنسية تدريجيا خلفيات عملية الإغتيال التي يبدو أنه لم يتورط فيها وجهاء المنطقة بشكل مباشرة، ولكن الجماعة (مجالس الوجهاء من فصائل مختلفة) والتي لم يكن معترف بها رسميا في ذلك الوقت من قبل السلطات الفرنسية، قد اتخذت هذا القرار . كان الزعيم الفعلي للقتلة رجل له ثأرشخصي ضد "العربي المملوك" بسبب إكتشافه تورط هذا الأخير في إنتهاك عرض زوجة أخيه .
اختارت السلطات الفرنسية أخيرًا تجاهل أعماق و خلفيات هذه القضية .
في بداية تعيين "العربي المملوك" كخليفة على سُوف ، لم يكن له تأثير كبير فكان يعتمد اعتمادا كليا على أحد المشايخ المحليين " حمو موسى" الذي عين كخليفة على كل (طرود) كان "حمو موسى" واحدًا من القادة السياسيين القلائل في سُوف الذين لا يبدو أنهم اشتركوا في المؤامرة ضد "العربي المملوك" فقد كان على علاقة جيدة مع زعماء التجانية ، على الرغم من أنه لم يكن عضوا في هذه الطريقة و لم يكن ذلك في صالح منافسه "أحمد بن تواتي" باعتباره مشتبها به في اغتيال "العربي المملوك" في الوقت الراهن , و في وقت لاحق . بعد سنة تقريبا أصبحت حظوظه السياسية مرهونة بسبب تعيين "سعيد بن إدريس" أحد الملازمين من فرقة الصبايحية كآغا على ورقلة و تقرت عام 1872 و لأنه كان مقربًا من السلطات الفرنسية لتمكنه من إعتقال زعيم المقاومين "بوشوشة" فقد حصل على إدارة سُوف كتعويض له بعد وضع منطقة ورقلة تحت السلطة المباشرة للإدارة الفرنسية .
فقام بمعارضة النفوذ السياسي المتزايد للطريقة التجانية واستبدالها بسرعة بـ " حمو موسى" و" أحمد بن تواتي" هذا الأخير الذي عانى كثيرًا من المشاكل بسبب اتهام قادة التجانية له باغتيال "العربي المملوك"، وبالتالي فهو يبدو كخيار جيد لقيادة سياسة مكافحة نفوذ الطريقة التجانية .
رأى "أحمد بن تواتي" وزعماء التجانية في ذلك الوقت أنه ليس هناك أي فائدة من هذا الصراع المتبادل خلال تلك السنوات ، فتمكنوا من التوصل إلى اتفاق ضمني يحدد مناطق النفوذ المتبادل بينهم . لم تكن الزعمات الدينية مهتمة بالإدارة الضريبية والقيادة العسكرية بل حاولوا بدلا من ذلك توظيف عملائهم السياسيين للعمل كقضاة محليين و في الأعمال القانونية والإدارية . فهذه المجموعة من المناصب التي يمكن أن تكون فعالة تماما وأقل عرضة لتقلبات السياسة الفرنسية والقبلية.
وعلى مدى نصف قرن فقد قسمت الزعمات القبلية والدينية نفوذهم على أساس هذا المبدأ. عندما بدأ "حمو موسى: بالدعوة للتحريض ضد "إبن إدريس"، و لعل آخر ما ألب التجانية ضد هذا الأخير هو العثور على كمية كبيرة من البارود المهربة في الزاوية التجانية بقمار في شهر جويلية 1875 فألقي القبض على "حمو موسى" لتورطه في التهريب . وكان "أحمد بن تواتي" أقل حماسا حول هذا الحدث . وقال انه لا يتعارض مع "حمو موسى" والتجانية في نفس الوقت . كانت هذه الضربات القوية ضد تجارة البارود بالمنطقة لا تحظى بالشعبية من أي شخص في سُوف و لذلك فقد قرر "سعيد بن إدريس" إسقاطها .
في سبتمبر 1875 قام شقيق "بن إدريس" باختطاف اثنين من المتورطين في قتل "العربي المملوك" من الجنوب التونسي وقام بتسليمهم للسلطات الفرنسية في بسكرة. وهذا ما دفع السلطات الفرنسية لإعادة فتح التحقيق في هذه القضية ، فقامت باستدعاء "أحمد بن تواتي" إلى بسكرة لهذا الغرض . وقد وجد هذا الأخير ذريعة لعدم الذهاب ، ومع ذلك وفي شهر ديسمبر تمكن السجناء من الهروب من سجن بسكرة بعد أن سمح لهم رقيب فرنسي بذلك بعد تلقيه لرشوة . علمت السلطات الفرنسية الآن بما فيه الكفاية أن المشتبه فيه هو "أحمد بن تواتي" فقررت اقالته من منصبه بتهمة الابتزاز . كما عاد "حمو موسى" مرة أخرى خليفة لطرود .
عندما زار الجنرال "قسطنطين" سُوف في شهر مارس 1876 تم استقباله بشكل جيد من قبل عائلة "بن تواتي" وأمر "سعيد بن إدريس" أتباعه بقبول نصائح "أحمد بن تواتي" في جميع المسائل الإدارية. في شهر جوان عام 1876 تضايق العقيد الفرنسي في بسكرة و "بن إدريس" بما فيه الكفاية لأنه و بعد تعيين أحد الضباط من الصبايحية الدخلاء عن سُوف كخليفة لطرود كان عاجزا عن القيام بأي شيء من دون مساعدة من أحد الزعماء "حمو موسى" و "أحمد بن تواتي" ومع ذلك وفي نوفمبر 1876 قام "بن إدريس" بالتضييق على هاذين المتنافسين القديمين الآن وقال إنه تمكن من جعلهما بعيدين عن التأثير عن الفصائل في سُوف و عن جميع الناس .        
أعلن طرود عزمهم الهجرة إلى تونس ، وراجت بعض الشائعات التي تدعي بأن باي تونس ينبغي أن يعين ممثلا له لقيادة سُوف تحت سلطته بما أن السلطة الفرنسية قد أصبحت شبه معدومة هناك تردد الفرنسيون في بداية الأمر ، ولكن بعد عام واحد أقيل "بن إدريس" في نهاية المطاف.

