Comments system

111

أهلا وسهلا بكم في وادي سوف الأصيل ***وادي سوف الأصيل ***
‏إظهار الرسائل ذات التسميات من تاريخ وادي سُوف. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات من تاريخ وادي سُوف. إظهار كافة الرسائل

8 مارس 2013

تراجع التنظيم القبَلِي في وادي سُوف (الجزء الأول)

تمهيد :
لقد عثرت بالصدفة على هذه المقالة في أصلها الإنجليزي  بعنوان " THE DECLINE OF TRIBAL ORGANIZATION IN THE SOUF (S.E. ALGERIA)"  للكاتب " Nlco Kielstra" و التي تؤرخ للأوضاع السياسية و الاجتماعية بمنطقة وادي سُوف قبل وبعد الاحتلال الفرنسي و التي تتطرق للمحة تاريخية عن قبائل و عشائر وادي سُوف و علاقاتهم فيما بينهم و تأثرهم و تأثيرهم في المناطق المجاورة لهم و كيفية تعاملهم مع سلطات الاحتلال الفرنسي كما أنها تتطرق للطرق الصوفية السائدة في المنطقة و تأثيرها على السكان.
و قد استندت هذه المقالة على تقارير و دراسات فرنسية أعدت خلال فترة الاحتلال .
لكن ينبغي الإشارة إلى أن هذه المقالة قد تقدم لنا وصفا للأحداث التي نقلها الكتاب و المسؤولون الفرنسيون الذين كتبوا عن المنطقة من منظور استشراقي أو بحثي قد لا يكون دقيقا بصفة مطلقة أو قد يكون خدمة للأغراض الاستعمارية في تلك الفترة.  
أخيرًا أعتذر عن بعض الأخطاء التي قد ترد عن الترجمة الحرفية لبعض الكلمات أو العبارات التي قد لا تعطي المعنى الحقيقي المقصود من الكاتب .
و نظرًا لطول هذه المقالة نوعا ما (15 صفحة) فقد قمت بتقسيمها إلى أجزاء سأقوم بنشرها تباعا حين الانتهاء من ترجمتها بحول الله تعالى .
                 تراجع التنظيم القبَلِي في سُوف
في هذه المقالة سوف نقوم بتحليل المعلومات المتاحة عن التنظيم السياسي بسُوف في فترة ما قبل الاحتلال الفرنسي و كيف حاولت الحكومة الفرنسية الاستعمارية إعادة تنظيمها و كيف رُفضت من طرف السلطات السياسية التقليدية بالمنطقة في ظل الظروف الاستعمارية على الرغم من محاولات الفرنسيين للحفاظ على الروابط المتاحة. 

                  الجغرافيا الاجتماعية لسُوف
سُوف هي مجموعة من الواحات في الجنوب الشرقي من الجزائر بالقرب من الحدود التونسية.
حول بلدة الواد نجد سبعة بلدات قديمة و قدرا كبيرا من المستوطنات المبعثرة والقرى البدوية التي نشئت خارج المناطق الزراعية و عدد كبير من البدو الرحل.
في كثير من الأحيان فإن هجرة اليد العاملة تجعل من الصعب حصرأعداد السكان والتي يصعب تفسيرها.
التقديرات الأولية تشير أن عدد السكان كان 26.800 نسمة عام 1845 وكان عددهم 37.650 نسمة  في عام1848  أول تعداد رسمي للسكان كان في عام 1883 و الذي  يعطي عدد منخفض  17.629 نسمة و منذ بدايات الثمانينات من القرن الـ 19 بدأ الانفجار السكاني المطرد.فقد بلغ عددهم حوالي 120.000 نسمة في عام 1966.
في عام 1848 كان ما يقرب من نصف عدد السكان بسُوف من البدوالرحل و في عام 1955 تقلص عدد الرحل إلى حوالي الثلث .
بدأ البدو وبشكل تدريجي حياة الإستقرار لفترات من السنة في البيوت وتملكوا غابات النخيل . كما تملك المزارعين قطعان مستقرة من الماشية .
 كانت زراعة النخيل هي المهنة الرئيسية في سُوف و يتم الاحتفاظ بقطعان الماعز والأغنام والإبل على أراضي السهوب حول جميع  أنحاء سُوف.  
أما البدو فقد انخرطوا في عمليات التهريب من وإلى تونس وليبيا كمصدر إضافي للدخل.
و قد كان السُوافة يشتغلون في التجارة الإقليمية منذ عهد ما قبل الاستعمار الفرنسي على طول الطريق الصحراوية من غات و غدامس إلى بسكرة شمالا وعلى طول الطريق الشرقية الغربية بين تونس وتقرت والواحات في جنوب الجزائر.
وبالفعل فقد وجد بالواد أربعة عشرة عائلة من التجار الأثرياء الذين بلغ رأسمالهم مابين 20.000 و 500.000 فرنك فرنسي في حين أن تجارة الترانزيت الآن هي أقل أهمية بكثير مما كانت عليه في الماضي، العائلات التجارية التي نشأت في سُوف لا تزال نشطة في تجارة الجملة والتجزئة.
وقد وجدت الهجرة إلى تونس منذ القرن 18 كما أصبحت الهجرة إلى فرنسا و المدن الجزائرية الأخرى أكثرأهمية بعد عام 1930، ولكن لا يزال هناك جالية كبيرة من سُوف في تونس.
أصبح من الواضح في ذلك الحين أن نحو 5 إلى 10 بالمائة من السكان الذكور البالغين في سُوف كانوا يعملون في التجارة بين الأقاليم و كأيدي عاملة مهاجرة فقد كانت المنطقة نائية ولكن لم تكن معزولة.
التنظيم السياسي في سُوف في عهد الاحتلال الفرنسي

خلال القرنين الـ 17 و الـ 18 الميلادي كان كتاب الشيخ العدواني هو المصدرالمكتوب الوحيد لتاريخ ما قبل الاحتلال بسُوف.
حيث تبدأ الوقائع مابين سنتي 1397 و 1398 ميلادية عندما قدمت إلى منطقة سُوف مجموعة من القبائل تدعى "طرود" والتي وصلت من الجنوب التونسي قادمة من طرابلس بعد أن تم طردهم منها بسبب الخلافات و المشاحنات التي كانت بينهم و بين القبائل الأخرى المستقرة بتلك المناطق . و عبورًا من منطقة الساحل التونسي و صلت قبائل "طرود" إلى سُوف و قد أخذوا تسميتهم بطرود نسبة إلى زعيمهم "طراد بن دعبس". و قد كانت سُوف في ذلك الوقت ملاذا أمنا لهذه القبائل التي أتت مؤخرا فقد كان يهيمن على مراكز المنطقة قبائل "عدوان" في ذلك الوقت.
بعد قدوم قبائل "طرود" إلى سُوف سرعان ما نشب التخاصم والاقتتال بينهم و بين "عدوان" حتى قامت إحدى النساء المرابطات بالمنطقة بتحقيق تسوية و سلام بين المجموعتين القبليتين يسمح لكلا المجموعتين بالعيش و الاستقرار بالمنطقة و مع ذلك فقد ظلت سياسة المعارضة تطبع العلاقة بين "طرود" و"عدوان" الذين كانوا يعيشون حياة شبه بدوية حول بلداتهم الدائمة.
أما أغلب قبائل "طرود" فقد اعتادوا على العيش في مخيمات بالقرب من آبار المياه .
و قد أوصى زعيم "طرود" (طراد بن دعبس) وهوعلى فراش الموت باختيار زعيم للقبيلة حتى تتجنب النزاعات بين الفصائل المختلفة كما أوصاهم بترك عدد من السكان بقراهم و بلداتهم خلال قيامهم بالهجرة والترحال فقد يكون هذا الأمر تقليدًا تاريخيا متعارفا عليه.
عندما بدأ المسؤولون الفرنسيون التعامل مع سُوف لم يشيروا إلى تعاملهم مع أي قيادة فردية بالمنطقة و لكنهم اجتمعوا و تواصلوا مع جماعات من مجالس الشيوخ و الأعيان. في سنة 1855 صدر تقرير عن التنظيم السياسي بسُوف قبل أن يتم إعادة تنظيمها من قبل السلطات الاستعمارية فقد عثروا على نموذج القيادة المزدوجة للفصائل الرئيسية بالواد و كوينين و تغزوت و قمار فلكل منهم زعيم (كبير) أي قائد غير رسمي .
فبالبهيمة مثلا كان هناك زعيمين للبلدة فهذا النمط من القيادة المزدوجة كان ينظر إليه كمظهر من مظاهر الميل لتجنب الصراعات حول انتخاب قائد وحيد  بين مختلف الفصائل و حتى على مستوى العشيرة الواحدة.
ومع ذلك فإن هذا لم يمنع تاريخيا من نشوء خلافات و انقسامات طائفية في قرى كالزقم والبهيمة و كقمار و تغزوت . 
ويقال أنه قد نشأت هذه الانقسامات الطائفية حتى في الأصل الواحد من هذه البلدات .  
استمر العداء بين طرود و عدوان لعدة قرون ، ولكن لا يوجد ذكر لحرب أخرىقد وقعت بينهما. 
في وقت ما غير محدد ربما في القرن الـ 17 كان التقسيم القديم بين المجموعتين يتداخل و يتقاطع من قبل تحالف سياسي جديد حيث  فرّ راعي من طرود (البدو) مع 25 من الإبل المسروقة إلى بلدة تغزوت فمنح حق اللجوء من قبل "سعود"الذين قاوموا الضغوط التي فرضت عليهم من قبل "طرود"  و قد دعاهم ذلك لعقد تحالف مع قرى الزقم و كوينين و مع بلدة سيدي عون الصغيرة و فرقة من بلدة ورماس حيث أن المشاركين في هذا التحالف كانوا يعرفون بـ " أولاد سعود "   كانت بلدتي الزقم و سيدي عون تعدان من قرى "عدوان" أما بلدات تغزوت و كوينين و وورماس فقد استقرت بين سكانها أعداد كبيرة من "طرود". 
تحالف أولاد سعود في جزء كبير منه يمثل معارضة من القرويين المستقرين ضد الهيمنة السياسية للبدو الرحل. 
وكذلك فالاتجاه السائد لهذا التحالف بين القرويين المستقرين أنفسهم للحصول على الدعم من البلدات المجاورة ضد منافسيهم كالزقم ضد البهيمة و سيدي عون ضد الدبيلة و كوينين ضد الواد و تغزوت ضد قمار.هذه الفصائل  سرعان ما أصبحت تشارك في السياسات الإقليمية الرئيسية بالمنطقة.