إضافة تسمية توضيحيةصورة قديمة لوادي سُوف

وضعت سُوف الآن تحت السيطرة المباشرة من طرف الضباط الفرنسيين ، يساعدهم في ذلك ثلاثة خلفاء محليين اثنين منهم من طرود لكن في الواقع لم يكن باستطاعة هؤلاء الرجال الضعفاء فعل أي شيء دون موافقة وتعاون "أحمد بن تواتي" و "حمو موسى" ولكن السلطات الفرنسية كانت في البداية غير راغبة في إعادة هاذين الزعيمين الأصليين الذين تم إقالتهما من قبل. في عام 1881 عادت حالة اللاستقرار بالمنطقة مرة أخرى بسبب الغزو الفرنسي لتونس و قد استغرق الأمر أربعة أو خمسة سنوات لتهدئة الجنوب التونسي من قبل الفرنسيين . وهكذا أنشئت حامية فرنسية صغيرة دائمة في سُوف كما كثرإعتماد الفرنسيين على تجنيد بعض الفرسان المحليين غير النظاميين و استخدامهم في دوريات الحراسة .
أصبح من غير العملي بصورة متزايدة اعتماد الضباط الفرنسيين العمل مع رجال ضعفاء بدلا من الزعماء المحليين الحقيقيين ، وبعد كثير من التردد البيروقراطي أعيد "أحمد بن تواتي" و "حمو موسى" كقائدين للفصيلين الرئيسيين لطرود ، وهو المنصب الذي احتفظا به حتى الموت بعد عشرة و عشرين عاما على التوالي .
  
                                                                                  يتبع ...

26 مارس 2013

إفتتاح فعاليات مهرجان عيد مدينة الألف قبة وقبة في نسخته الأربعون


تنطلق مساء اليوم فعاليات مهرجان عيد مدينة الألف قبة و قبة في نسخته الأربعون تحت شعار "المواطنة حب و عمل" و الذي يستمر لغاية الـ 31 من هذا الشهر و سيكون برنامج هذا المهرجان المقرر لهذه السنة على النحو التالي :


15 مارس 2013

صور قديمة من وادي سُوف في فترة السبعينات

سوق و مدينة الوادي سنة 1976
غابات النخيل "الغيطان"  سنة 1976
مجموعة من البدو ينقلون "الحلفاء" بإحدى القرى بين "الوادي" و "تقرت" 1976

الكثبان الرملية على امتداد الطريق الرابط بين "الوادي" و "تقرت" 1976

12 مارس 2013

تراجع التنظيم القبَلِي بوادي سُوف (الجزء الثالث)