                                                            يتبع ...

8 يناير 2013

زيارة الشيخ عبد الحميد بن باديس لوادي سُوف سنة 1937م

الشيخ : عبد الحميد بن باديس
بعد انضمام الشيخ "عبد العزيز الشريف" لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين ، بادر بتنظيم زيارة لرئيس الجمعية ، بمعية وفد هام في شهر ديسمبر 1937م  وضم الوفد : الشيخ "عبد الحميد بن باديس"  والشيخ "الفضيل  الورتلاني"  و الشيخ "إمبارك الميلي"  والشيخ "محمد خير الدين"  والشيخ "العربي التبسي" والشيخ  "حمزة بوكوشة"  وقام الوفد بزيارة معظم قرى إقليم وادي سُوف والتقى بعامة الناس .
 و في هذا الصدد نستشهد بما كتبه الشيخ "محمد خير الدين" في مذكراته :
         "... انتشرت وفود جمعية العلماء المسلمين في كل مكان، و في الوفود التي شاركت فيها، وفد الصحراء الذي تكون من الشيخ "عبد الحميد بن باديس"  و الشيخ "مبارك الميلي"  زار هذا الوفد وادي سوف و كانت معقلا من معاقل الطرقية التي تناهض حركتنا الإصلاحية، و لكن الحركة الإصلاحية، سرت في كل مكان و أصبح لها أتباع ينتصرون بها و تنتصر بهم، و من جملة الشخصيات التي انضمت إلى حركتنا و أصبحت عضوا عاملا في إدارة الجمعية :  "عبد العزيز" ابن الشيخ "الهاشمي" رئيس الطريقة القادرية...."
         وفعلا، كان لهذه الزيارة الوقع الكبير في المنطقة حيث سجل لنا الأستاذ حمزه بوكوشة (رحمه الله) العضو الإداري لجمعية العلماء و أصيل الوادي تفاصيل هذه الزيارة في جريدة البصائر منها : "... و ما كادت الصحافة المحلية تنشر نبأ إيفاد هذا الوفد حتى هب دعاة الفتنة و الشقاق و حاولوا تصوير الجمعية و أتباعها لرئيس الملحقة السيد القبطان بصورة شوهاء و قاموا بأدوار في الجوسسة الدينية المدعمة بالاختلاق و الافتراء التي يعجز عنها شياطين الإنس و الجن ..."
. وهكذا بدأ أصحاب الطرقية في تحريك أعوانهم ليهاجموا الحركة الإصلاحية، فجعل هؤلاء يصفون الرئيس الشيخ ابن باديس بأنه وهابي، و عبداوي، و با أنه "عزرائيل"، رغبة في تنفير الناس منه، وسعيا إلى وأد الحركة في مهدها، و لكن استقبال الوفد كان فوق كل تصور أينما حل .
         ففي قمار استقبل الوفد من طرف الشيخ "الأخضر شبرو"  رئيس خلية جمعية العلماء بالوادي - و هو زيتوني، اشتغل باش عدل بمحكمة قمار - و كان معه السيد "عبد الكامل النجعي"  أمين مال شعبة الوادي و السيد "قدور" نائبه، و حين نزول الوفد من السيارة قدم له الشاب الناهض السيد " الطيب بن السيد الحاج عبد القادر بن فرحات" أحد أعضاء شعبة (تكسبت) و أحد المزاولين التعليم بجامع الزيتونة المعمور ... باقة من الأزهار قدمها بأبيات منها قوله :
يــا باقة أدي الســـلام اللائقا       *******     و إلى الرئيس صلي احتراما فائقا
         و في خارج بلدة (قمار) تجمع الناس في تظاهرة عظيمة للاحتفاء بالوفد . . و تقديم القهوة لهم ، و حينما أخذ الوفد مكانه قام الشيخ محمد الطاهر بن بلقاسم، أحد المتخرجين من جامع الزيتونة، و ألقى خطاب الترحيب و قصيدة طالعها :
   هبي يا قرية الرمال و هبـــــي   *******  واجبات اللقاء إلى خير وفد
   مرحبا بالذين هبــــــوا لحـــق      *******  أهله ضيعوه عن غير عـمد 
    نفخوا في البلاد روحا فأمست    *******    أمة تعرف الحقوق و تـفدى 
  ثم سار الوفد إلى الوادي و توجه إلى مكتب الحاكم العام العسكري في زيارة مجاملة و الذي ثارت مخاوفه من هذه الزيارة ، لكن الشيخ ابن باديس طمأنه و قال له :  " أنا كفيل بأن لا يحدث إلا ما تحمد عقباه و ستفرحون بالأثر الحسن الذي يتركه أثر رحلتنا في قلوب السكان . فقال له الحاكم العام العسكري : " إن الوادي لا تتوفر على قاعات مناسبة للخطابة " . فرد عليه الشيخ "عبد العزيز" بأن الخطب تكون في زاويتي ، و هي أوسع محل في البلد ، ثم خرج الوفد من مكتب حاكم الملحقة ليتناول وجبة الغداء على مائدة الشيخ "عبد العزيز" . 
الشيخ : بن باديس مع بعض أعضاء جمعية العلماء المسلمين
و من الغد صباح الخميس توجه الوفد إلى (عميش) ، فدخل إلى سوق (البياضة) و توجه بعد ذلك إلى المسجد الذي بناه الشيخ "الهاشمي" والد الشيخ "عبد العزيز الشريف" فاجتمع عليهم جمع غفير من الناس فألقى عليهم الشيخ ابن باديس خطابا توجيهيا، ثم عاد الوفد إلى الوادي لتناول الغذاء على مائدة الشيخ "عبد العزيز" ، و بعد الظهر توجه الجميع إلى (الزقم) ، و توقف الركب في طريقه بقرية (البهيمة) "حساني عبد الكريم حاليا" و استقبلهم السكان بكل حفاوة ، حيث أقيمت لهم عدة احتفالات. و لم يغادر الوفد إلا و الشمس عند المغيب .
وصل الجميع إلى (الزقم) مع الغروب ، فأقيمت لهم الولائم و انتشرت البهجة و الأفراح بمقدم الوفد ، و في السهرة أسست خلية جمعية العلماء بالزقم من خمسة عشر عضوا برئاسة السيد "معمري عبد الرحمان بن علي"  خريج  جامع الزيتونة . و قضى الوفد الليلة بالزقم ، و في صباح الجمعة رجع إلى الوادي ليحاضر الأمة في زاوية الشيخ "عبد العزيز" ، لكن المناسبة كانت يوم السوق الأسبوعي ، و تقتضي الفرصة أن يقام الاحتفال في ساحة السوق ، فذهب الشيخ "عبد العزيز" إلى الحاكم العسكري  ليفاوضه في الأمر، فأذن له، وعقد الاجتماع بساحة السوق و حضره خلق كثير ، و رغم دسائس الخونة و بعض الطرقيين للتشويش على هذا المهرجان و إفشاله ، و قد روجوا أن رئيس الوفد هو (ابن إبليس)  بأفكاره الوهابية الشيطانية و ذلك لتشويه سمعة الإمام ابن باديس، حتى يقاطع الناس هذا الحفل تفاديا لأفكاره الخطيرة ، و لكن كانت المفاجأة كبيرة حيث حظي الشيخ الجلل و الوفد المرافق له باستقبال رائع و بحضور جمع غفير ، و بإعجاب الجميع بخطبة الإمام ابن باديس التي كان لها وقع في نفوس شباب المنطقة خاصة ، و أصبح ذلك اليوم المشهود خالدًا و منحوتا في ذاكرة الكثير منهم - ويتذكرونه إلى اليوم - و يروي بعضهم أن بعض الأطفال قد سخروا برمي الحجارة على الوفد ، لكنهم انبهروا بكلام الشيخ ابن باديس ، فتركوا حجارتهم و انضموا إلى الحفل بكل غبطة و سرور للاستماع و الاستمتاع بأحاديث الإخوة الإسلامية و الأخوة الإنسانية و الروابط التي تربط المجتمع ، ثم قدم الشيخ "عبد العزيز" باقي أعضاء الوفد الذين ألقوا كلماتهم على التوالي و هم الشيخ "العربي التبسي" و الشيخ "مبارك الميلي" و "حمزة بوكوشة" و "محمد خير الدين" ، و بعدها طلب من الحاضرين الانصراف، حيث وقت صلاة الجمعة ، و بعد الصلاة تناول الوفد طعام الغداء على مائدة الشاب" البشير شحيمة".
         و بعد ذلك ذهب الوفد إلى مكتب الحاكم العسكري لتوديعه ، و إعلامه أن الزيارة قد انتهت بدون أي حادث ، و الجدير بالذكر هنا هو أن أسلوب جمعية العلماء في عملها كان دائما أسلوبا هادئا و سلميا حتى يطمئن له الحكام الفرنسيون ، حيث تقوم الجمعية بتهيئة الأرضية الصالحة للزراعة أولا ثم تغرس فيها بذور الثورة ، و تسقيها رويدا رويدا حتى تنبت و تترعرع  و يقطف ثمارها الناضج فيما بعد.
         غادر الوفد الوادي و اتجه إلى (تكسبت) حيث استقبلهم الشاب "الطيب فرحات"  ثم توقف في (كوينين) عند السيد "حمويا عبد الوهاب بن ناقا" الذي تبرع للجمعية بمبلغ خمسة و عشرين ألف فرنك فرنسي قديم ، بعد ذلك انتقل الوفد إلى (تغزوت) عند زاوية الشيخ "العيد التجاني" .
         و من الغد وصل الوفد إلى (قمار) حيث ألقى الشيخ ابن باديس درسا قيما و تبعه الشيخ "خير الدين" و "العربي التبسي" و "مبارك الميلي" ثم جاء دور الشيخ "عبد العزيز" فقام و قال : "إن الطرق بدعة لا أصل لها في الدين فحسبكم التمسك بالكتاب و السنة" و قال أيضا : "أنظروا أيها الإخوان إلى الفرق بين العلماء و شيوخ الطرق يأتونكم متفرقين في سباق لأخذ الزيارات . . الطرق شتّتتكم و أضرت بكم في دينكم و دنياكم و العلماء يريدون إرجاعكم إلى الكتاب و السنة و تعليمكم العلم الصحيح". (البصائر عدد 95).
ومن (قمار) انتقل الوفد إلى (الرقيبة) لزيارة مسجد البلدة لمصالحة الفرقاء ، حيث يذكر الشيخ محمد خير الدين : "... فقد زرنا (الرقيبة) و هي بلدة صغيرة تتنازعها طريقتان هما : القادرية و التجانية ، و قد بلغ الشقاق بينهما شأنا بعيدا فحرموا التعامل و التزاوج بينهما ، وقسموا المسجد الجامع شطرين . أقاموا في وسطه جدارا فاصلا فجعلوا من المسجد مسجدين، مسجد لهذه ومسجد لتلك وقد دعانا الشيخ عبد العزيز الى زيارة هذه الناحية واستقبلنا استقبالا حافلا فالقينا الدروس وعقدنا الاجتماعات ونظمنا الشعب ومضينا..." .
وقد كان لزيارة الشيخ بن باديس و وفد جمعية العلماء المسلمين لوادي سُوف نتائج طيبة تجلت فيما بعد نذكر منها :
* بث الوعي الوطني في المجتمع السوفي،والاتصال بالجماهير مباشرة بدون واسطة.
* كسر حاجز الخوف المضروب على المنطقة جراء الحكم العسكري بها.
* إبراز هيبة العلماء وربطهم بالجماهير وتمكينهم من تصحيح المفاهيم الخاطئة ولم شمل أبناء الجهة وتعليمهم نبذ الخلاف.
* إظهار زيف الفكر الخرافي بتقديم المبادئ الاسلامية صافية نقية من كل زيف وفق المنهج الباديسي الذي يستقي افكاره من نصوص القران الكريم والسنة النبوية الشريفة .
* السعي الحثيث لتنظيم وهيكلة الجمعية وتأسيس شُعب لها في المنطقة
 .
* تم فتح المدارس في مختلف انحاء المنطقة وخصوصا الوادي وقمار والزقم والرقيبة واستمرت في ما بعد في إعداد جيل أول نوفمبر ومعظم الثوار درسوا بها.
* عرفت زيارة ابن باديس سكان وادي سوف بالعلماء العاملين، فازداد إقبال الناس على أفكار الجمعية وصحفها التي كانت توزع في سوق المدينة .
* الإتصال بالقرى المعزولة و صناعة الحدث السياسي بجلوس الناس الى العلماء و السماع إليهم مباشرة  و الأخذ من كلامهم و أفكارهم الإصلاحية الجديدة.
* شجعت الشيخ عبد العزيز الشريف على تكثيف معارضته للإستعمار و تحديه له إقتداءً بوالده الشيخ الهاشمي فنظم إنتفاضة سنة 1938 كما سلف ذكرها , معتمدا المنهج الثوري في وقت مبكر مخالفا بذلك منهج الجمعية .

29 يونيو 2012

صفحات من الذاكرة : وادي سُوف دراسة عامة ج2

تمهيد :
قال الله تعالى : «  يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ »
 ليس المقصود بالتطرق لموضوع قبائل و أصول المجتمع السُوفي العودة للنعرة القبلية الضيقة ، أو لتمييز فئة قبلية بذاتها عن باقي الفئات ، فتاريخ وادي سُوف الطويل يشهد بأن أهل المنطقة جميعهم قد عاشوا في ألفة و محبة و تعاون ، وعانوا من نفس  الظروف القاسية إبان الحقبة الاستعمارية ، كما أنهم هبوا جميعا للدفاع عن أرضهم و عرضهم ضد المحتل الفرنسي الغاشم ، كما أنهم قد قدموا قوافل من الشهداء ابان ثورة أول نوفمبر التحريرية المجيدة عام 1954 ، و لكن هذا لا يمنعنا من العودة إلى الوراء لنتعرف على تاريخ وأصول و مكونات أجدادنا ، وظروف معيشتهم في تلك الفترة "بداية الخمسينات من القرن الماضي".

 الجزء الثاني : وادي سُوف أعراق و أصول 

قدر عدد سكان وادي سُوف في عام 1887 بـ  23000  نسمة  كما أن عددهم قد  تجاوزالـ  100000 نسمة في عام 1950.
إن تتبع منشأ السُوافة (Souafa) أي سكان سُوف ليس سهلا فقد مرت بسُوف العديد من الشعوب الأصلية القديمة، فقد كان الوندال المسيحيين يتم ترحيلهم إلى سُوف و ما زالت الأساطير التي تتحدث عن ذلك حتى الآن.
 ثم أتى العرب و منهم "بنو عُدوان"  (Adouane) وبعضهم يدعي أنهم أحفاد القبائل الأولى التي استقرت بالمنطقة  وخصوصا طُرود  (Troud) الذين وصلوا إلى المنطقة  في القرن  الثالث عشر والذين هم جزء من  "بني سُليم" (Soleim) ومعظم البدوالذين يقولون إنهم أسلافهم.
ما هي نسبة كل عنصر في عدد السكان حاليا ؟ 
دعونا لا نتوقف مع هذه  القضية ... ودعونا نلاحظ أنه من السهل تمييز بما يكفي أن العناصر الغالبة بين السكان هي العناصر البدوية العربية إلى جانب عدد قليل من الزنوج .
 آخر الوافدين إلى وادي سُوف هم "الشعانبة"(Chaamba)، الذين ألحقوا بقبيلة المصاعبة (Messaba) أما "الربايع" (Rebaia) و"القطاطية" (Guettatia) فقد اعتمدوا على قايد الأعشاش (Achèche).
الشعانبة Chaamba :
 ينقسم شعانبة الوادي  الذين يستقرون بالجنوب الغربي  لملحقة الوادي ، إلى :
1)أولاد غدير (Guédir): الذين ينحدرون  من نسل أولاد  فرج  من المنيعة (El-Goléa) الذين جاؤوا في القرن السابع عشر بحثا  عن  مراعي  في العرق الشرقي  بعد  أن عانوا لعدة سنوات متتالية من الجفاف .
2)أولاد عمران (Ouled Amrane): الذين لجأوا  إلى  الجنوب في القرن 19، بعد معركة  قتل فيها جدهم عمران منافسه  المير (El-Mir) ويقال أن هذين الخصمين المتنافسين ينتميان إلى عشيرة من أولاد بوسعيد  بورقلة.
لديهم أشجار النخيل في منطقة عميش (Amiche) و في وادي العلندة (Oued el Allenda)  فكانوا يعيشون في منازلهم  قليلا من الوقت وخاصة في موسم جني التمور أما الرعاة فيبقون في الصحراء.
ومن بينهم يتم توظيف أفضل وأكثر عددا من الجمالة "المهاريس" (Meharists) للجمعية في العرق الشرقي ومقرها في الوادي. ( هم عبارة عن فرع من المجندين الذين يركبون الجمال و يعملون كأدلاء في الصحراء).
الربايع  Rébaïa :
 النواة المركزية للربايع  (Rebaia) هي  في الأصل من جنوب تونس، وهي منطقة بالقرب من حدود طرابلس. ولا يزال لديهم أقارب في منطقة نالوت بليبيا .
وصلوا  لأول مرة إلى منطقة تماسين (Temacine) قرب تقرت، ثم طُردوا منها من قبل مشايخ التجانية (Tidjania) الذين أرغموهم على ترك  الطيبات القبلية (Taïbet el Gueblia) حين أتوا لتوسيع نفوذهم فيها.
 فذهب جزء كبير منهم باتجاه الأغواط مرورا بوادي الجدي  أما البعض الآخر فقد أتوا  إلى سُوف في القرن 19  في مجموعات صغيرة من  مختلف الأصول  ولكنها كانت تأتي  من الشرق في معظمها.
 حاليا،  يوجد  جزء من (Rébaïa) الربايع  يمثلون  حوالي 14.000 نسمة لديهم أشجار النخيل، ويميلون إلى حياة الاستقرار  في ضواحي المنطقة.
 فنجدهم في  الرقيبة  (Reguiba)، و في حاسي خليفة (Hassi Khalifa)، و المقرن (Magrane). ولكن في الغالب نجدهم يتركزون في منطقة عميش (Amiche) والبياضة. المراعي الخاصة بهم واسعة جدا. و يسافرون  في جميع أنحاء الجزء الشرقي من ملحق  الوادي و يخيمون في كثير من الأحيان قرب الحدود أو في الأراضي التونسية.
القطاطية Guettatia :
 أما القطاطية (Guettatia) فقد أتوا  مؤخرا من ليبيا  و تقاسموا المراعي مع الربايع   في  المنطقة الجنوبية الشرقية و العرق الشرقي .و لكنهم يميلون للحفاظ على استقلاليتهم.
و مع أن هذه المجموعات الثلاثة الشعانبة و الربايع و القطاطية كانت آخر المجموعات القادمة لمنطقة وادي سُوف إلا أنها لازالت أكثر تعلقا بتقاليد البدو الرحل التي جلبوها للبلاد  و من بين العادات الأخرى التي تحمل تأثيرات شرقية كرقص الخيول التي تثير  المفاجأة و الدهشة  في الأوساط الإسلامية.
ففي بعض المهرجانات و الاحتفالات تقوم الفتيات و الأرامل الشابات برفرفة  شعورهن الطويلة الفضفاضة "ما يسمى بالنخان" على إيقاع الأغاني البدوية و الأهازيج التي يرددها الرجال و الشيوخ  من الشعراء و المغنين التي  تدعو إلى تمجيد سحر الأحبة أو معاناة حبهم . أنظر  ( القائد فيري : رقص الشعور (أشغال معهد الأبحاث الصحراوية المجلد  1950  VI )
طرود Troud :
أما طُرود  فهم أقدم  البدو الذين عاشو في  ملحق الوادي (l'Annexe d'El-Oued) كما أنهم يمثلون  إداريا الجزء الأكبر من سكان القبيلتين الرئيسيتين :  الأعشاش (Achèche) و المصاعبة (Messaaba) .
وينحدر هؤلاء من جزء بسيط من بني سُليم (Soleim)  الذين وصلوا  إلى الجزائر في القرن الثاني.هذا على الأقل هو ما يزعمون، ولكن يبدو أنهم قد اختلطوا مع أجناس أخرى كبنو هلال. الذين لم  يسلم سكان البلاد في ذلك الوقت من غزوهم ومن غير المرجح  أن بنو هلال قد اختفوا  تماما، خصوصا أنهم كانوا قد اعتنقوا الإسلام، فيجب أن يفهم ذلك  أنه أمكن استيعابهم تدريجيا من قبل المجتمعات التي قاموا بغزوها.
 و تشمل قبائل طرود ما يلي:
*** أولاد جامع  (Ouled Djamaa) و أولاد أحمد (Ouled Ahmed) و الفرجان  (Ferdjane) و يتبعون إلى قايد الأعشاش .
*** الشبابطة (Chebabta)  و العزازلة  (Azezla) و يتبعون قايد المصاعبة .
عندما دخل الفرنسيون إلى  وادي سُوف تخلى العديد من هؤلاء عن خيامهم  و عن حياتهم البدوية  فوجدت بلدة الوادي الصغيرة  بجانب حي العزازلة و أولاد أحمد و أولاد جامع ثم إزدادت حركة النزوح و الاستيطان. 
و لكن لا زالت كل عائلة من بين خمس عائلات تعلق وجودها بشدة في الصحراء واقتصر تدريجيا بطبيعة الحال في المنطقة الخاضعة للعرق الشرقي كما أنهم أصبحوا معتادين على تثبيت خيامهم بالقرب من القرى  في  أغلب أشهرالسنة.
كما  أن لعلاقتهم  بإخوانهم  الذين يعيشون حياة الاستقرارا تأثيرا  كبيرا  عليهم.
 وباستثناء جماعات  الشعانبة و القطاطية التي ظلت على حالة البداوة والترحال أي ظلت على حالها تقريبا، فإن الربايع قد قل تواجدهم نسبيا عن هذه الحالة بفعل التطور الاجتماعي والتي يقودها القانون الذي لا يرحم.
لكن الكتلة البدوية من الأعشاش و المصاعبة أخذت في التناقص يوما بعد يوم . و  الذين يمكننا تقدير عددهم بحوالي  30.000 نسمة  و التي تشكل الكتلة المستقرة  التي  تعيش على زراعة النخيل.
أولاد سعود Ouled-Saoud :
هذه الكتل المستقرة التي تشمل بالاضافة للأعشاش و المصاعبة  هناك قبيلة أولاد سعود (Ouled-Saoud ) الذين يستقرون بمنطقة قمار و يعيشون على زراعة النخيل.
 و لذلك فيمكننا القول أن مجموع السكان الذين يعيشون حياة الاستقرار بسُوف و يعتمدون في معيشتهم  على جني و بيع التمور يقدرون ما بين 60 إلى 70.000 نسمة في المجموع.
معيشة السكان (السوافة) :
 يشتغل معظم  السوافة (Souafa) في أعمال صعبة و شاقة .فيبدؤون عملهم  من الفجر إلى غاية  الليل  فيقومون  بابعاد و رفع الرمال التي تغزو بساتين النخيل "الغيطان" كما يقومون بسحب المياه من الآبار لري مربعات صغيرة   لزراعة الخضار كما يتم في كل عام  تغيير التربة على عمق ثمانين  سنتيمترتقريبا. انهم يعيشون حياة قاسية.
غذاؤهم الرئيسي هو التمر و القليل من خبز القمح أو الشعير أما لباسهم في الصيف فقميص من القطن مع حزام ضيق  أما في الشتاء  فيلبسون "قندورة" (gandoura) من الصوف منسوجة من قبل زوجاتهم.
يمكن للمرء أن يشعر  بتعاطف عميق معهم عند زيارة بساتينهم كما يمكنه أن يلاحظ  الكثير من البؤس و الآلام لكن ذلك لا يقلل من الصفات الأخلاقية الحميدة التي  يتمتعون بها. 
عادات عريقة و أخلاق حميدة :
فعلى سبيل المثال في قرية ورماس الصغيرة (Ourmes) على وجه الخصوص قد لمست وداعة سكانها و لطافة تصرفاتهم و كرمهم و صدقهم و ترحيبهم بالضيوف .  
 هؤلاء المزارعين الفقراء يعرفون كيفية تنفيذ أعمال خيرية. فقد كان تضامنهم و تعاطفهم واضحا عام 1946  عندما لجأ إلى  وادي سُوف  حوالي 20.000 من النمامشة (Nementcha) من منطقة تبسة و الذين  كانوا يعانون من حياة البؤس والجوع  .
 أقل تعاطفا ربما مع سكان أهم المراكز  من الأثرياء و البورجوازيين  الذين يعيشون حياة أقل صعوبة .
 أحيانا أصحاب البساتين التي يتم الاحتفاظ بها من قبل الخماسة فهي  تولد الإيرادات في المقام الأول من التجارة.يظهروا أنفسهم القدرة والمخضرمين.
كما تجد بالقرب من المحلات التجارية التي تبدو رثة ، العمال الموسميين  الذين يتقاضون مبالغ زهيدة يوميا.
 وهناك من ليس لديهم موارد  محددة بشكل واضح، مثل الذين يدعون "بالشماسة " (chemassa) الذين  يتسكعون في الغالب في الشمس، ينتظرون  وقوع حوادث أو مشادات بين الناس  فيكونون من المتفرجين عليها  و تكون الترفيه الخاص بهم .
الكثير من الأطفال يلعبون و يمرحون في مجموعات كالرهبان و يمكنك سماع صراخهم  و صياحهم و خاصة بين الحشود .
الخاتمة :
كم هو رائع مشهد الكثبان الرملية العظيمة في العرق الشرقية، والمنازل ذات القباب، والمناطق  التقليدية ، والنساء و هن يرتدين الملابس السوداء، ويتزين  بمجوهرات  من الفضة و أهالي الوادي  وهم يتجهون  لقضاء شؤونهم.و لا يمكن لمن عاش في هذه البلاد إلا أن يحبها و يشده الحنين إليها كما لا يمكنه إلا استحضار ذكرياته مع السوافة في أشغالهم و معاملاتهم . إنها مدينة الألف قبة وقبة ذات السحر الآخاذ  والتي وصفتها "ايزابيل أبراهاردت" جيدًا  (Isabelle Eberhardt) :« المدينة الرمادية التي فقدت في الصحراء الرمادية  كم تغمرني السعادة في الصباح الوردي الذهبي الأبيض  أو في وهج الظهيرة الذي يعمي الأبصار أو في المساء ذو الاشعاع الأرجواني و البنفسجي ...  رمادي رمادي مثل الرمال التي ولدت فيه  تحت سماء الشتاء الشاحب » .