 تراجع التنظيم القَبَلي في الفترة الأولى من الحكم الفرنسي

بعد أن احتل الفرنسيون بسكرة عام1844 و عززوا سيطرتهم عليها كانت تربطهم في البداية علاقات جيدة نسبيا مع قادة تقرت. وسرعان ما اكتشفوا أن هؤلاء القادة لم يكن لهم أي تأثير يذكر على سُوف . تعتمد كل من بسكرة وتقرت على سُوف في التجارة من وإلى تونس، ولكن السُوافة لا يعتمدون على حماية حلافائهم في تقرت . و قد تورط التجار في سُوف في تهريب البارود من تونس إلى جنوب الجزائر.   
          بسكرة - صورة قديمة للسوق العتيق  
 في عام 1846 لجأ إلى سُوف ثلاثة من المساعدين السابقين للأميرعبد القادر.   بين عامي 1847 و1848 فاز سلطان تقرت، بدعم من عائلة بن قانة ، على خصمه شيخ "تماسين" فطلب من القائد الفرنسي ببسكرة أن يدعمه بحملة عسكرية ضد أنصار "تماسين" في سُوف، لكن القائد الفرنسي رفض ذلك.                    
بسكرة - صورة قديمة
في نهاية عام 1848  بدأ القائد الفرنسي ببسكرة مفاوضات مع مشايخ من سُوف ، بوساطة من "أحمد باي بن شنوف "، رئيس عائلة كبيرة من قسنطينة. جزء من سكان سُوف الذين رفضوا دفع الضرائب لحكام تقرت في ذلك الوقت (الواد  ، قمار ،  البهيمة ، الدبيلة) وافقوا الآن على شروط الفرنسيين بالخضوع لسلطة "أحمد باي بن شنوف" ، وذلك لاستعادة الوصول إلى أسواق بسكرة ، فاعترض حاكم تقرت على ذلك بدون جدوى. لكن "أحمد باي بن شنوف" لم يكن قادر على ممارسة أي سلطة سياسية فعالة في وادي سُوف.                                                                  
تقرت - صورة قديمة *ساحة القيادة العليا*
في يناير1852 توفي حاكم تقرت، وترك وراءه ابنا وريثا يبلغ عمره ست سنوات، تحت وصايه جدته، و كان هناك "بن قانة" منافسا له على الخلافة ، ولكن كان هناك ابن شقيق والد الحاكم المتوفي يدعى "سلمان الجلابي" الذي استغل الموقف، بدعم من "تماسين" ومن "الشريف محمد بن عبد الله" أحد الزعماء الدينيين الذي كان ينظم المقاومة ضد الفرنسيين في "ورقلة".             كان الحاكم العام الفرنسي يفضل في الواقع تعيين "بن قانة" حاكما على تقرت ، لكن السكان قاوموا الفكرة، فعلم الفرنسيون أن ذلك لن يتحقق إلا بالتدخل العسكري المباشر للجيش الفرنسي و لذلك اعترف الفرنسيون بسيادة الحاكم الصغير على تقرت .                                                                 
تقرت - صورة قديمة لأحد الأسواق