                                           القائد فيري : (Commandant Ferry)

ملاحظة : يمكن لمن يريد نسخ أو نقل هذا الموضوع و لكن يرجى ذكر المصدر فقد أخذت مني ترجمة هذه الدراسة و قتا و جهدا معتبرا و شكرًا.

28 يونيو 2012

صفحات من الذاكرة : وادي سُوف دراسة عامة ج1

مقدمة :
بينما أنا أتصفح بعض المواقع عثرت على هذه الدراسة  بعنوان "سلسلة دراسات حول الصحراء : سُوف" ( Série monographies : Sahara  Le Souf) التي نشرت بتاريخ 10 مارس 1951 من إعداد أحد الضباط الفرنسيين يدعى "القائد فيري" (Commandant Ferry) و التي  تؤرخ لبعض خصاص و مميزات المنطقة في أواخر الأربعينات و بداية الخمسينات من القرن الماضي.
ومع أن هذه الدراسة قد تطرقت  بشكل إحصائي و إجمالي في بعض الأحيان و عابر في أحيان أخرى لأهم الخصائص الطبيعية للمنطقة في تلك الفترة "الخمسينات"  و تطرقت لأهم  القبائل و الأعراق التي استقرت فيها في فترات متعاقبة ولأهم مميزات و خصاص المجتمع السُوفي و ظروف معيشة السكان.
 إلا أن هذه الدراسة تبقى دراسة استشراقية ركزت على جوانب و أهملت جوانب أخرى حسب أهواء مؤلفها و رغبة قارئيها من الفرنسيين في ذلك الوقت و الله أعلم ...
لكن لعل الشيء المهم في هذه الدراسة أنها تقدم لنا بعض المعلومات الاحصائية التقريبية  التي جمعتها سلطات الاحتلال الفرنسي في ذلك الوقت عبر ملحقة الوادي عن المنطقة .
و نظرا لطول هذه الدراسة نوعا ما فقد إرتأيت تقسيمها إلى جزأين خصصت الجزء الأول منها لنظرة عامة على وادي سوف في بداية الخمسينات من القرن الماضي و خصصت الجزء الثاني لمكونات و قبائل وادي سوف في تلك الفترة و أصول و مميزات كل مكون منهم .
  قبل أن نبدأ في استعراض هذه الدراسة أود أن أعتذر لكم مسبقا عن بعض الأخطاء الغير مقصودة و الناجمة عن الترجمة الحرفية لبعض الكلمات و الجمل المبهمة و التي قد لا توصل المعنى بشكل دقيق كما في النص الأصلي .
                  الجزء الأول : وادي سُوف  نظرة عامة
« لقد عشت لعدة أشهر في هذه البلاد ... أستطيع أن أتكلم ... رؤيتي الأولى للوادي كانت كالوحي الكامل بالنسبة لي ... في النهاية هذه البلاد الوعرة  والجميلة هي سُوف ... فجمالها غريب غريب ... و فيها حزن شديد...»   إيزابيل ايبراهاردت  (في ظلال الاسلام الدافئة)
تمهيد :
 لم يعد سُوف ذلك البلد الغير معروف فيمكن لعدد متزايد من السياح الوصول الى هناك بسياراتهم الشخصية فالمهم  أن  تكون هذه السيارات قوية . و لديهم أيضا خيار الركوب في الحافلات التي تقدم خدمة يومية بين بسكرة والوادي ، فعلى الرغم من سوء حالة الطريق إلا أنه منذ زمن غير بعيد كانت الرحلة إلى وادي سُوف أكثر صعوبة، عن طريق الجمال أو الأحصانة التي  تكمل مسيرتها من بسكرة أو تقرت.
 ففي  العام 1899  أتت الفارسة الأوربية "إيزابيل إيبرهارد" (ISABELLE EBERHARDT) إلى  سُوف حيث التقت  أحد ضباط الصف  "مصطفى هني " الذي تزوجته فيما بعد وخلال زيارة قامت بها  إيزابيل إيبرهارد إلى قرية "البهيمة"  (Behima) قرب الوادي  و في أحد بساتين النخيل ، تلقت  ضربة بحد السيف من أحد المتعصبين فأصيبت بجراح خطيرة  لكن ذلك لم يؤثر في حبها للمنطقة و سكانها فقد تأثرت  كثيرا  بالكثبان الرملية الحارقة والقباب و كتبت  صفحات عدة مشبعة  بمشاعر و أحاسيس الحب لسُوف و أهلها.
"أندريه جيد" (André Gide ) نفسه، جاء إلى وادي سُوف  عن طريق الإبل و أحبها، و عندما عاد  إليها بواسطة السيارة، في أبريل  1942، ورفع لنا رحلته في العصر البطولي.
 دراسة أخرى مهمة، حول سُوف ، نشرت في عام 1947 من قبل القائد "كوفت" (Cauvet) وقدمت العديدا من الأوصاف حول هذه المنطقة ، دون أن نهمل تلك الدراسات الخاصة التي أعدت من قبل ضباط  شؤون السكان الأصليين.
كما نشر السيد "ديرمينغيرن" (M. Dermenghern)،أمين المكتبة العامة للحكومة، في  مارس 1949 مقالاً في "مجلة العلوم والأسفار"  بعنوان " سُوف بلاد غريبة وجميلة" (Le Souf pays étrange et magnifique).
قبل البدأ تجدر الاشارة إلى أنه قد تم في هذه الدراسة الاعتماد على الوثائق والأرقام  الجزائرية  والتي  منها على وجه الخصوص منجزات "ملحقة الوادي" (أنظر السلسلة الاقتصادية رقم 021).
نعتقد أننا قد أثبتت الآن  بما فيه الكفاية أن وادي سًوف الآن لم يعد ذلك البلد الغير معروف.
 فهي  تقع إلى الجنوب من بسكرة، و إلى الشرق من تقرت، و إلى الغرب من نفطة "بتونس"
ففي ملحق الوادي يعيش المسلمون  في سُوف  و ينتشرون  فيها  على امتداد 80.000 كيلومترا مربعا  على طول الحدود التونسية
إلى  نواحي  "غدامس"، على طول أكثر من 500 كيلو مترا.
 ويتكون اقليم وادي سُوف في جزئه الشمالي من منطقة صخرية، تغطيها بعض الخضرة وكتل متفرقة من الغبار الذي لا يتوقف.
 كما يوجد حولها  شطوط  مهجورة وقاحلة كشط ملغيغ الذي  يعد  الأكبر.
 ثم تمتد الكثبان الرملية من العرق الشرقي ، متشابكة متراصة و منخفضة ثم تزداد في العلو ، تضغط بعضهما البعض، و مفصولة بممرات عميقة على نحو متزايد كلما اتجهنا نحو الجنوب فهي تشبه  البطاقة البريدية للصحراء الكلاسيكية المتعرف عليها و التي تعجب السياح  فالسماء الزرقاء والشمس الساخنة، والجمال التي تسير ببطء و تناسق عبر كتل من الرمال الناعمة الصافية و المتموجة بفعل  الرياح.
  أما الواحات فتظهر على الخريطة على امتداد الثلث العلوي من ملحق الوادي كأنها بقع خضراء على امتداد فروع الوادي الذي كان يجري في المنطقة قديما و الذي أخذت وادي سُوف تسميتها منه فبما بعد .