في هذه الأثناء حاز "سلمان الجلابي" على الدعم من "أولاد سعود" في سُوف ، فقدموا له 300 من المقاتلين وبمساعدتهم هذه ،استطاع أن يستولي على تقرت على حين غفلة بتاريخ 1 أفريل 1852  وهذا بعدما قدمت زاوية "تماسين" دعمها المعنوي له لكن المقاومة في واد ريغ قد فشلت بسرعة.
أقنع القادة العسكريون الفرنسيون في شرق الجزائر الحاكم العام بالاعتراف بـ "سلمان الجلابي" حاكما على تقرت ولكن بشرط حضوره شخصيا إلى بسكرة أو باتنة للاعتراف بالسيادة الفرنسية  لكن يبدو أن "سلمان" قد رأى ذلك خدعة لاستدراجه خارج تقرت بحيث تكون الظروف مواتية لأن يقوم "بن قانة" بانقلاب عليه في حالة غيابه فرفض الحضور.                                                                     قام الفرنسيون بمنع تجارة القمح بين بسكرة و تقرت كما سمحوا لبعض الفرسان غير النظاميين من بسكرة بالإغارة على قافلتين تجاريتين من سُوف.                                                                   تم إرسال "أحمد باي بن شنوف" إلى سُوف في محاولة لإبعاد السُوافة بعيدا عن سلمان، لكنه فشل في ذلك . بدأ "سلمان" في القضاء على خصومه الحقيقيين أو المفترضين في وادي ريغ.                                وفي أبريل 1853 خسرالكثير من الدعم المتبقي له في سُوف حيث قام باقتحام "كوينين" مع80  رجلا لقتل بعض خصومه السياسيين الذين التمسوا اللجوء هناك لكن نجح عدد من هؤلاء المعارضين بالهروب إلى قمار، التي رفضت تسليمهم إليه لكن قوة سلمان كانت أضعف من أن تهاجم قمار فعاد إلى تقرت.                                                                                                                          في مايو 1853 أمر الحاكم العام بفرض حصاراقتصادي جديد على واد ريغ و وادي سُوف فأرسلت "قمار" و "تغزوت" و"الزقم" وفدًا إلى "بسكرة" يعرض دفع الضريبة إليهم بدلا من "سلمان"، سمح لهم القائد المحلي بالعودة إلى أسواق "بسكرة" مرة أخرى ، ولكن عندما تقدم "الواد" بعد ذلك بعرض مماثل رفض ذلك العرض . في هذه الأثناء عرض "سلمان الجلابي" تعاونه على شريف "ورقلة" ، وطلب الحصول على دعم ضد الفرنسيين من باي تونس.                                                                       بدأ الحاكم العام الفرنسي يخطط لعمل عسكري مباشر ضد "تقرت" وفي ديسمبر عام 1853 اقترح جعل "بن قانة" أو "بن شنوف" حاكمًا جديدًا لتقرت، ولكن في النهاية قبل اقتراحا من قائد الجيوش الإقليمية، العقيد "ديفو"( Desvaux )، لتثبيت بوعكاز هناك من أجل سد الفجوة والقضاء على الإنقسامات السياسية.                                                                                                                      في"تقرت" أعلن "سلمان الجلابي" نفسه خليفة لشريف ورقلة (نائبا له) . في البداية لم يتمكن من تجنيد سوى عدد قليل من الجنود في سُوف، ولكن في نوفمبر 1854 كان1500  من المسلحين من "الواد" و73 من "كوينين" تحت تصرفه.     في مارس  1854 قامت مجموعة من المسلحين من "بسكرة" و بتحريض من الفرنسيين، بمهاجمة مجموعات عديدة من "الربايع" إحدى فصائل "طرود" ، فأجبارت "الواد" على الإنضمام إلى معسكر "سلمان الجلابي" مرة أخرى.
في نوفمبر 1854 تقدم 250 جنديا من القوات الفرنسية النظامية و2400 رجل من القوات غير النظامية باتجاه وادي ريغ.                                                                                                و لكن قبل ذلك في أكتوبر، أعلنت بلدات "كوينين" و "تغزوت" استسلامها في بسكرة، في حين أن زاوية "تماسين" أعلنت أيضا أنها ضد "سلمان".                                                                    في 29 نوفمبر هاجم "سلمان الجلابي"مع 2500 رجل القوات الفرنسية بمنطقة "الماقرين" ، ولكنه تعرض لهزيمة نكراء وتفكك جيشه بسرعة. ففر "سلمان الجلابي" و "الشريف محمد بن عبد الله" إلى تونس.  في 2 ديسمبر دخلت القوات الفرنسية إلى تقرت و في 12 ديسمبر خيمت القوات الفرنسية على بعد بضعة كيلومترات خارج المنطقة المأهولة من سُوف في انتظارخضوع السُوافة. وكانت الواد قد دفعت غرامة قدرها60.000 فرنك فرنسي في يومين.


منظر قرب السوق بسُوف في بدايات القرن العشرين
في 29 ديسمبر 1854 وافق الحاكم العام على تعيين "علي باي بوعكاز"، أحد أبناء "فرحات بوعكاز" ، حاكما (قايد) على تقرت  فأدرجت وادي سُوف تحت هذه القيادة الجديدة، ووضعت تحت سلطة أحد أقرباء "علي باي" كخليفة له (ينوب عنه) تجاهلت الإدارة الجديدة النظام القديم في سُوف الذي يعتمد على الحكم الجماعي من قبل (الجماعة) فوضعت بلدات و فصائل مختلفة من البدو تحت سلطة شيوخ وهذا النوع من السلطة لم يكن مألوفا في سُوف، مما سبب الكثير من الإستياء، والأكثر من ذلك عند محاولة إنفاذ القوانين الفرنسية التي لا تحظى بشعبية كحظر تجارة البارود مع تونس فأقيل خليفة قايد تقرت بسُوف في غضون عام بعد شكاوى عديدة حول قيامه بعدة عمليات ابتزاز. في عام 1857 أغتيل شيخ من "أولاد أحمد" إحدى فصائل "طرود" بعد أن قام بإبلاغ "علي باي" عن أماكن إمدادات تهريب البارود.                                                                            
كتيبة من الجنود تمشي بالصحراء بضواحي الوادي 
في عام 1858 قام الضابط الفرنسى الزائر بتغريم فصيل "الفرجان"  إحدى فصائل "المصاعبة" ، لأنهم رفضوا تنظيم أنفسهم في دُوَار      (مجموعة من المخيمات أو النجوع) على أن تدار من قبل كبير واحد (زعيم غير رسمي، مسؤول أمام الشيخ).                                          في ديسمبر 1860 تلقى الضابط الفرنسي الذي قام بجولة التفتيش السنوي العديد من الشكاوى الحقيقية ضد "علي باي" فبالقرب من "الواد" تظاهر3.000 شخص ضد هذا الإبتزاز كان هناك أيضا شكاوى ضد خليفته وضد بعض المشايخ. إعترف الضابط الفرنسي في تقريره أن بعض هذه الشكاوى كانت على الأرجح صحيحة، ولكن لا يرى سببا للعمل بها.
على الرغم من أن الوظيفة الجديدة للشيخ لم يكن لها شعبية إلا أنها وفرت آفاق للتطور الوظيفي للرجال النشيطين و الطموحين وكان من المفترض أن يبقى الشيخ وفيا للدور التقليدي له كزعيم عند الحرب.                  
منظر لغابات النخيل "الغيطان" التي تحيط  بسوق  سُوف في بدايات القرن العشر
كانت سُوف على الحدود الخارجية للمنطقة الهادئة والأمنة ، لكن ظلت الإغارات تستهدف الماشية والجماعات القبلية بسُوف بكثرة حتى مطلع القرن . فقد واصلت قبائل الجنوب التونسي الإغارة على المواشي بسُوف حتى تم وقفها من قبل الفرنسيين في منتصف الثمانيناتكما واصلت كذلك جماعات من "الشعامبة" من منطقة ورقلة ، وأحيانا في تحالف مع بعض جماعات "الطوارق" الضالة الإغارة على سُوف حتى العقد الأول من القرن العشرين.                                                كانت السلطات الفرنسية مترددة في السماح بمكافحة هذه الغارات، وعادة ما كانت تقوم بتجاهلهالم تكن العائلات التجارية الكبيرة مهتمة كثيرا بالسياسة القبلية الصغيرة، فقد كان الزعماء السياسيين يقومون بذلك عادة بشكل جيد ولكن ليس حقا أن الأغنياء يستطيعون أن يمارسوا سلطة اقتصادية تذكر على أتباعهم . وعلى هذا الأساس فإنه لا يوجد سبب وجيه لبروز قيادة شخصية قوية في أيام ما قبل الاستعمار، ولكن من أجل دعم مصالح الفرنسيين وممثلهم "علي باي" قاموا في أواخر عام 1858 بالبحث عن قاعدة من الزعمات الطموحة. في تلك السنوات نجد أول ذكر لرجلين لا يزالان شابين نسبيا هما "حمو موسى" و "أحمد بن تواتي" اللذين أصبحا من القادة المحليين الرئيسيين في سُوف في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

                      
                                                            يتبع ...

9 مارس 2013

تراجع التنظيم القبَلِي في وادي سُوف (الجزء الثاني)