 إنه بلد أصيل :
أما بساتين النخيل "الغيطان" فهي في الأصل عبارة عن حفر عميقة  و واسعة في الرمال تصل إلى مستوى المياه الجوفية فتغرس شجيرات النخيل بالقرب من هذه المياه و تصبح جذورها في الماء فلا تحتاج إلى السقي و الري .
لكن ذلك يتطلب وجود أعمال صيانة دائمة لهذه البساتين لابعاد الرمال التي تغزوها بفعل الرياح فيقوم الفلاحون برفع هذه الرمال إلى أعلى البساتين  بواسطة سلال من جريد النخل على ظهورهم أو على ظهور الحمير و تستمر هذه المعركة الضارية بين الإنسان و الطبيعة القاسية .
إن أشجار النخيل في سُوف غير مرئية تقريبا على سطح التربة لكن عند التحليق بالطائرة في الجو تجد حوالي 400.000  نخلة قد زرعت بجهد وعناء كبير.
في الأصل يعيش السكان بالقرب من بساتين النخيل و قد  بنى السوافة منازلهم بشكل معماري نادر و غريب  فمواد البناء موجودة في موقع البناء و تتمثل هذه المواد في الجبس ذو البلورات المتفاوتتة النقاء و نوع من الحجارة المحلية ذات أشكال متنوعة  تدعى وردة الرمال (roses de sable). الجبس ذو النوعية الممتازة الذي يستخدم كمادة لتماسك البناء يتم الحصول عليه عبر طهي كتل من الحجارة البيضاء التي يتم استخراجها من محاجر منتشرة في كل الأماكن أما الوقود المستخدم في عملية الطهي فهو عبارة جذوع و جذور الأشجار الصحراوية التي يجلبها البدو من الصحراء.
و قد دفعت ندرة الأخشاب و الأعمدة بالبنائين لابتكار طريقة نموذجية في بناء القباب فيربطون خيطا برأس المسمار الذي يتجسد في مركز هندسي محسوب بعناية  فيشكل هذا الخيط نصف قطر الدائرة لهذه القبة. كما يلاحظ أنه لم يتم تقليد النماذج المستخدمة في المناطق الأخرى.

ولعل الشيء الملاحظ  و أنت تتجول في أقدم المراكز، كالوادي ( El-Oued)،  و تغزوت  (Taghzout) و قمار  (Guémar) و الزقم ( Z'Goum)، أن السوافة قد انتشروا  كانتشار  النحل  في الربيع  فقد بنيت القرى الجديدة  كالرقيبة (Reguiba) و البهيمة (Béhima)  و  ورماس  (Ourmes)  و المقرن  (Magrane) ، و البياضة (Bayada)، على سبيل المثال لا الحصر. حيث المساجد ذات المآذن الأنيقة التي تتوسط مجموعات من المنازل المدمجة مع الجدران الفارغة.
إنه بلد فقير :
 يربى في سُوف  ما يقرب من 10.000 من الإبل و 40.000 من الأغنام و 40.000 من الماعز و هذا ما يسمح للبدو على البقاء على قيد الحياة ويتمتعون  بسهولة نسبية في العيش خصوصا عندما تسقط الأمطار في فترات مواتية لنمو المراعي. لكنهم قد يتأثرون خلال سنوات الجفاف.
كما أن انتشار زراعة التبغ خصوصا في منطقة قمار يعطي الفلاحين نوع ما بعض  الاستقرار في العيش.
كما تقوم النساء في كل مكان ببعض الأشغال الحرفية كحياكة و نسج  الأغطية و الأفرشة و السجاد وبالتالي زيادة دخل عدد من العائلات.

 لكن يبقى بيع التمور هو الشريان الرئيسي للحياة  فمنتوج دقلة نور بسُوف يتمتع بحق بسمعة ممتازة في جميع الأسواق. لكن هذا المصدر الحيوي يبقى غير كاف بالنسبة لعدد السكان الذي يتزايد باستمرار. أيضا فعدد كبير من الرجال في سن العمل (حوالي 30 %) لديهم الرغبة في الهجرة إما للعمل بالمناجم بتونس أو للعمل بمدن التل  كقسنطينة و عنابة على وجه الخصوص.
قدر عدد سكان وادي سُوف في عام 1887 بـ  23000  نسمة  كما أن عددهم قد  تجاوز الـ  100000 نسمة في عام 1950.
                                                              يتبع ...

6 أغسطس 2010

من تاريخ وادي سُوف (3)

                وادي سُوف الإستقرار بعد الصراع
بعد ماقدم بنو طُرود بن سعد بن فهم إلى أرض سُوف و طاب لهم المقام فيها لبعض الوقت مارسوا حياتهم المعتادة في موطنهم الجديد من رعي الإبل و تربية المواشي و الأغنام و التي تعتمد كثيرًا على  و فرة الماء و المرعى و من هنا بدأ الصّدام بينهم و بين زناته التي سبقتهم لهذه الأرض و أنشأت فيها القرى (تكسبت القديمة – الجردانية – و البليدة القديمة ) و حفرت فيها الأبار. فزناته كما ذكر ابن خلدون : (( آخذون من شعائر العرب في سكنى الخيام و اتخاذ الإبل و ركوب الخيل و التغلب في الأرض و ايلاف الرحلتين ...))