في أواخر القرن 18 بدأ تنافس سياسي في وادي ريغ بين شيوخ تقرت وشيوخ واحة "تماسين" مركز السوق المنافسة لها . تقرت كانت أكبر وأكثر سكانا، ولكن كان شيوخ "تماسين" يتلقون دعما معنويا من الطريقة التجانية التي أنشأت لها زاوية هناك عام1805. وقد تطور هذا التنافس الذي جعل كل فرقة تسعى لحشد دعم خارجي للخصمين السياسيين المتنافسين .
صورة قديمة لتقرت
وقد كان التنافس السياسي على أشده بين عائلتي "بوعكاز" و "بن قانة" فقد كان لعائلة "بوعكاز"  تأثيرًا كبيرا في جنوب الجزائر و لعدة قرون فقد كانوا يعملون لمدة  طويلة كمسؤولين لدى الأتراك مع قبائل المنطقة .
 وكجزء من سياسة فرق تسد فقد عمد باي قسنطينة التركي إلى زيادة نفوذ عائلة  "بن قانة" القادمة من قسنطينة في الجنوب سنة 1790 و قد حاول "بن قانة" إضعاف موقف شيخ تقرت  في حين أن قائد عائلة "بوعكاز" قد أرسل و فدا إلى الفرنسيين بالجزائر سنة 1832 للحصول على دعمهم ضد باي قسنطينة وقد تعاون فرحات بوعكاز مع الفرنسيين في حملتهم ضد قسنطينة سنة 1837.
و في سنة 1838 عندما أصبح واضحا أن الفرنسيين كانوا القوة المهيمنة الجديدة، عرض ابن قانة دعمه لهم، بينما أبقى في نفس الوقت على اتصالات مفتوحة مع "الأمير عبد القادر" الذي حاول إقامة دولة إسلامية في الجزائر.
بن قانة أغا تقرت
الأمير بدوره لم يثق ببن قانة وعين "فرحات بوعكاز" ممثلا له ببسكرة . تم اغتيل "فرحات بوعكاز" من قبل أنصار "بن قانة" ، الذين شاركوا  في نفس الوقت في الهجوم على الحامية الفرنسية ببسكرة سنة 1844.
ربما كان "السُوافَة"  أقل اهتماما بهذه الآثار السياسية الأوسع . حاولوا فقط الحفاظ على وصولهم إلى الأسواق في بسكرة و واد ريغ.
قدم "أولاد سعود" الولاء لتقرت و قد شاركهم في ذلك "الأعشاش" (أحد الفصيلين الرئيسين لقبائل طرود) فيما أيد منافسيهم شيوخ "تماسين".
 في عام 1847 انكسرت قوة  شيوخ "تماسين" وتحول نفوذهم السياسي إلى قادة الزاوية التيجانية هناك.
وفي هذا إشارات للدور السياسي الذي لعبته الطريقة التيجانية كأحد العناصر السياسة التي كانت موجودة في سُوف قبل الاحتلال الفرنسي.
دور الجمعيات الدينية(الطريقة – الطرق الصُوفية) : 
وفقا لكتاب "العدواني" فإن "طرود" و "عدوان" كانا يدينان بالإسلام منذ القدم و لكن بشكل سطحي للغاية في العقد الأخير من القرن 16 حاول أحد مشايخ الصوفية المتجولين يدعى "محمد المسعود الشابي" إحياء العقيد الإسلامية فأنشأ الطريقة الشابية.
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، إنخفض أتباع الطريقة الشابية لعدد قليل من العائلات في الدبيلة و في أواخر القرن 18 تأسست الطريقة الرحمانية في تونس والطريقة التيجانية في الجنوب الأوسط من الجزائر . و نظرًا لوقوع سُوف على الطريق التجارية بين الشرق والغرب فسرعان ما دخلت الطريقتان إليها حيث تأسست زاوية رحمانية بالواد، و أخرى تجانية بقمار.
صورة نادرة لزاوية سيدي سالم الرحمانية
 كما حصلت الزاوية القادرية القديمة بنفطة التونسية على التأييد بسُوف، ولكن مقدمها إلى المنطقة قد جاء متأخرًا نسبيا، فلم تنشئ زاويتها بسُوف إلا عام1887.
الجدولان التاليان يوضحان تركيبة الطرق الصوفية الرئيسية بسُوف بين عامي 1892 و 1945:
وكما نرى فإن عضوية هذه الطرق الصوفية ارتبط دائما بمختلف مكونات سكان المنطقة السياسية و الإقليمة الاستثناء الوحيد نجده في بلدة الزقم التي بقي سكانها و بالإجماع تقريبا متمسكين بعقيدتهم الإسلامية بعيدين عن التأثر بهذه الطرق الصوفية.
كما نرى أيضا أن الطريقة القادرية قد ازدادت بشكل كبير في أواخر القرن الـ 19 و أوائل القرن الـ 20 و هذه حقيقة سنحاول التطرق لها ثانية في وقت لاحق.

                                                                                                         يتبع ...

8 مارس 2013

تراجع التنظيم القبَلِي في وادي سُوف (الجزء الأول)

تمهيد :
لقد عثرت بالصدفة على هذه المقالة في أصلها الإنجليزي  بعنوان " THE DECLINE OF TRIBAL ORGANIZATION IN THE SOUF (S.E. ALGERIA)"  للكاتب " Nlco Kielstra" و التي تؤرخ للأوضاع السياسية و الاجتماعية بمنطقة وادي سُوف قبل وبعد الاحتلال الفرنسي و التي تتطرق للمحة تاريخية عن قبائل و عشائر وادي سُوف و علاقاتهم فيما بينهم و تأثرهم و تأثيرهم في المناطق المجاورة لهم و كيفية تعاملهم مع سلطات الاحتلال الفرنسي كما أنها تتطرق للطرق الصوفية السائدة في المنطقة و تأثيرها على السكان.
و قد استندت هذه المقالة على تقارير و دراسات فرنسية أعدت خلال فترة الاحتلال .
لكن ينبغي الإشارة إلى أن هذه المقالة قد تقدم لنا وصفا للأحداث التي نقلها الكتاب و المسؤولون الفرنسيون الذين كتبوا عن المنطقة من منظور استشراقي أو بحثي قد لا يكون دقيقا بصفة مطلقة أو قد يكون خدمة للأغراض الاستعمارية في تلك الفترة.  
أخيرًا أعتذر عن بعض الأخطاء التي قد ترد عن الترجمة الحرفية لبعض الكلمات أو العبارات التي قد لا تعطي المعنى الحقيقي المقصود من الكاتب .
و نظرًا لطول هذه المقالة نوعا ما (15 صفحة) فقد قمت بتقسيمها إلى أجزاء سأقوم بنشرها تباعا حين الانتهاء من ترجمتها بحول الله تعالى .
                 تراجع التنظيم القبَلِي في سُوف
في هذه المقالة سوف نقوم بتحليل المعلومات المتاحة عن التنظيم السياسي بسُوف في فترة ما قبل الاحتلال الفرنسي و كيف حاولت الحكومة الفرنسية الاستعمارية إعادة تنظيمها و كيف رُفضت من طرف السلطات السياسية التقليدية بالمنطقة في ظل الظروف الاستعمارية على الرغم من محاولات الفرنسيين للحفاظ على الروابط المتاحة. 