و رغم أن الفريقين يجمعهما دين الاسلام إلا أن حياة البداوة والتي تستند للتعصب للحمية القبيلة و إيثار المصالحة الخاصة و الرؤيا الضيقة سرعان ما أججت الصراع بين الطرفين .
تنازع طرود وزناته :
بعد أن وقع الخلاف بين طرود وزناته تكسبت من أجل الماء تخوف الآخيرون منهم فنشط بعضهم بعضاً واجتمع رأي كبارهم على تدبير مكيدة لطرود ولم يظهروا ذلك لسفهائهم مخافة التحدث وإفشاء الخبر .
فبعث سيدي عبدالله بن أحمد الى طرود يخبرهم بما عزمت عليه زناته فسرى فيهم ذلك الخبر ونشط القوي الضعيف وأعان الغني الفقير لأجل القدرة على رد أعداء زناته .
وصار قوم زناته يتطلعون الفرصه للغدر بطرود وتجسسون على أخبارهم وعصبيتهم بعد تفرقهم في منازل متعدده , وصار يصعد منهم في الليل جماعه للحراسه فوق كثيب من الرمل يترقبون منه مايصنع أهل طرود فسمى ذلك المكان الرقوبه ( وهو مكان غوط سيدي سالم العايب ) الآن شرقاً من زاويته بنحو ثلث ميل .
فلم يجد جماعة زناته منفذاً لمباغتة طرود لتحصينهم بالعسس في نواحيهم واجتماع أكثر الناس قربهم , فتشاوروا على ما يصنعون واتفق رأيهم على مهاجمتهم بغته في ثلث الليل الأخير من الناحية الغربيه لقلة ساكنيها .
فأخبر سيدي عبدالله طروداً بذلك وعيّن الزمان والمكان الذي تريد زناته الهجوم منه فأخذ طرود أسلحتهم وباتوا وقوفاً ينتظرون وإذا بقوم زناته من كل حدب ينسلون فتلقاهم طرود بحزم متأهبين , وكان المكان الذي التقوا فيه هو صحن القاره قرب تكسبت الموجوده في وقتنا هذا .
وكان أصحاب الرأي من كل فريق يوعظونهم وينادون بالإمساك عن القتال والكف عن الخصام فتأخر كل فريق إلى ناحيته .
قيل قتل ألإراد من طرود من بينهم سيدي يوسف صاحب الضريح المعلوم والمقبرة المشهوره .
ثم التقى طرود وزناته مرة أخرى قصد القتال بمحل أرض القارة الآن أعني بأرض القاره الجوفيه الشماليه لا الأرض القبليه التي بحصن الماسط شرقاً منه .
وقد انحاز الى طرود كثيرًا من بني عدوان وخرجوا في عدة تامه وعدد كبير ولم رأتهم زناته على هذه الحاله سرى في قلوبهم الخوف فتراجعوا منهزمين .
ورجع طرود وأنصارهم ظافرين غانمين الأسلحه والدروع والثياب عازمين على أنهم بعدما يصلحون شؤونهم يرجعون الى قوم زناته ليخرجوهم من ديارهم ويأخذوها منهم رغماً .
الصلح بين طرود وزناته :
قال القدماء : حين بلغ زناته خبر طرود وعزمهم على تخريجهم من بلدتهم وتخريبها , عقدوا مجلساً لبعض رؤسائهم ومن جملتهم قاضيهم علي بركة الوصيف وكانوا على دين الرافضه وكذلك طرود في ذلك الوقت ولم يكن لها اكتراث بذلك القاضي ولا امتثال لأوامره وغنما جعلوه اقتداء بمن جاورهم من البلاد مثل الجريد , إذ أيقضها الله من نومها وأخرجها من ظلمتها علي يد سيدي أبي علي السني قبل سوف بكثير .
كانت نتيجة تلك الجلسه طلب الصلح من طرود وإظهار الغلبة لهم حتى يطمئنوا اليهم فإذا طال الحال وسارت الهدايا من الجهتين تتمكن زناته من خداع طرود وقتلهم بوجه آخر .
فوقع الأمر كما ذكر وأهدى الزناتيون هدايا لطرود وطلبوا منهم العفو عما سلف , قائلين لهم أنهم يؤدون قوماً ذوي بأس شديد يحمونهم ويذودون عنهم وأنهم ما لازموا هذه الأرض إلا فراراً من أصحاب الظلم الذين كانوا متسلطين على الجريد واستصفوا أمواله وأذلوا رجاله وخربوا مساكنه الرفيعه .
فقبل طرود تلك الهدايا وتركوا ماكانوا عزموا عليه وسكن غيظهم وكثر التردد على كل قبيله من الأخرى , واتفقوا على أن من يذكر الوقائع القديمه التي كانت بينهم ولو تعريضاً يقتل ولو كان سيد قومه وأن القبيله التي تبدأ بالشر يتسلط عليها أصحابها وغيرهم ويخرجونها من الأرض رغماً .
فدام الحال على ذلك نحو السنتين حتى نسيت طرود ما فات وأقبلت على إصلاح شؤونها وكان سيدي مستور يقول لطرود : إياكم والغفله عن زناته فإنهم إذا تمكنوا منكم يقتلونكم وإذا لم يقدروا على ذلك يكيدونكم بمكيده يهلكونكم بها , فلم يعبأوا بقوله ظانين أن زناته متمسكين بالعهد ويخشون من نقضه كما أنه كان يرشدهم في أمور دينهم ودنياهم كما فعل سيدي عبدالله مع أهل تكسبت حتى تركهم واشتغل مع عبده بالتعبد في مكانهما الآن .
وكان سيدي مستور يقول لطرود : لاتمنعوا أحداً أجنبياً أتاكم من السكنى معكم بل أكرموه وزوجوه لتكثروا فتهابكم الناس , وأيضاً فإن الولد الذي يأتي لكم من الأجانب يكون أشد بطشاً وأشجع ممن يأتي لكم من بعضكم لحرارة الأول وبرودة الثاني كما قيل .
بناء طرود لقرية تكسبت :
أرادت بني طرود بناء قريه بقرب تكسبت فمنعتهم زناته متعللين بأن الأرض ضيقه وماؤها قليل فلا ينبغي التزاحم فيها والأفضل التباعد ليجد كل واحد أرضاً حول بلدة ترعى فيها الحيوانات وتسرح بها الدواجن فاتفق رأي طرود على تهيئة الحجر وحرق الجبس في موضع لايراهم فيه الزناتيون ويبنون خفية حيث أرادوا وإذا تم ذلك لاتقدر زناته على نقضه .
فحرقوا حينئذ الجبس في سندروس وأتوا بالحجر من الفولية وبنوا لزعمائهم بيوتاً صغاراً أي بيتاً لكل واحد منهم في المكان المسمى الآن ( البلد ) في حافة السوق الغربيه شرقاً من منازل اليهود الكائنين في هذا العهد وكان اليهود وقتئذٍ مازالوا بنواحي جلهمة , ففي ليلة واحده أتموا بناء سبع بيوت ولم تعلم زناته بذلك وزادوا في الليلة الثانيه تسع بيوت , وقيل , كانت التسع في الليلة الاولى والسبع في الليلة الثانيه , ولما فطنت زناته اغتاظوا غيظاً شديداً وعزم بعضهم على هدم ذلك البناء فمنعهم كبارهم قائلين لهم : لاتفعلوا شيئاً إلا بمشورة من له الرأي فيكم .
فسمعوا كلام كبيرهم على ألا يظهروا الجزع والنفور من مجاورتهم بل أظهروا لهم البشاشه ورغبتكم في مساكنتهم غير أنكم كنتم أردتم منهم البعد قليلاً وحيث لم يتيسر ذلك منهم فلا بأس بالبناء بالمحل الذي بنوا فيه , وإذا إطمأنوا لكم وطال الأمد اجلعوا لهم مكيده .
فزاد بني طرود في البناء جهراً وجعلوا زرائب من الحلفاء والمرخ قائمه على خشب الأزال واشتغلوا بالأسفار الى النواحي القريبه كالجريد والزاب ووادي ريغ خصوصاً تماسين كما يسافرون الى ورقلة وغدامس وتارة إلى السودان , أما الجهات الأخرى فقليلاً مايذهبون إليها لكثرة قطاع السابله فيها ومرور الجيوش بها وكثرة الأهوال في ذلك الحين .
دس السّم في عشاء طرود :
لما طال الحال عزم الزناتيون على فعل مكيده لبني طرود وقد عزموا عليها سابقاً واتفقوا على ضيافة قوم طرود وأن يكون ذلك في وقت العشاء لئلا تظهر المكيدة وقد فكروا في وضع السّم في الطعام ليموت كل من أكل منه , قيل أنهم جلبوا سّم ساعة من الأندلس , فنهاهم سيدي عبدالله عن ذلك فلم يصغوا لقوله متعللين بأن طروداً ماتركوا إذايتهم إلا حين نالوا ما أرادوا .
ثم استضاف الزناتيون طروداً فأجابوا لذلك ظانين عدم الخديعه وأنهم مافعلوا ذلك الا لتمكين الروابط ناسين ماقد أخبرهم به سيدي مستور , فاشتغل الزناتيون بطبخ الطعام من الصباح وكانت قريتهم لها سور وبهذا السور بابان وفي كل باب حرس يتفقد أحوال الداخلين والخارجين فإذا رأى الحارس ما شك فيه يخبر أصحاب الشرطه فيبدون فيه رأيهم , وكان أهل الشورى أخبروا أهل القرية بأن لاتذهب قصعة الطعام إلى طرود حتى تمر عليهم ليدسوا فيها السّم .
وكان سيدي عبدالله يترقب الفرصه ليذكر طروداً بصنيع زناته وليتجنبوا أكل طعامهم فأرسل عبده إليهم بإنزاله من جدار السور الغربي فوصلهم في الحين وأخبرهم بما كان .
فلما بلغ الخبر بني طرود تشاوروا في الأمر واتفقوا على ان لايظهروا ذلك الى الزناتيين ولكن يشيعون أنه أتاهم خبر بأن ابلهم أغار عليها العدو في الصحراء الشرقيه ويظهر فتيان طرود اللحاق بها ثم يكمنون في المكان المسمى الآن العلندوي حتى يفوت وقت الطعام ويفسد وعندئذ يرجعون .
فلما جن الليل أقبل جماعة زناته بالطعام الى منازل طرود وجلسوا حسب مشورة كبرائهم لينظروا أكل القوم فاعتذر طرود عن الاكل متعللين بأن أكبادهم مجروحه بما حدث لإبلهم ولايدرون أيضاً ما حل بأبنائهم في الموت أم في الحياه .
حينئذ رجع جماعة زناته بالطعام ووقع في نفوسهم من ذلك شيء ولكنهم لم يجزموا فأراقوا ذلك الطعام في حفر عميقه وردموا عليها بالتراب .
ثم من الغد قدم فتيان طرود وظهر أن أمر الابل لم يكن منه شيء فتيقن الزناتيون بأنه أخبرهم بالمكيدة مخبر ولايكون غير واحد من أصحاب المجلس إذ لم يطلع غيرهم على ذلك الخبر قبل إحضار الطعام حيث حذرهم من الاكل منه .
وذهبوا يطوفون حول السور عساهم يجدون أثر فوجدوا أثر قدمي العبد أي خدام سيدي عبدالله عندما نزل من السور ذاهباً الى طرود وراجعاُ من حيث نزل , فأتوا إلى سيدي عبدالله ولاموه على فعله وتهددوه , قيل وفرقوا بينه وبين زوجته , وأخرجوه من بينهم فنزل بالمحل الذي به زاويته الآن , وجعل عريشاً له وعريشاً لخادمه يتعبدان فيهما .
خراب تكسبت القديمة :
اتضحت العداوة بين طرود وزناته وانقطعت المواصله بينهما , وكانت امرأه من زناته لها محبه مع رجل من طرود تختلف إليه في بعض الأحيان , فأتته يوماُ وأخبرته بأن جهة السور الغربيه قد سقطت وأنها الآن خاليه من الحرس , فأخبر قومه طروداً بذلك , واجتمعوا في آخر الليل وجمعوا شتاتهم ثم هجموا على الزناتيين من جهة السور التي سقطت , وكذلك ذهب بعض من طرود الى القرية الأخرى وهى بلا سور وهجموا عليها , فما طلع النهار الا تم لهم ما أرادوا وانجلى جميع من كان بالقريتين من زناته فمنهم من توجه الى نفطه ومنهم الى ورقلة والأكثر الى تقرت .
وخلا الجو لطرود بعد انجلاء زناته عن الارض فجالوا فيها من غير معترض وانتشرت أحياؤهم واتسعت مراعيهم واستتب أمنهم ولله في خلقه شؤون .
                                            انتهى.