                  الجغرافيا الاجتماعية لسُوف
سُوف هي مجموعة من الواحات في الجنوب الشرقي من الجزائر بالقرب من الحدود التونسية.
حول بلدة الواد نجد سبعة بلدات قديمة و قدرا كبيرا من المستوطنات المبعثرة والقرى البدوية التي نشئت خارج المناطق الزراعية و عدد كبير من البدو الرحل.
في كثير من الأحيان فإن هجرة اليد العاملة تجعل من الصعب حصرأعداد السكان والتي يصعب تفسيرها.
التقديرات الأولية تشير أن عدد السكان كان 26.800 نسمة عام 1845 وكان عددهم 37.650 نسمة  في عام1848  أول تعداد رسمي للسكان كان في عام 1883 و الذي  يعطي عدد منخفض  17.629 نسمة و منذ بدايات الثمانينات من القرن الـ 19 بدأ الانفجار السكاني المطرد.فقد بلغ عددهم حوالي 120.000 نسمة في عام 1966.
في عام 1848 كان ما يقرب من نصف عدد السكان بسُوف من البدوالرحل و في عام 1955 تقلص عدد الرحل إلى حوالي الثلث .
بدأ البدو وبشكل تدريجي حياة الإستقرار لفترات من السنة في البيوت وتملكوا غابات النخيل . كما تملك المزارعين قطعان مستقرة من الماشية .
 كانت زراعة النخيل هي المهنة الرئيسية في سُوف و يتم الاحتفاظ بقطعان الماعز والأغنام والإبل على أراضي السهوب حول جميع  أنحاء سُوف.  
أما البدو فقد انخرطوا في عمليات التهريب من وإلى تونس وليبيا كمصدر إضافي للدخل.
و قد كان السُوافة يشتغلون في التجارة الإقليمية منذ عهد ما قبل الاستعمار الفرنسي على طول الطريق الصحراوية من غات و غدامس إلى بسكرة شمالا وعلى طول الطريق الشرقية الغربية بين تونس وتقرت والواحات في جنوب الجزائر.
وبالفعل فقد وجد بالواد أربعة عشرة عائلة من التجار الأثرياء الذين بلغ رأسمالهم مابين 20.000 و 500.000 فرنك فرنسي في حين أن تجارة الترانزيت الآن هي أقل أهمية بكثير مما كانت عليه في الماضي، العائلات التجارية التي نشأت في سُوف لا تزال نشطة في تجارة الجملة والتجزئة.
وقد وجدت الهجرة إلى تونس منذ القرن 18 كما أصبحت الهجرة إلى فرنسا و المدن الجزائرية الأخرى أكثرأهمية بعد عام 1930، ولكن لا يزال هناك جالية كبيرة من سُوف في تونس.
أصبح من الواضح في ذلك الحين أن نحو 5 إلى 10 بالمائة من السكان الذكور البالغين في سُوف كانوا يعملون في التجارة بين الأقاليم و كأيدي عاملة مهاجرة فقد كانت المنطقة نائية ولكن لم تكن معزولة.
التنظيم السياسي في سُوف في عهد الاحتلال الفرنسي