يقول الله تعالى :{  يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }  صدق الله العظيم .
لست مؤرخا أو باحثا في التاريخ لكني أردت بهذا العمل المتواضع جمع ما أمكن جمعه من تاريخ أجدادنا والذي يحتاج للكثيرمن التدقيق و التوثيق و الدراسة العلمية الأكاديمية لنفض الغبار عن قرون من النسيان فمن حق هذا الجيل و الأجيال القادمة معرفة تاريخ أجدادهم و الافتخار به لأنه لا مستقبل بدون ماضي. و لإن تقدم الشعوب و الأمم لا يتم دون معرفة تاريخها و أمجادها.
فعلى جميع المهتمين و الباحثين و كل من لديه معلومات تخص تاريخ سُوف حاضرًا و ماضيا
ألا يبخل بها علينا لتعم الفائدة للجميع من خلال التعليق على هذه الصفحات المتواضعة أو مراسلتي على البريد الالكتروني التالي :  asoufi44@yahoo.fr   و أجر الجميع على الله.
ملتقانا مع ( الاحتلال الفرنسي لوادي سُوف ) عن قريب بحول الله.
              
                                        مع تحياتي : عادل السوفي     
                                                                  
 المصادر :
- كتاب تاريخ ابن خلدون :(كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر)
- مقتطفات من كتاب الصروف في تاريخ الصحراء و سوف (إبراهيم محمد الساسي العوامر) .
- مقتطفات من كتاب تاريخ العدواني (محمد بن محمد بن عمر العدواني)
- شبكة و مجالس قبائل فهم ( قبيلة بني طرود الفهميه وهجرتها /الجزء الثالث ) (سعد كامل الفهمي).
- شبكة و مجالس بني عدوان .
- النسابون العرب ( قبيلة طرود الفهمية القيسية بتونس).

5 أغسطس 2010

من تاريخ وادي سُوف (2)

وادي سُوف الهجرة والنشأة

شهدت العصور المنصرمة تنقلات كثير من القبائل العربية من مواطنها القديمة في الحجاز وتهامة واليمن إلى نجد واليمامة والبحرين وعمان والعراق والشام ومصر وشمال أفريقيا.
وقد أخذت تلك الهجرات شكلاً جماعياً حينا, حيث تهاجر معظم بطون القبيلة، أو شكلاً جزئياً فتهاجر بعض فروعها.
وقد كانت تلك التنقلات لأسباب متعددة تفرضها الحياة البدوية التي تعتمد على الترحال طلبا للماء و الكلأ أو بفعل الحروب القبلية في الجاهلية والفتوحات الإسلامية في صدر الإسلام .
و لم تكن تلك الهجرات كاملة، بمعنى أنه بقى فروع من قبيلتي عدوان و فهم في الحجاز و تهامة ، حتى وقتنا هذا.

مشاركة جديلة قيس بفرعيها عُدوان وفهم في فتح بلاد مصر :
أكدت المصادر التاريخية القديمة إشتراك جديلة قيس بفرعيها عدوان وفهم في الفتح الإسلامي لمصر، و إستيطانها شأنها شأن القبائل العربية الأخرى بل كان لها السواد الأعظم من قيس في تلك البلاد.
واستناداً إلى ما جاء في كتاب صاحب خراج مصر عبدالله بن الحباب إلى الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك خلال الفترة من 103هجري حتى 116هجري، حينما طلب منه إرسال قبائل من قيس إلى مصر، قائلاً: (( أن ليس في مصر من قيس سوى قليل من جديلة وهم فهم وعدوان )).
وعن الهيثم بن عدي قال: (( حدثني غير واحد أن عبيدالله بن الحباب لما ولاه هشام مصر قال: ما أرى لقيس فيها حظا إلا لناس من جديلة وهم فهم وعدوان )).
وعقب الباحث عبدالله خورشيد على كتاب عبدالله بن الحباب قائلاً: (( من الثابت إن قبيلتي فهم وعدوان اشتركا في الفتح (يعني فتح مصر) واختططتا بالفسطاط )) .

هجرة بني عدوان و بني طرود إلى شمال افريقيا مع قبائل بني هلال و بني سُليم :
شهد أواخر القرن الرابع وأوائل القرن الخامس هجري رحيل قبيلة بني هلال وبني سليم من موطنهم الأصلي في الحجاز إلى شمال أفريقيا عبوراً بالشام ومصر.
وكان الدافع لقبائل العرب للإنتقال من مصر للمغرب هي إجازة الوزير الفاطمي الحسن اليازوري لهم بذلك للتخلص منهم و إنتقاماً من المعز بن باديس حاكم المغرب .
ويبدو أن فروعاً من قبيلتي عدوان و طرود بن سعد بن فهم الذين يجاورون بني هلال وبني سليم سكنا قد رحلوا معهم.
يؤكد ذلك ما أورده ابن خلدون عن جموع القبائل العربية التي وفدت إلى شمال أفريقيا مع بني هلال فقال في تاريخه: (( … وشعوبهم لذلك العهد كما نقلنا هم زغبة ورياح والأثبج وقرة وكلهم من هلال بن عامر … وكان فيهم من غير هلال كثير من فزارة وأشجع وجشم من بطون غطفان وجشم بن معاوية بن بكر بن هوازن وسلول بن مرة ابن صعصعة بن معاوية، والمعقل من بطون اليمنية، وعمرة بن أسد بن ربيعة بن نزار، وبني ثور بن معاوية بن عباءة البكاء بن عامر بن صعصعة، وعدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان وطرود بطن من فهم بن قيس، إلا انهم مندرجون في هلال وفي الأثبج منهم خصوصاً، لأن الرياسة كانت عند دخولهم للأثبج وهلال فأُدخلوا فيهم وصارو مندرجين في جملتهم)).

هجرة بني عدوان و بني طرود لأرض سُوف و إستقرارهم بها :
رغم الإنتقال المبكر لبني عدوان و بني طرود للشمال الافريقي أواخر القرن الرابع الهجري كما سبق ذكره إلا أنهم مارسوا حياة الحِّل والترحال و لم يكن الإستقرار الفعلي لهم بأرض سُوف إلا مابين القرنين السابع و الثامن الهجري .
فقد ذكر بعض المؤرخين أن بنو عدوان قد قدموا إلى أرض سوف في حدود سنة 1297 م/ 658 هـ و أقاموا بلدة الزقم ثم انتشروا في مناطق أخرى من سُوف .
أما بنو طُرود فقد كانوا مستقرين أول الأمر بباجه والسلوقيه وتستور ونواحيها فأكثر أهلها التشكي منهم , وطلبوا من العمال اخراجهم من تلك البقاع التونسيه , وقد خشيت طرود بطش الأمير أحمد بن محمد بن أبي بكر بعد أن أفضت الولاية إليه في حال رجوعه الى تونس , فتشاوروا واتفقوا على الرحيل الى محلهم الذي كانوا به سابقاً , وهو عقله الطرودي وماحولها , ومازالوا سائرين حتى نزلوا بقرب نفطه ثم انتقلوا من ذلك المحل ( نفطه ) إلى أن وصلوا عقله الطرودي , وكان ذلك في حدود عام 797 هـ/ 1395م .
وكان لهم من المواشي ( الإبل , والغنم , والخيل , والبغال , والحمير ) شيء كثير عمّ تلك الارض , ولهم من الذخائر الحربيه والأموال والحلي والاسلحة ما لا يحصى عددها .
وقد ذكرالشيخ العدواني : أن طرود كانت بعقلة الطرودي وإبلهم ترعى في الميتة وأبي دخان فبعثوا منهم رجلين يطوفان في الارض بحثا عن مراعي لماشيتهم,حتى و صلا ديار بني عدوان فأكرموهما و رحبوا بهما و دعوهم لمجاوتهم.
وهكذا إتخذ بنو طرود لهم مضارب ومنازل بضواحي سُوف ثم دخلوها (الوادي مركز سُوف الآن ) في حدود سنة 1398م / 800 هـ. و بدأ صراعهم مع قبائل زناته التي لم ترحب كثيرًا بمجاوارتهم لها بسبب منافستهم لها على المرعى و الماء .

الهجرات الأخرى لأرض سُوف :
ركزنا فيما سبق عن هجرة بني طرود و بني عدوان لأنها كانت الأبرز من الناحية العددية والزمانية ولأن أغلب أحداث المنطقة قد تركزت حولهما. لكن هذا لا يعني أن أرض سُوف قد كانت لهما دون سواهما فقد شهدت سُوف توافد قبائل أخرى من بني هلال كالفرجان و الربايع و غيرهما. كما استقر بسُوف العديد من السادة الأشراف و ذرياتهم قادمين من المغرب الأقصى و بلاد الجريد . كسيدي علي بن خزان مؤسس بلدة الدبيلة و سيدي عون المتوفى بالمنطقة التي تحمل اسمه و بها ضريحه و مسجده . وسيدي مستور وسيدي عبد الله و غيرهم ...
كما شهدت سُوف في نهاية القرن التاسع عشر و بدايات القرن العشرين بعض الهجرات الداخلية المحدودة من الأقاليم القريبة .

نبذة عن قبيلة زناته وإقامتها بوادي سُوف :
ذكر ابن خلدون الكثير من أخبار قبيلة زناته البربرية و بطونها العديدة :((هذا الجيل في المغرب جيل قديم العهد معروف العين و الأثر وهم لهذا العهد آخذون من شعائر العرب في سكنى الخيام و اتخاذ الابل و ركوب الخيل و التغلب في الأرض و ايلاف الرحلتين ....و شعارهم بين البربر اللغة التي يتراطنون بها و هي مشتهرة بنوعها عن سائر رطانة البربر....فمنهم ببلاد النخيل مابين غدامس و السوس الأقصى حتى أن عامة تلك القرى الجريدية بالصحراء منهم كما نذكره. ومنهم قوم بالتلول بجبال طرابلس و ضواحي افريقية و بجبل أوراس بقايا منهم سكنوا مع العرب الهلاليين لهذا العهد و أذعنوا لحكمهم و الأكثر منهم بالمغرب الأوسط حتى أنه ينسب اليهم و يعرف بهم فيقال : وطن زناته.)). كما عدد ابن خلدون شعوبهم و تفرعاتهم فقال : (( ولهم شعوب أكثر من أن تحصى مثل مغراوة و بني يفرن و جراوة و بني يرنيان و وجديجن و غمرة و بني ويجفش و واسين و بني عبد الواد وبني راشد و بني برزال و بني ورنيد و بني زنداك وغيرهم . و في كل واحد من هذه الشعوب بطون متعددة. وكانت مواطن هذا الجيل من لدن جهات طرابلس الى جبل أوراس و الزاب الى قبلة تلمسان ثم الى وادي ملويّة...)).
كما ذكر ابن خلدون أن قوم الكاهنة حاكمة البربر قبل انتشار الاسلام بشمال أفريقيا هم جراوة من زناته : (( وكانت زناته أعظم قبائل البربر و أكثرهم جموعا و بطونا و كان موطن جراوة منهم بجبل أوراس ...و كانت رياستهم للكاهنة دهيا بنت تابنة بن نيقان بن باورا بن أفرد بن وصيلا بن جراو...)).
و قد كان لهم في صدر انتشار الاسلام في المنطقة سطوة و شأنا عظيما خاصة بعد لجوء ادريس بن عبد الله أخو المهدي الى المغرب الأقصى. فقد أجاره البربر و قاموا بدعوته و دعوة بنيه من بعده و نالوا به الملك و غلبوا على المغرب الأقصى و الأوسط و بثوا دعوة ادريس و بنيه من أهله بعده في أهله من زناته مثل بني يفرن و مغراوة .....ثم انقرضت تلك الأجيال.
و تجدد الملك لهم بالمغرب في جيل آخر منهم فكان لبني مرين بالمغرب الأقصى و لبني عبد الواد بالمغرب الأوسط ملك آخر (الدولة المرينية و الدولة الزيانية ) تقاسمهم فيه بنو توجين و الفلُّ من مغراوة (من بطون زناته).
إلا أن سطوتهم و قوتهم أخذت في التقهقر بعد ذلك جراء الضربات الموجعة التي كانوا يتلقونها من بربر صنهاجة حينًا و من عرب بني هلال في أحيان أخرى .
فتفر جمعهم بين القفار ولجأوا الى الصحاري و الجبال. فكانت أرض سُوف ملاذا أمنا لبعض بطونهم (زناته) التي استقروا فيها و أسسوا فيها بعض أمصارهم و أحيائهم كتكسبت القديمة (قرب حي النزلة ) والجرذانية والبليدة القديمة (قرب الرقيبة) .
يتبع...

29 يوليو 2010

من تاريخ وادي سُوف (1)

 وادي سُوف الجُذور و الأصول
تطرقنا سابقا لأصل و دلالات تسمية وادي سُوف وقلنا أن الاعتقاد السائد أن الرحالة
الأغواطي رحمه الله تعالى هو من ذكرها بهذا الجمع "وادي سُوف" سنة 1829م في العصر الحديث ثم انتشرت هذه التسمية على أيدي الفرنسيين بعد احتلالهم للمنطقة.
وسنتطرق في هذه الأسطر بحول الله لنبذة موجزة عن أهم القبائل التي أقامت و
استقرت بالمنطقة منذ بضعة قرون وتشكل منها نسيج المجتمع السُوفي .

من المعلوم أن منطقة سُوف منطقة صحراوية مترامية الأطراف تقع بالعرق الشرقي
الكبير غير بعيد عن الحدود التونيسية الليبية شرقا و غير بعيد عن تلال قبائل النمامشة شمالا وتعد بوابة لصحراء الجهة
الشرقية من الجزائر وبالتالي فان موقعها هذا جعل منها همزة وصل هامة للقوافل القادمة و الذاهبة من وإلى المشرق العربي و قوافل الحجيج من المغرب الأوسط و الأقصى و كذلك للقوافل التجارية المتجهة لغدامس و افريقيا جنوب الصحراء و بالتالي فان المنطقة قد شهدت مرور العديد من القوافل التجارية و الدينية و قبائل البدو الذين يعتمدون على حياة الترحال بحثا عن الماء و الكلا لمواشيهم و أغنامهم. كما أنها كانت ملاذا أمنا للفارين من بطش الأمراء و المعارضين للسلاطين . الا أن الاستقرار الفعلي بهذه المنطقة قد تم بعد مقدم  قبائل عدوان بن عمرو بن قيس عيلان  وأبناء
عمومتهم قبائل طرود بن سعد بن فهم بن عمرو بن قيس عيلان . منطلقين من الجزيرة العربية فالشام فجنوب مصر فليبيا ثم تونس و استقر بهم المقام بأرض سوف في هجرات متلاحقة. وهذا لا يعني أنه لم يقطن أرض سُوف غير قبائل طرود و عدوان بل قد استقرت فيها قبلهم قبيلة زناته البربرية ثم أجليت منها كما سيتم ذكره لاحقا. كما شهدت سُوف مرور واستقرار قبائل عربية و شخصيات دينية وأولياء صالحين من الشمال و من المغرب الأقصى و تونس على فترات زمنية متعاقبة .
قبل الحديث عن هجرة قبائل بنو طرود و بنو عدوان لأرض سُوف لابدا من التطرق
لتاريخ هاتين القبيلتين العربيتين  العريقتين ولو بشكل مختصر.
  
نبذة عن قبائل عُدوان و قبائل طُرود :
 
ينتسب بنو عدوان و بنو طرود بن سعد بن فهم (بنو فهم) إلى العرب العدنانيين  نسبة إلى عدنان  من ولد نبي الله إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.
وتعود أصول قبائل عدوان و قبائل فهم إلى جدهم عمرو بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان الذي أنجب كلاً من :
• الحارث (عدوان ) ، وإليه تنتسب قبيلة عدوان .
• فهم، أبو قبيلة فهم وإليه تنتسب قبيلة طرود بن سعد.
• هند.
وأمهما هي جديلة بنت مدركة بن إلياس بن مضر، وقيل جديلة بنت مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضرعلى حد قول الكلبي وأبي عبيدة القاسم، والنسبة الأولى هي الأرجح و الله أعلم ...
وكانت العرب قديما تطلق على بني عمرو بن قيس عيلان بفرعيهم عُدوان وفهم جديلة قيس، نسبة إلى أمهم جديلة السابق ذكرها، والنسبة إليها الجَدِلي أو الجديلي.
وتلحق النسبة إليها بالاسم أحياناً فتحل محل العدواني، فيقال الحسين بن الحارث
الجدلي، وقد يجتمع كلا النسبتين، فيقال أبو عمرو قيس بن مسلم العدواني الجدلي،
كان هذا في عصر متقدم ثم انقضت النسبة إليها، فإما أن يقال عدواني نسبة إلى
عدوان أو فهمي نسبة إلى فهم.
قبائل عُدوان :
وهم بنو عُدوان بن عمرو بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
والأصل أن اسم عدوان هو الحارث بن عمرو بن قيس عيلان، وسمي بعدوان لأنه اعتدى على أخيه فهم فقتله، وقيل فقأ عينه و هكذا فحل اسم عدوان محل الحارث وبه عُرف هو و بنوه.
أنجب عدوان بن عمرو بن قيس عيلان أربعة من الأبناء ثلاثة من الولد وبنتا واحدة وهم : زيد  - يشكر - دوس - عاتكة
وأمهم ماوية بنت سويد بن الغطريف الأزدية .
وتفرع بنو عدوان إلى بطون عديدة نذكرمنها :
بنو عبس : وينتسبون إلى عبس بن ناج بن يشكر بن عدوان.
بنو الدرعاء :وينتسبون إلى الدرعاء بن ثعلبة بن رهم بن ناج بن
يشكر بن عدوان.
بنو كنة : بضم الكاف وتشديد النون، وينتسبون إلي جذيمة بن رهم
بن ناج بن يشكر بن عدوان، وأمهم كنه الأزدية عاشوا مع أشقائهم من الأم من ثقيف، فهم أخلاط من عدوان وثقيف.
بنو عوف: وينتسبون إلى عوف بن سعد بن الظرب بن عمرو بن عياذ بن يشكر بن عدوان، والمفرد عوفي.
بنو ثعلبة : وينتسبون إلى ثعلبة بن الظرب بن عمرو بن عياذ بن يشكر بن عدوان.
بنو حجر : وينتسبون إلى حجر بن عمرو بن عياذ بن يشكر بن عدوان.
بنو حارثة : وينتسبون إلى الحارث بن وابش بن زيد بن عدوان.
ومن عدوان  عامر بن الظرب العدواني : ونسبه عامر بن الظرب بن عمرو بن عياذ بن يشكر بن عدوان، حكيم العرب في الجاهلية وقاضي سوق عكاظ.
وعمرو بن كدام الجدلي : قائد عدوان وفهم في حرب الفجار الثانية.
ومنهم ذو الإصبع العدواني : وهو أحد أبرز شعراء العصر الجاهلي.
و منهم المدلاج بن عمروالعدواني : صحابي، شهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومات سنة خمسين للهجرة ...و غيرهم.
قبائل طُرُود (الفهمية):
وهم بني طرود بن سعد بن فهم بن عمرو بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
أي أنهم بطن من قبائل فهم التي تفرعت إلى بطون عديدة.
أنجب فهم بن عمرو بن قيس عيلان كلاً من : سعد – قين – عامر
وتفرعت فهم إلى بطون عديدة فمن بطونهم القديمة:
بنو طرود: نسبة إلى طرود بن سعد بن فهم.
بنو حرب: نسبة إلى حرب بن سعد بن فهم.
بنو زغبة: نسبة إلى زغبة بن سعد بن فهم.
بنو تيم: نسبة إلى تيم بن سعد بن فهم.
بنو مجنّ: نسبة إلى مجن بن عمرو بن ثعلبة بن كنانة بن عمرو بن قين بن فهم.
بنو كعب: نسبة إلى كعب بن سعد بن فهم.
بنو سُليم : نسبة إلى سليم بن سعد بن فهم.
ومن فهم الصحابي أبو ثور الفهمي،والقاضي الإمام الليث بن سعد ومنهم أعشى طرود الشاعر واسمه إياس بن عامر، ومنهم الصعلوك الجاهلي تأبط شرا واسمه ثابت بن جابر بن سفيان .
لقد ظل ذكر قبيلة عدوان مقترنا بقبيلة فهم في مجمل أحداث العصر الأول من
نشأتهم، ولا تزال لفهم باقية حتى عهدنا هذا، وتسكن في ضيم ويلملم من تهامة.
يتبع ...