خلال القرنين الـ 17 و الـ 18 الميلادي كان كتاب الشيخ العدواني هو المصدرالمكتوب الوحيد لتاريخ ما قبل الاحتلال بسُوف.
حيث تبدأ الوقائع مابين سنتي 1397 و 1398 ميلادية عندما قدمت إلى منطقة سُوف مجموعة من القبائل تدعى "طرود" والتي وصلت من الجنوب التونسي قادمة من طرابلس بعد أن تم طردهم منها بسبب الخلافات و المشاحنات التي كانت بينهم و بين القبائل الأخرى المستقرة بتلك المناطق . و عبورًا من منطقة الساحل التونسي و صلت قبائل "طرود" إلى سُوف و قد أخذوا تسميتهم بطرود نسبة إلى زعيمهم "طراد بن دعبس". و قد كانت سُوف في ذلك الوقت ملاذا أمنا لهذه القبائل التي أتت مؤخرا فقد كان يهيمن على مراكز المنطقة قبائل "عدوان" في ذلك الوقت.
بعد قدوم قبائل "طرود" إلى سُوف سرعان ما نشب التخاصم والاقتتال بينهم و بين "عدوان" حتى قامت إحدى النساء المرابطات بالمنطقة بتحقيق تسوية و سلام بين المجموعتين القبليتين يسمح لكلا المجموعتين بالعيش و الاستقرار بالمنطقة و مع ذلك فقد ظلت سياسة المعارضة تطبع العلاقة بين "طرود" و"عدوان" الذين كانوا يعيشون حياة شبه بدوية حول بلداتهم الدائمة.
أما أغلب قبائل "طرود" فقد اعتادوا على العيش في مخيمات بالقرب من آبار المياه .
و قد أوصى زعيم "طرود" (طراد بن دعبس) وهوعلى فراش الموت باختيار زعيم للقبيلة حتى تتجنب النزاعات بين الفصائل المختلفة كما أوصاهم بترك عدد من السكان بقراهم و بلداتهم خلال قيامهم بالهجرة والترحال فقد يكون هذا الأمر تقليدًا تاريخيا متعارفا عليه.
عندما بدأ المسؤولون الفرنسيون التعامل مع سُوف لم يشيروا إلى تعاملهم مع أي قيادة فردية بالمنطقة و لكنهم اجتمعوا و تواصلوا مع جماعات من مجالس الشيوخ و الأعيان. في سنة 1855 صدر تقرير عن التنظيم السياسي بسُوف قبل أن يتم إعادة تنظيمها من قبل السلطات الاستعمارية فقد عثروا على نموذج القيادة المزدوجة للفصائل الرئيسية بالواد و كوينين و تغزوت و قمار فلكل منهم زعيم (كبير) أي قائد غير رسمي .
فبالبهيمة مثلا كان هناك زعيمين للبلدة فهذا النمط من القيادة المزدوجة كان ينظر إليه كمظهر من مظاهر الميل لتجنب الصراعات حول انتخاب قائد وحيد  بين مختلف الفصائل و حتى على مستوى العشيرة الواحدة.
ومع ذلك فإن هذا لم يمنع تاريخيا من نشوء خلافات و انقسامات طائفية في قرى كالزقم والبهيمة و كقمار و تغزوت . 
ويقال أنه قد نشأت هذه الانقسامات الطائفية حتى في الأصل الواحد من هذه البلدات .  
استمر العداء بين طرود و عدوان لعدة قرون ، ولكن لا يوجد ذكر لحرب أخرىقد وقعت بينهما. 
في وقت ما غير محدد ربما في القرن الـ 17 كان التقسيم القديم بين المجموعتين يتداخل و يتقاطع من قبل تحالف سياسي جديد حيث  فرّ راعي من طرود (البدو) مع 25 من الإبل المسروقة إلى بلدة تغزوت فمنح حق اللجوء من قبل "سعود"الذين قاوموا الضغوط التي فرضت عليهم من قبل "طرود"  و قد دعاهم ذلك لعقد تحالف مع قرى الزقم و كوينين و مع بلدة سيدي عون الصغيرة و فرقة من بلدة ورماس حيث أن المشاركين في هذا التحالف كانوا يعرفون بـ " أولاد سعود "   كانت بلدتي الزقم و سيدي عون تعدان من قرى "عدوان" أما بلدات تغزوت و كوينين و وورماس فقد استقرت بين سكانها أعداد كبيرة من "طرود". 
تحالف أولاد سعود في جزء كبير منه يمثل معارضة من القرويين المستقرين ضد الهيمنة السياسية للبدو الرحل. 
وكذلك فالاتجاه السائد لهذا التحالف بين القرويين المستقرين أنفسهم للحصول على الدعم من البلدات المجاورة ضد منافسيهم كالزقم ضد البهيمة و سيدي عون ضد الدبيلة و كوينين ضد الواد و تغزوت ضد قمار.هذه الفصائل  سرعان ما أصبحت تشارك في السياسات الإقليمية الرئيسية بالمنطقة.


                                                            يتبع ...